منذ ان تولى السيد العبادي رئاسة مجلس الوزراء وهو يظهر النوايا الحسنة والعزم الاكيد على اتخاذ خطوات اصلاحية لانتشال البلاد من ازماتها الحالية.. وبالفعل تحققت بعض الانجازات.. فتم استيعاب هجوم "داعش"، واستعيدت المبادرة والارض والجمهور والتاييد الوطني والدولي. ورغم كل الصعوبات والمشاكل المتراكمة تحسن المناخ السياسي العام والعلاقة بين مختلف الاطراف.
وتحققت انجازات في القطاع النفطي من حيث ارتفاع معدلات الانتاج والتصدير، ودرء ازمات توفير المشتقات، رغم فقدان نصف انتاجنا المحلي تقريباً وظروف الشحة المالية. وتم عبور عام صعب مالياً تراجعت فيه موارد الدولة واحتياطاتها بشكل خطير، فقلص الانفاق كثيراً وتم البحث عن مصادر تمويل جديدة. وبدأت مؤسسات عديدة بالاعتماد على نفسها، وليس على موازنة الدولة، في ادارة مرافقها ونشاطاتها. وطرحت الكثير من الخطط التي من شأنها تنشيط القطاع الاهلي والخاص، رغم ان معظم هذه الافكار لم تجد طريقها للتطبيق، بل احياناً عرقلت باجراءات مضادة من قوى متخلفة او مستفيدة. وتحسنت العلاقات الخارجية مع الجوار والعالم رغم التعقيدات والصعوبات. رغم ذلك ما زالت الاوضاع صعبة.. وتواجه محاولات الاصلاح صعوبات جمة، ولكن قبل بحث الموضوع دعونا نشير الى حقيقتين لهما تأثيرات سلبية كبيرة.
الاولى: هناك جبهة واسعة همها الاول والاخير اسقاط التجربة وليس اصلاح الاوضاع.. وان عدم وعي هذه الحقيقة قاد بعض القوى، لخلط اوراقها مع اوراق تلك الجبهة بتلاوينها المختلفة، خصوصاً عندما يتعلق الامر بتسقيط المنافسين السياسيين في العملية الواحدة، وهو ما نشر فوضى اعلامية وسياسية باتت احدى امراض المرحلة، واحدى عوامل عطل الدولة والحكومة، واحدى عوامل ازدياد الاضطرابات والانقسامات.
الثانية: هناك صراعات اقليمية ودولية تلعب دوراً حاسماً في توفر عوامل الرضا والقبول عن هذه الحكومة او تلك القوة، او هذا الاجراء او غيره، بكل الاضرار والنتائج السلبية على البلاد.
بعد اخذ هاتين الحقيقتين بنظر الاعتبار، وبعد ان ذكرنا الانجازات المهمة، ولكن غير الكافية لانطلاق الدولة والمجتمع، يبدو واضحاً ان "العهد" عليه ان يحسم مساراته ويوضح مناهجه. فالعقدة هي ليست اصلاحات ترفضها القوى السياسية، فلقد منحت "النجف الاشرف" وجميع القوى السياسية بدون استثناء تأييدها المطلق لحزمة الاصلاحات الاولى واللاحقة، كدليل ان الرشد والقوة والزخم والفاعلية والوضوح والواقعية والجدية والحزم وايجابية الاثار التي تحملها افكار الاصلاح وتطبيقاتها الفعلية، هي التي من شأنها انجاح هذه الاجراءات، وليس اي امر اخر.
تكمن المشكلة في التناقضات والتضادات المعطلة.. فلا يمكن الحكم وفق الدستور، وفي نفس الوقت تغليب التطبيقات والتعليمات والتشريعات المناقضة له تماماً والموروثة من النظم السابقة.. ولا يمكن ان يكون احدنا حزبياً في الليل ومستقلاً في النهار.. او ان انتقد الاخرين ولا اصلح حالي وشأني.. او ان اطلب المؤسساتية من الاخرين واعمل انا بالفردية.. فاذا كانت الاحزاب عقبة، فهذا يجب ان يشمل الجميع، والذهاب الى حكومة لا حزبية، باشراف وضمانة كتلة الاغلبية السياسية البرلمانية من كافة المكونات والاحزاب وفق ميثاق الحد الادنى الضامن لحل المشاكل الاساسية للبلاد.. واذا كانت المناصب قد وزعت وكالة خلال المرحلة الماضية خلافاً لقواعد الخدمة العامة والمصلحة العامة، فهذا امر يخص الجميع وليس اطرافاً دون اخرى.. واذا كانت المحاصصة وقلة الخبرة هي العقبة، فهذا امر عام وليس خاص بجهة. فالاصلاحات يقوم بها الجميع ولمصلحة الجميع، او على الاقل الاغلبية السياسية المصممة والجادة على مواجهة الازمات وتقديم الحلول الناجعة. فالاهم اليوم هو الرشد والقوة والزخم والفاعلية والوضوح والواقعية والجدية والحزم وايجابية الاثار في مناهجنا.. فاللاحزاب وللسياسيين دورهم، وللمستقلين والتكنوقراط دورهم.. ولابد من مزاوجة هذه الامور، كل في موقعه، وبافضل ما يمكن ان يقدمه.. بعيداً عن الامور الشكلية والاشخاص والمواقع.. والتأكيد على معالجة الظواهر الكبرى والبناءات الاساسية والاهداف الحقيقية، التي يمكن للشعب ان يلمسها ويتحسسها، والتي تسمح للبلاد وللقوى المخلصة بالتقدم الى الامام.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha