قاسم العجرش
مرت قبل أيام الذكرى الثامنة والستون لتأسيس حزب البعث، في السابع من نيسان 1947، وصادف وبتوافق تأريخي عجيب، أن يليها الإحتفال بسقوط البعث في التاسع من نيسان 2003، حيث إنتهاء فصل الموت، والبدء بفصل الحياة.
ما بين قيام البعث وحطامه ست وخمسين سنة، عشنا منها عقودا أربعة كاملة تحت حكمه، إبتداءا من 1963 ولغاية 2003، مع فاصلة قصيرة كان الحكم فيها للأخوين عارف، ولكن بأياد بعثية!
الأربعون سنة تلك، لم يكن فيها للأفراد والجماعات أيّة حقوق، سوى ما يتكرم به النظام عليهم، تبعا لمدى طاعتهم وألتزامهم بالولاء له، أما سوى ذلك، من خدمات وحصة تموينية، وأبنية ومنشآت وفرص عمل، وعطل أعياد، فإنها وبرغم كونها من أموال الدولة، لكنّها تصبح بقدرة قادر من مكارم القائد والنظام!
الحقيقة أن نظام البعث، خصوصا في الحقبة الصدامية، التي أستهلكت معظم عمره الشرير، قد أحتكر معظم البنية المجتمعية، وأعاد بنائها بشكل يتناسب مع متطلباته وإشتراطاته، وتشكلت صورة قبيحة لكثير من العراقيين، الذين عاشوا في جوفه المظلم، المفتوح على تفتت مستقبلي قابل للإنفجار، بعد موت محقق.
في ذلك الصدد؛ تشكلت طبقة مثقفة عاشت في كنف البعث ونتانته، وكانت تلك الطبقة وبلا خجل من سجلات التأريخ، تصف النظام البعثي بالوطنية، برغم الإستبداد والإفقار، والانغلاق والتسلط، والوطنية المبتذلة المفصلة على مقاس البعث ونظامه، حيث تربط الوطنية بمعيار فكري مغلق؛ إن لم تكن الوطنية على مقاساته، فهي ليست وطنية، وتتكثف برغبات دنيئة، تستجدي عطايا النظام، ذلك النوع من الوطنية الذي يدمج الوطنية بالنظام، بدل أن تكون وطنية؛ تدمج مفهوم الوطن بمفهوم المواطن.
الحقيقة أن تلك الطبقة التي ما زالت بين ظهرانينا، كانت تروج الى وطنية دون مواطنين أحرار، متساوين مع رجال السلطة التي تماهوا معها، وفي ذاكرتنا مئات آلاف من الأنشطة الثقافية، التي تمجد حزب البعث وقيادته، بطريقة لم يكن حتى صدام نفسه يحلم بها.
المثقفون الذين نعنيهم، مازالوا يتسيدون المشهد الثقافي والإعلامي، كانوا جنودا حقيقيين لدى النظام البعثي، وكانوا يعملون بإخلاص؛ كي يتم النظام إطباقه على المجتمع!
يخشى العراقيون كثيراً ضياع العراق، لكنهم يخشون أكثر أن يستعيد البعث عافيته، وهذه المرة من بوابة المصالحة الوطنية، هذا المفهوم المائع القابل للنأويل والتفسير، والذي يروج له أولئك المثقفين والإعلاميين، ومن بوابة قانون المسائلة والعدالة، المعروض أمام مجلس النواب للقراءة الثانية، وهو قانون يراد منه تسويغ وجود جديد للبعث في حياتنا!
كلام قبل السلام: لقد كانت الثقافة أداة طيعة بخدمة النظام، وكان المثقفون مجرد براغي في تلك الآلة، التي تكتب بلغة عربية متقنة!
سلام...
https://telegram.me/buratha