قبل انهيار الاسعار،وبعدها سمعنا، ونسمع، تصريحات متناقضة من كبار المراكز العالمية ومنها “الاوبك” و”صندوق النقد الدولي” وكبار المسؤولين الحكوميين والمحللين والمصارف العالمية.. فالبعض يؤكد ارتفاعها مع نهاية العام الى 200 دولاراً للبرميل.. واخرون يقولون انها ستستقر عند 75 دولاراً، وغيرهم يقولون بانهيارها لدون الـ20 دولاراً. فما هو تفسير هذه التناقضات؟
ان علم التوقعات الاقتصادية، وتأثيره في البورصات والاسواق والاستثمارات، وبالتالي الاسعار، هو علم غامض ومعقد تتداخل فيه عوامل عديدة.. منها نفسية، وسياسية، وبيئوية، ومنها اقتصادية.
فالعامل النفسي يختلف بين اعلى حالات التفاؤل واشد حالات التشاؤم حسب موقع كل طرف، ودولة، وشركة، ومصرف ومستثمر، وقدراته واهدافه.
وتختلف تقديرات العامل السياسي.. فدول تريد هبوط الاسعار، واخرى تناقضها تماماً.. فتأتي المواقف والتصريحات لتعزيز هذا الاتجاه او ذاك.. او تأتي للتضييق على الخصوم كما هو الحال بالنسبة لايران والملف النووي، او لروسيا والملف الاوكراني.وان ازمة كازمة اليمن، في منطقة ملتهبة كالجزيرة والخليج، كان يمكنها، وما زال يمكنها، ان ترفع الاسعار الى ما فوق 200 دولاراً. فهناك في عالم السياسة اليوم الف يمن ويمن.. وعوامل التفجير والتحريك لا يمتلكها طرف واحد، بل لا تمتلكها الدول الكبرى فقط، فالدول الاصغر والقوى الاقليمية لها دورها ايضاً.. بل هناك دور تلعبه “داعش” و”القاعدة” وغيرهما.
بغض النظر عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة او انخفاضها، فيما يخص العامل البيئي، فان تسونامي واحد قد يغير المعادلات في موازنات الطاقة كما فعل بالنسبة لمفاعلات “فوكوشيما” اليابانية.. وان تقارير سلبية عن تأثيرات الكاربون المنبعث والانحباس الحراري قد تؤثر على الاستثمارات في الطاقة البديلة والاستغناء عن بعض الوقود الاحفوري (النفط والفحم والغاز).. يقابله اتجاهات معاكسة. فعندما تنخفض اسعار النفط، فان الاستثمار في مجالات الطاقة البديلة يصبح اقل جدوى، مما يقود بدوره لارتفاع الاسعار.وهذا الملف ليس بريئاً بمجمله، بل له علاقة بمصادر القوة، وما تمتلكه الدول والقارات من ثروات، فتعظم من قيمة ما تمتلكه، وتحط من قيمة ما يمتلكه غيرها. فالانحباس الحراري اساسه سلوكيات الدول الصناعية، وان الموضوع لم يثر بهذا الحجم عندما كانت هذه الدول تحتكر ثروات الفحم والنفط.. لكنها بدأت تثيره، بهذه القوة، عندما اصبحت هذه الثروات بيد غيرها، مؤثرة سلباً على ميزانها التجاري. وهذا امر له تعقيداته ويدخل في اطار نظريات “التبادل والتراكم اللامتكافئين”، والتي قسمت العالم الى عالم اغنياء وفقراء.. وشمال وجنوب، بكل تعقيداته البنيوية.
تبقى العوامل الاقتصادية المعقدة، من عوامل العرض والطلب.. واسعار الصرف للدولار.. والاستثمارات ومعدلات الربح والنمو.. الخ. وقناعتنا انه مهما كانت الصعوبة في تقدير اوضاع المستقبل ومنها اسعار النفط، لكن البقاء عند العامل الاقتصادي يبقى هو الاكثر رجحاناً وطمأنة. فكما توازن الطبيعة نفسها عبر فصولها.. فان الاقتصاد يوازن نفسه عبر دورته. فالنفط سلعة حقيقية واستراتيجية يحتاجها العالم، وسيفرض سعره الذي لا يمكن ان يبتعد كثيراً عن مصادر الطاقة الاخرى الاكثر كلفة والاصعب تحقيقاً.
https://telegram.me/buratha