واثق الجابري
دون شك أن مشاكل الوطن كالأمراض؛ لا يمكن علاجها دون تشخيص، ومَنْ لا يُشخص مشاكله الخاصة؛ لا يمكن أن يكون أداة لعلاج الآخرين، ولا يحديد منظومة مجتمع ومؤسسات، ولا ينهض بمسؤولياته.
قد تتشابه النداءات، وتختلف المسميات، ورُب صوت يشترك مع جميع الأصوات، ولا يُختلف عليه إلاّ من شذّ، أو سعى للتشويش على صوت جامع.
دأبت المرجعية الدينية عبر خطاباتها، أن تكون جسر ممتد الى جذور التاريخ العراقي، وبوصلة تحدد مستقبل البناء وأدواته، ودور محوري في تشخيص الخلل وحقوق المواطن، ولم تكن وجود طاريء؛ لشعب ضائع فقد البوصلة؛ تداهمه المطامع الخارجية، وتمزقه مخالب الأذرع الداخلية، وتضرب تثاياه على صخور إغتراب الهوية والوطنية، وتستنزف طاقاته؛ بتهجير العقول وتشويه الفكر؟!
تمتلك المرجعية الدينية سلطة معنوية، لا تُؤخذ من حكومة ولا تنقطع في زمن ومرحلة، وزرعت نفسها في عقول منبعها وطن؛ يجبل النفوس الى دائرة الإصلاح، ورغم قوة تأثير خطواتها؛ إلاّ إنها لم تفكر بمكسب دنيوي وسلطوي، وآلت أن تتعالى على رد لأصوات نكرة تنتقص منها، وموقعها الأبوة والرعاية، التي تدعو الضالين الى الهداية والرُشد.
رُبَّ سائل: من أين تنطلق المرجعية في دفاعها عن حقوق المواطن، وإلحاحها على تكرار إرشاداتها؛ هل من دور ديني، أم من منطلق آخر؟! الجواب بما حصلت عليه من ثقة وإستقطاب وقبول وتأثير على كل الطوائف، ودقة وعمق تشخيص المصالح والمفاسد، وما يضر الشعب جراء التناقضات السياسية، وما هي خطوات بناء المستقبل؛ إذْ لم تتحرك بدوافع دنيوية، نظراً لأهدافها الإلهية؛ بضمير جماهير وطنية نقية.
تلك الإطروحات والتوجه الوطني، لم يلقى قبول السلطات والساسة المنتفعين، وإختلفت ردود الأفعال الرافضة لصوتها، لإستشراء الفساد وتورط جهات سياسية بأجندات خارجية، التي أدت الى عرقلة التنمية وإنتشار الإرهاب، وتعمد تعطيل طاقات الشباب، وخلق حالة تفاوت إجتماعية، ومنابع فساد بالإستحواذ على السلطة؟!
إن بعضهم يحاول إبعاد المرجعية عن دورها السياسي والإجتماعي، ويخلط أوراق فصل الدين عن الدولة، أو يتهم المتدينين بالفساد الى حد إتهام المرجعية بالحماية لهم، وظهرت أصوات زج بها خلال المظاهرات لطعن؛ مرجعية أصبحت تؤمن بها كل الأطراف بمختلف التوجهات، وترى حياديتها ودقة تصويب تشخيصها، وعدم فرضها عبادة حسب هوية الساسة الفرعية؛ بل عبرت عن طيف جماهيري واسع؛ إلاّ المفسدين والإرهابيين. وما مطاليب تظاهرات اليوم؛ إلاّ تشخيص سابق للأخطاء السياسية، وإعتبرت دعوتها للإصلاح لا تقل شأناً عن فتوى الجهاد الكفائي، وأيدت التظاهر ودعت الى محاسبة الحكومات السابقة.
المرجعية حق طبيعي، ورصيد وطاعة وإنقياد المجتمع، كان دورها حث المواطنين على الإنتخاب لإختيار الأصلح والأنزه، وبذلك تطابق المفاهيم الدستورية والعقلية؛ من جانب وطني وتمثيل شعبي.
تكررت الإساءة للمرجعية الدينية من بعض المتظاهرين؛ المشبوهي التوجه والروابط المعروفة؛ غايتهم فك عُرى العلاقة الوثيقة بين المرجعية والجماهير، وإبعادها عن إسداء النصح والإرشاد وهموم الشعب؛ بدعوى فصل الدين عن الدولة، بعد أن عجزت الجهات الإرهابية والفاسدة؛ عن مواجهة الأدلة الدامغة التي قدمتها المرجعية؛ لتشخيص السقطات الكبيرة التي إرتكبها الساسة، اللذين تعمدوا التغاضي عن العقل والمنطق، وإستغاثة مواطن كان ضحية ممارساتهم.
https://telegram.me/buratha