يردد البعض في هذا "المكون" اهمية التشبث بالسلطة بكل الوسائل القانونية وغير القانونية، السلمية والعنفية.. ويقولون "ان فقدنا الحكم.. لن نعود ثانية". بالمقابل يروج البعض في "المكون" الاخر، بشيء مقابل، معتقدين ان ازاحة افراد، بالوسائل المشروعة او غير المشروعة، بالعنف او بالتآمر سيسقط كامل المكون.. وسيحرمهم السلطة الى الابد.
فقط من يحمل عقلاً تآمرياً او ساذجاً يفكر بهذه الطريقة.. فقوى السلطة الحالية لم تصل بانقلاب عسكري ليضعها في الحكم البيان رقم واحد، وليزيحها بيان اخر.. بل جاءت، وتغادر، عبر الانتخابات ومنح الثقة. سيقول قائل لكن الدبابات الامريكية هي التي اسقطت النظام السابق وجاءت بالحكم الحالي.. وهذا غير دقيق الا بمعنى رصاصة الرحمة على صدام. فالاطروحة الامريكية فرضت الاحتلال، وخططت لبناء نظام يقوم على دستور تعده المجمعات الانتخابية المعينة، يقود بالضرورة لان تمسك نخبة معزولة عن الشعب مقاليد الامور، كما في نظام المضابط التي اتبعها الاستعمار البريطاني عند احتلال العراق بعد الحرب العالمية الاولى.
صحيح ان السلطة هي هدف القوى السياسية، بلحاظ اعتبارات متعددة.. ولكنها اليوم لا تستطيع فعل ذلك الا عبر الانتخابات.. فلو كانت السلطة الهدف الاول والاخير للاطراف العراقية المتصدية، لما قادوا بانفسهم معركة اسقاط اطروحات الاحتلال، والمجمعات الانتخابية، واصروا على اجراء الانتخابات لجمعية وطنية منتخبة تعد لدستور دائم وحكومة تنتخب ديمقراطياً ويصروا على انهاء الاحتلال والتمهيد لانسحاب القوات. لم تؤسس القوى والاحزاب التي قادت معركة الدستور قاعدة تضمن لها الحكم، وإلا لذهبت لنظام رئاسي مطلق، ولقيود وضوابط شتى تضمن لها البقاء باسم القانون. فهي كانت تعلم طبيعة العراق التعددية.. ولم ترَ من نظام انسب من النظام البرلماني واللامركزي والفيدرالي لتحقيق ذلك.. فتصرفت بوعي وشرف، ودافعت واحترمت المكونات ومكانتها بما فيها اقلها عدداً.. واحترمت الاديان ومذاهبها.. واحترمت العقائد والحريات والحقوق، ولم تتحايل كما في دساتير اخرى لضمان حكم نخبة او طبقة او قومية او طائفة او دين.
ان نزعة السيطرة على السلطة والتفرد بها هي ممارسة طويلة واغراء شديد غالباً ما تسقط فيه القوى السياسية.. لذلك توضع الدساتير والنظم الانتخابية والمؤسساتية والديمقراطية لتطويقها والحد منها. ونزعة التفرد في العراق عبر حزب او فرد او مكون او نخبة تجربة وتربية طويلة.. والتجربة الدستورية والديمقراطية تجربة فتية.. وان نزعات التفرد التي تظهر في صفوفنا تسعى للالتفاف على الدستور وتجميده، وعلى الانتخابات وتوجهاتها.. وعلى حكم المؤسسات وتعطيل عملية التداول.. واختراق القضاء والتأثير عليه لتحقيق مآرب بعيدة عن استقلاليته وعدالته ونزاهته.. وان مواجهتها لا يكون الا عبر الدستور والمؤسسات والانتخابات النزيهة والقضاء المستقل العادل. وقد قاومت هذه النزعة ليس المكونات الاخرى فقط، بل اساساً القوى الكبرى من المكون ذاته وعلى رأسها المرجعية الدينية العليا. لهذا فرض التغيير نفسه، وانتصر مفهوم التداول، وهذا امر مهم في بلد لم يعرف او يمارس الديمقراطية طوال تجاربه الماضية.. واستطاع ان يفرض الكثير من ممارساتها، ولو احياناً باشكال قلقة ومرتبكة وناقصة.
فالاهم اليوم حماية الديمقراطية، فهي ستصحح نفسها عبر ممارستها..
والاهم اليوم دحر الارهاب وداعش، والوسيلة الاهم هي الوحدة الوطنية والتعبئة العامة.. فالوحدة الوطنية ان كانت تحمل عواملها الموضوعية فستفرض نفسها، كذلك ان كان لحلول اخرى حقيقة موضوعية فستفرض نفسها ولن تنفع معها الدبابات والحروب.. وسيعكس الواقع الشعبي والاجتماعي نفسه بتلاوينه ومركباته في المجتمع والسلطة والدولة والحكومة، ولا سبيل اخر غير ذلك.
https://telegram.me/buratha