لتدقيق المواقف ومعرفة صحة المسارات والسياسات يمكن التساؤل.. من سيفرح لتحرير الرطبة لفتح طريق بغداد- طريبيل والتقدم في عملية تحرير الفلوجة والموصل، ومن سينزعج؟ ومن سيفرح لاقتحام الامانة العامة لمجلس الوزراء، وتطويق مؤسسات الدولة، ومن سينزعج؟
لن يختلف اثنان ان اعداء العراق و"داعش" سينزعجون من تحرير الرطبة.. وسيفرح ابناء الانبار والمواطنون العراقيون عامة.. سيفرح اصدقاء العراق وكل من يقف معه ضد "داعش" والارهاب. ولاشك ان الكثير من المتظاهرين في ساحة التحرير سيفرحون ايضاً، فانتصارات قواتنا المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة والعشائر وكل المتصدين لـ"داعش" هو انتصار للعراق، ولكل المواطنين وليس للحكومة فقط. بالمقابل سيفرح "داعش" من اقتحام مؤسسات الدولة، ومن الاشتباكات بين القوات المسلحة وبعض المتظاهرين.. وسيفرح اعداء العراق وكل من اراد ويريد ابقاء عدم الاستقرار والامن في البلاد.. وسيفرح ايضاً افراد او قوى هنا وهناك يعتقدون انهم يستطيعون استثمار حركة الاعداء لابتزاز الناس والاصدقاء.
ويخطىء الحسابات والتقديرات من يعتقد ان ما يجري ايام الجمع من مظاهرات غير سلمية، والتخريب والاعتداء يحظى بتأييد غالبية عراقية غاضبة على البطالة، والفقر، ونقص الخدمات، وفشل الكثير من السياسات. فالغضب والتذمر، والمنابر المسؤولة الناقدة، والبيانات المدروسة المشخصة للاخطاء، وعدد غير قليل من المسؤولين الواعين، ومن المتظاهرين الملتزمين بسلمية المظاهرات وحقانية مطاليبها، ليسوا رصيداً للمخربين و"الدواعش" وبقايا النظام السابق.. بل هم الشعب الحقيقي، في مكانه الطبيعي، يمارس واجباته وضغوطاته بسلام وصرامة وحزم ومسؤولية.. بالصوت الجهوري، ومناصرة المواقف السليمة والخطوات الناجحة.. او بالصمت وازدراء المواقف الخاطئة والتجاوزات غير المقبولة. فهو بيضة القبان، وهو الحصانة الحقيقية لحماية البلاد، ولوعي الشعب لمسؤولياته وحقوقه ومحاسبة المسؤولين والحكومة بكل مؤسساتها، ودعم المقاتلين الابطال ومبادراتهم الشجاعة لتحرير البلاد من دنس "داعش" وكل من يتحالف معها فعلاً او ضمناً، ولمنع الانحرافات ووضع الحواجز في طريق عودة البلاد للاستبداد.
لابد من فرز الجبهات وعدم خلط الرايات.. ففي جبهة الشعب نجد من يعارض الحكومة ومن يؤيدها، من داخلها ومن خارجها.. فالتأييد والمعارضة لا تعني لا الخضوع ولا التقاتل، بل تعني ادامة وتوسيع جبهة الشعب ضد الاعداء، لتتوقف اطرافها عن اي عمل يزعزع الجبهات ويضعف القوات المقاتلة او يشاغلها.. وتعني ايضاً احترام المواقف المتباينة في صفوف الشعب التي تعرف متى؟ واين؟ وكيف؟ تختلف وتتحد، فالتظاهر حق ووسيلة تعبير لها ضوابطها ومحدداتها تماما كالصحافة والاعلام وغيرها من وسائل تعبير. وان خرق البعض لهذه الضوابط والمحددات يجب ان لا يكون سبباً لشرعنة الخروقات، بل لمعالجتها. وهذا كله يضع على الحكومة ومؤسسات الدولة مهمة لفرز جبهة الشعب عن اعدائه. فجبهة الشعب فيها المعارضين والغاضبين والمتظاهرين والمؤيدين والذي واجبها حمايتهم والاستماع اليهم، وفي جبهة الاعداء هناك المخربين والمندسين والمفسدين والارهابيين، فتمنعهم وتلاحقهم وتقدمهم للقضاء. فاخطر ما يواجهه وضع اي بلد هو اما قسوة الحكومة وخلط الاوراق وعدم التمييز بين الصديق والعدو.. او ضعفها وتهاونها، وعدم مسكها المبادرة وزمام الامور، وفقدان ثقة الجمهور بها، سواء لقصور او تقصير فيها، او بسبب خلافات قواها، ونتيجة ذلك كله هو الضعف والتخريب والارهاب والانقسام.
ان استمرار الفوضى وتوسع حجم المجهول، وازدياد تكهنات المرتقب، وتباعد الاطراف المتزايد عن بعضها، وعدم اتخاذ سياسة واضحة تغلق منافذ الفتنة وتطمأن المواطنين والاصدقاء وتحشد الحلفاء، سيخسرنا انتصارات الرطبة وغيرها، وسيفكك جبهة الشعب سواء اكانت مؤيدة او متظاهرة، اوغاضبة ما دامت مسالمة لا تقتحم ولا تعتدي ولا تتجاوز ولا ترفع السلاح بوجه بعضها.. اما الجبهة الاخرى، التي تستثمر اخطاءنا وسذاجة مواقف بعضنا، وضيق افق اخرين من صفوفنا، فمهما كان اسمها او مدعياتها لكنه سيصح عليها كلام امير المؤمنين عليه السلام عندما قال "الخوارج" قولتهم المشهورة.. "لا حكم الا لله"، فقال عليه السلام "كلمة حق يراد به باطل، لكن هؤلاء يقولون لا إمرة، فانه لابد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل".
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha