ما زالت الازمة على اوجهها.. لم يحسم بعد موضوعة البرلمان الواحد او البرلمانيين.. ومن يترأس الجلسة؟ وجدول الاعمال؟ والموقف من الهيئة الرئاسية؟ وما زال موضوع التغيير الوزاري يراوح بين "الظرف المغلق" او "القائمة الثانية" او "التغيير الشامل" او "التكنوقراط"، الخ، الخ.. وما زالت دعوات التظاهر قائمة. فالازمة ما زالت على اشدها، فهل تهدد فعلاً الى تصعيد شامل، ام على العكس ستنجح الجهود المبذولة لايجاد حل سريع لهذه الازمة؟
كنا نقول دائماً ان الازمة التي هي سلسلة من تراكم ازمات ان لم تحل في وقتها، فستنفجر عنيفة، وقد تتجه اتجاهات خطيرة. وان لا حل لها سوى الازمة نفسها. تماماً كحريق ابار النفط، قد لا ينفع معه سوى انفجار اعظم. والازمات عندما تصل نهاياتها ولا تتصاعد لابد ان تفتح باب الحلول. واعتقد ان هذه الازمة قد وصلت نهاياتها. فالدخول في التصعيد الفعلي ليست كالكلام التصعيدي.
انه تورط وخيار محفوف بالمخاطر، وعلى من يريد الذهاب اليه ان يتحمل مسؤولياته ويدفع اثمانه. ورغم كل ما اختزنته الازمة من سلبيات لكنه يبدو انها لا تحمل خيارات التصعيد اكثر من ذلك. فعندما حصل تفجير الامامين العسكريين عليهما السلام في شباط 2006 كانت هناك قوى كاملة مستعدة للتصعيد، والتي وصلت الحالة العدائية المستنفرة، وفجر ما سمي في وقتها "توازن الرعب".. اما في الازمة الحالية، ومهما كان كلام البعض قاسياً، لكن الجميع، سواء المتواجد في الشارع، او في البرلمان او في الحكومة او غيرها، لم يصل حالة التنازع والعداء مع الاطراف الاخرى.. فهذه اختلافات "صديقة" وليست اختلافات "معادية" مهيئة للذهاب الى ابعد الحدود، كما قد يتكلم او يتصور البعض. فالتصعيد وانفلات الامور كلياً هو حالة تكشف عن اعراضها ويمكن قراءة مؤشراتها، وحسب رؤيتي لا شيء في الازمة الراهنة يقود لمثل هذه الاستنتاجات الخطيرة. وذلك كله لا ينفي خطورة الوضع بل تقدير موقف اتحمل مسؤوليته وقد يصح وقد يخطىء.
فعندما تفجر الوضع السوري او اليمني بمظاهرات سلمية، فانها سرعان ما تحولت الى حرب واقتتال اكل الحرث والضرع. فالاطراف المتنازعة، او احدها على الاقل، كانت تعتقد انها قادرة على تحقيق النصر والخروج بنتائج سريعة.. لذلك عندما وصل التصعيد الى نهاياته، ووصل الى القاع لا يستطيع الذهاب ابعد من ذلك، فان بوادر الحل بدأت تلوح في الافق.
ونعتقد ان هذه الازمة قد انفتحت امامها كل امكانات التصعيد لو كان لدى اي تيار قدرة او رغبة في التصعيد.. لكنه يبدو ان الازمة الحالية التي تسعى للخروج من المحاصصة تمثل ايضاً شكلاً اخر من المحاصصة. وخارج الكلام امام كاميرات الاعلاميين عن التكنوقراط والمستقلين، فان البلاد ستبقى بحاجة لتعريف القوى التي ستحمل المشروع بديلاً للقوى التي حملته خلال العقد الماضي واكثر.. فاذا كانت الازمة حاملة لهذه القوى فلابد ان تكون قد افرزتها الان.. فها هي مصر عندما انتفضت على قوى حاكمة سواء بالنسبة الى "مبارك" او "مرسي"، فان قوى بديلة كانت مستعدة ان تمسك دفة البلاد بكامل متطلباتها وشروطها. فهل هناك فعلاً -وليس قولاً- قوى قادرة ان تمسك البلاد بدل القوى الراهنة، بالرغم كل السلبيات التي لا ينكر عاقل ومنصف انها موجودة فيها، وان كان بدرجات.
لذلك نقول بان الازمة قد تكون وصلت نهاياتها، خصوصاً وان الحرب ضد "داعش" وشتى الضغوطات الاجتماعية والسياسية، الداخلية والخارجية، لا تسمح سوى بايجاد حلول عاجلة لهذه الازمة التي يجب الخروج منها باسرع وقت. ففترة واحتمالات التصعيد قد تكون تراجعت، ولم تبقَ سوى قرارات الحل. وقرارات الحل لا يمكن ان تأتي الا من القوى السياسية المتواجدة في البرلمان والحكومة والشارع، وهي قوى معروفة ومعرفة، وليس من غيرها.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha