المقالات

الصنمية ، رؤية من داخل النفس الانسانية

3447 2018-06-26

حيدر السراي

--الصنمية ببساطة هي التعصب لشخص بعينه ، واعتبار كل ما يفعله صوابا ومبررا ، وهذا الاعتقاد هو عين الاعتقاد بالعصمة وان لم يصرح بها الصنمي ، ولم يعتقد بها في قلبه ، الا انه من الناحية العملية يتعامل مع هذا الرمز على انه معصوم منزه في كل ما يقول ويفعل ، ولا اريد هنا الحديث عن مساوئ الصنمية واثارها لكنني بصدد البحث عن الاسباب النفسية لهذا الداء الذي بدأ ينهش في البنية الاجتماعية ويسبب شرخا كبيرا في العلاقات المجتمعية.

-- من المعروف ان العصمة ليست من الخصائص التي يمكن استكشافها عن طريقة التجربة والملاحظة والمراقبة فان مراقبة الفرد في كل صغيرة وكبيرة وخصوصية من الولادة الى الوفاة هو امر متعذر على الجميع ولذلك كانت العصمة من الامور التي لا تثبت الا بالنص الالهي المبلغ عن طريق المبلغ الحقيقي للامة ولذلك اجمع الشيعة على ان المعصومين بالنص بين المسلمين هم اربعة عشر فردا فقط وان هناك من القلائل ممن اكتسبوا هذه العصمة بسبب تربيتهم على يدي المعصومين وهذا ايضا لم يثبت الا باشارات المعصومين عليهم السلام كالسيدة زينب وابي الفضل عليهما السلام.

-- اذا كان هذا الاصل الفكري ثابتا فمن اين نشأت فكرة تقديس الرموز الاجتماعية وتحويلهم الى قامات مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، اذ ليس من الوارد ان يكون منشأ هذه الصنمية هو منشأ فكري استدلالي يعتمد المقدمات الموضوعية العقلية للوصول الى النتائج القطعية ، ولو تابعتم دفاعات الجمهور الصنمي عن الرموز التي يقدسونها لاكتشفتم مدى الخواء الفكري والسفسطة التي تطغى عليهم والتناقض الفاضح بين سطر واخر من تلك الدفاعات. وازعم انني ممن يكثر الحديث مع هؤلاء ويعرفهم عن قرب.

-- هناك في الاعماق السحيقة للنفس حيث من الصعب حتى على الانسان يلاحظ ذلك ، هناك في تلك الاعماق يعيش كائن مرعب وخطير هو المؤثر الاكبر في كل حركات وسكنات الانسان ، تتجاوز خطورته خطورة الشيطان وخطورة العالم الخارجي بأكمله ، ذلك الكائن يطلق عليه " الانا" هذا الكائن الذي يدفع الانسان الى تقديس ذاته وخصوصياته وتعظيم شأنه وكل ما يرتبط به فيرى نفسه حقا مطلقا ويرى مخالفه باطلا محضا ، وكلما ازداد جهل الانسان بخفايا هذه الانا وتأثيراتها كلما ازداد عنادا وتعصبا ، وينجر ذلك الى كل الرموز والجهات والشخصيات التي يتبعها هذا الانسان فتصبح جزءا من ذاته وانانيته المقدسة التي لا يسمح بنقدها او تقويمها ، من هذا المنطلق يبدوا واضحا ان الصنمي عندما يدافع عن رمز معين او تيار او حركة معينة انما يدافع عن ذاته ونفسه وانانيته ، وهو في الحقيقة غير معني بذلك الحزب او الشخص بقدر ما هو معني بانه على حق في اتباعه لهذا او ذاك ، طبعا انا اقر بصعوبة تمكن الانسان من تفكيك دوافعه النفسية وتحليلها بالطريقة التي تمكنه من اكتشاف ذلك المرض الخطير ، ومن الصعب ايضا توفر الموضوعية والحيادية اللازمة عند تقييم الاشخاص والتيارات دون تدخل هذه الانا المضلة للانسان ، لكن ذلك في تقديري ليس مستحيلا منطلقا من قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وما اعظم ما قاله امير المؤمنين عليه السلام في اعظم كلماته العرفانية : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" فان معرفة النفس والتمكن من لجم الانا سيمكن الانسان من معرفة الحق واتباع سبيل الهدى بلا تكلف واول خطوات هذا المنهج هو رفع كل هالات التقديس عن اي حزب او جهة او تيار او شخص لم يصدر فيه النص الالهي او النبوي او المعصوم وهذه النصوص لم ترد الا بحدود الانبياء والائمة عليهم السلام (والفقهاء العدول في زمن الغيبة بحدود الطاعة وليس العصمة) واما فيما عداهم فان اي خط احمر يوضع في طريق انتقادهم او تقييم ادائهم فسيكون ولاشك هو اول اعراض داء الصنمية ، نسأل الله ان يرزقنا واياكم حسن العاقبة وتعجيل فرجنا انه سميع مجيب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك