كثرت في الايام الاخيرة الهجمات التي يشنها "داعش" مستخدماً موجة من السيارات والشفلات المفخخة على طول مواقع القوات المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة والعشائر المنتفضة.. كما كثرت الاعدامات التي ينفذها بحق الاهالي في الموصل وكركوك.. وقبل ايام اعدم سبع عوائل برجالها ونسائها واطفالها من "هيت"، لانها حاولت الهرب خارج المدينة. فلماذا موجة السيارات المفخخة والاعدامات بعد انتصاراتنا المتلاحقة، وبعد ان اصبح محَاصَراً فاقداً للمبادرة في اغلب المواقع، بعد ان كان محاصِراً وبيده المبادرة يضرب متى ما يشاء، وكيفما شاء ؟ انها ببساطة للحفاظ على روح النصر وتعزيز المعنويات التي لا تكسب اية معركة بدونهما.
على العكس من ذلك، نرى الكثير من الفضائيات والساسة، ديدنهم تدمير المعنويات، وادخال اليأس في قلوب الناس. فاذا تحقق امر ايجابي فانهم اول من يتصدى لتسفيهه والتشكيك به، وهم اول من يصدق الاكاذيب ويروجها، وكأنهم لا يريدون للبلاد ان تنهض.. وكأنهم طابوراً خامساً.
نعم ان الاوضاع صعبة.. وان البلاد تمر بازمة لم تبدأ اليوم، او في 2003، او بالحرب العراقية الايرانية او باجتياح الكويت. بل بدأت منذ التأسيسات الاولى. ازمة لم تجد الحلول الحقيقية في وقتها وبقيت تتراكم وتزداد حدة في كل مرحلة. وسيبرهن المستقبل بان البلاد بدأت بنهضتها منذ فتوى المرجعية برفض اي دستور لا تقره جمعية منتخبة من العراقيين ويطرح على الاستفتاء العام. صحيح ان هناك فوضى، وتدافعات، وخروقات، وانتهاكات، وفساد، وفشل وتكرار فشل.. لكن هناك عزم على الصمود، ومقاومة الارهاب، والدفاع عن استقلال البلاد ووحدتها، ونجاحات، وتقدم، وتحسن احوال معيشية، وتوفر حريات عامة، وتسكين متضادات وخصومات كثيرة، واقرار حقوق عديدة.
فها هو المنتخب العراقي الاولمبي لكرة القدم تحت 23 عاماً يحرز المركز الثالث ببطولة كأس اسيا، المؤهلة لأولمبياد "ريو دي جانيرو"، في حين تفشل فرق عريقة كايران والسعودية.. وها هو انتاجنا النفطي من الحقول الوسطى والجنوبية يدور حول 3.8 مليون برميل/يوم، وللعراق كله بحوالي 4.5 مليون برميل/يوم.. وهي ارقام لم نحققها في اية مرحلة سابقة.. ليتحول العراق من المنتج الـ13 عام 2005 بانتاج كلي 1.878 مليون برميل/يوم ليحتل العراق المرتبة الرابعة عالمياً متجاوزاً الصين الذي يزيد انتاجها بقليل عن 4 مليون برميل.. وها نحن نشهد بعض التحسن في القطاع الزراعي.. ونأمل ان تقود الازمة المالية لتخفيف قيود الدولة، وتشجيع الاستثمارات في القطاعات الحقيقية والخدمية والسكنية والتعليمية والصحية.. الخ.
وها ان اليونسكو يختار "بغداد مدينة الابداع الادبي" من بين 47 مدينة من 36 دولة كاعضاء جدد مثلت مختلف الحقول الابداعية، ليس على اساس تاريخها، بل على اساس واقعها. فالعراق رغم كل ظروفه يحتل المرتبة الـ80 عالمياً في 2015 بالنسبة للناتج الوطني/للفرد، (حسب القوة الشرائية Purchasing power parity) بمبلغ 15113 دولار/فرد/سنة، متقدماً على الدول العربية عدا لبنان وبلدان مجلس التعاون الخليجي.. فالاجانب يسبرون الاعماق ويفهمون تناقضات الاوضاع، لذلك نرى اعينهم ما زالت شاخصة نحو العراق تطلب فيه الاستثمار والعمل، بينما ابناء جلدتنا لا يرون سوى السطح، والمشاكل والازمات.
نحن غير راضين، والعراق يستطيع ان يفعل افضل من ذلك بكثير، ويستطيع ان يصبح بين الاوائل.. لكنني ساتجرأ، بكل ثقة، واقول ان العراق –رغم كل ما يطفو على السطح من مآسي وازمات واحباط، لكنه على وشك ان يعبر مرحلة من اخطر مراحله.. مرحلة بدأت بلدان اخرى بالدخول فيها تحت عنوان الربيع العربي او اية عناوين سابقة او لاحقة. مرحلة يعتمد استكمال شروط عبورها علينا.. فان احسنا التصرف وفهمنا ما يجري من حولنا، وعززنا روح النصر والنجاح والتفاؤل، واستثمرنا واحات النجاح ووسعناها، فسنتجاوز هذه الظروف، ان شاء الله.. اما اذا كنا من بين اولئك الذين خاطبهم امير المؤمنين عليه السلام "يااهل العراق فانما انتم كالمرأة الحامل حملت فلما اتمت املصت".
https://telegram.me/buratha