الكاتب المفكر هو الذي يستنتج افكارا من خلال قرائته لكتب معينة وفق التخصص الذي يرغبه ، فعليه ان لا يبني الفكرة قبل ان يستنتج، اما تطويع المصادر لراي يريد ان يتبناه عاطفيا لا عقليا فهذا يقود الكاتب الى دهاليز ضيقة سرعان ما تتشتت رؤيته للموضوع ، ومثل هذا الكاتب يفقد قرائه عاجلا ام اجلا لان الحقائق لابد لها ان تظهر في يوم ما ، وحقيقة عندما اطالع كتاب واتابع معلومة معينة من المصادر التي اعتمدها الكاتب فاجد انها غير دقيقة او مبتورة او تلاعب بها فاني اترك الكتاب بل كل مؤلفاته ولا اعتمدها لانها تقودني الى معلومات غير صحيحة عندما اعتمدها فتصبح ثلمة علينا في كتاباتنا .
والمساحة التي يشغلها التراث الاسلامي تعتبر اكبر مساحة فكرية وتراثية ولها اكبر عدد من المصادر المخطوطة والحجرية والطباعية واخيرا الالكترونية ، وفي الاونة الاخيرة اصبح من هب ودب يقتحم المجال الاسلامي ليدلي برايه .
وانا اطالع كتاب محنة التراث الاخر للكاتب المغربي ادريس هاني لفت انتباهي لموضوع رائع يخص السرقات والخطا في البحث ، وكان موضوع البحث الكاتب المغربي المرحوم محمد عابد الجابري ، وحقيقة لنا كثير من المؤاخذات عليه ، ولانه ابن بلدته فانه اشار لافكاره السلبية التي بناها عن الشيعة دون الرجوع الى كتب الشيعة الموثقة او رجال الشيعة الاعلام حتى يبني رايه على اساس متين بل اعتمد هواه ، وهذا ديدن من يؤمن بالعلمانية لان الفكر الامامي حجر عثرة امام نشر افكارهم الواهنة .
ولكن الشيء الجميل عندما اشار الكاتب المرحوم جورج طرابيشي الى كتاب نقد العقل العربي للجابري والبحث عن مصادره وافكاره تبين له ان الجابري غير دقيق في نقل المعلومة وتثبيت المصدر بل حتى اتهمه بالسرقة واخيرا يشكره لانه بسببه جعله يكتب للرد على كل من ينتقد العقل العربي .
المشكلة عند بعض الكتاب عندما يعتمد على مصدر اعتمده غيره فيشير له في كتاباته دون اطلاعه عليه من غير ان يشير الى الكتاب الذي اشار الى المصدر وهذه سرقة مخفية ومصادرة جهود والبعض منهم فضح امرهم عندما اعتمدوا معلومة مسروقة تبين ان السارق الاول اخطا فيها فيقع السارق الثاني في نفس الخطا .
نعود الى الجابري الذي ينتقد العقل العربي ويرى ان عقلية ابن تيمية عقلية سليمة فيا للهول على هكذا قول ،فان طرابيشي عند قراءة كتابه نقد العقل العربي فانه نفى ان يكون التعريف الذي اعتمده الجابري للعقل المكون(بكسر الواو) من خلال لالاند ان يكون التعريف قد صدر من لالاند، بل صدر من (بول فوكييه) مؤلف(معجم اللغة الفلسفية) فالتعريف الذي اعتمده الجابري على اساس انه لـ لالاند: هو الملكة التي يستطيع بها كل انسان ان يستخرج من ادراك العلاقات بين الاشياء مبادئ كلية وضرورية ، وهي واحدة عند جميع الناس ) فحسب طرابيشي لا وجود لهذا التعريف في كتب لالاند ولا في كتابه "العقل والمعايير" الذي اعتمده الجابري أصلا.
وهنالك مؤاخذات كثيرة ثبتها طرابيشي بالدليل والمصادر على كتابات الجابري ، والجابري معذور فانه ركب الموجة التي ركبها اقرانه قبله وبعده ومنهم عبد الواحد بن عضرا ومالك بن نبي والعفيفي الاخضر وابو زيد والقمني ، وجميعهم خاضوا في افكار ليست من تخصصهم وتخبطوا كثيرا في افكارهم .
ولكن هنالك نقطة مهمة يجب الوقوف عندها ، الا وهي ان هذه الكتب لاقت رواجا كثيرا بين المثقفين في شمال افريقيا ، وهنا لابد لنا من الوقوف على السبب لهذا الاقبال ، واعتقد اهم الاسباب ان بعض المتصديين للخطاب الاسلامي لم يكونوا بمستوى الطموح لمواكبة الافكار المستحدثة التي تغزو الثقافة الاسلامية، والبعض لا يقبل النقاش اطلاقا حول الخطاب الاسلامي بل انه يدافع عن الروايات المحرفة فتصبح مستمسك لديهم للطعن بالخطاب الاسلامي وجعله غير ملائم لثقافة اليوم
https://telegram.me/buratha