قاسم العجرش
لم يكن تمدد داعش في العراق، مفاجئا لمن يقرأ الكتاب من الغلاف الى الغلاف، لكن النتائج التي حققتها داعش على الأرض هي التي كانت مفاجأة.
في واقع الأمر فإن داعش قبل أن تطرق باب العراق، كانت تبني وجودا قويا لها فيه، ذلك لأنها أكتشفت أن لا مستقبل لها في سوريا، إذ أنها وشقيقاتها جبهة النصرة والجبهة الإسلامية، لم تتمكن من أن تحقق الهدف الذي كان يصبو اليه من صنعها، فالدولة السورية لم تنهار، بل هي رتبت أوضاعها لحرب داخلية ربما ستطول 10 سنوات أخرى، دون أن يتحقق هذا الهدف..
المشهد في سوريا معقد أكثر مما هو في العراق، وسينتقل ما حدث في سوريا الى العراق بسبب أخطاء فادحة أرتكبها "الإخوة" التكفيريون، الذين انقلبوا اعداءا يذبح بعضهم بعضا، فداعميهم إضطروا الى التوقف عن دعمهم بسبب الإدانات الدولية، بعد أن أكتشف العالم مصادر الدعم، وها هم السعوديين والقطريين والأتراك يغيرون بوصلاتهم مضطرين، كما أن الجيش السوري وحلفاءه يتقدمون بسرعة على الأرض. وآلاف المسلحين يسلمون أسلحتهم ويعلنون توبتهم وعودتهم عن الخروج على الدولة السورية.
الحلم بإنهيار سوريا إنهار، وأدركت داعش وأخواتها ومموليها، إستحالة الإطاحة بالنظام السوري، واستبداله بفوضى خلاقة تكمل إنشاء مشروع الشرق الأوسط الجديد، ووجد الذين مولوا وسلحوا ودربوا أنهم أمام مأزق قرب عودة آلاف التكفيريين الى بلادهم. ما يعني أن السهام سترتد عليهم، وسيقلب العائدين سافلها عاليها، في الدول الممولة بل وفي معظم دول العالم, ومنها أمريكا وحلفائها الغربيين.
لذلك لم يكن أمام الأمريكان وحلفائهم في المنطقة، إلا أن يرسلوا داعش الى العراق، لتحقيق هدفين يجري تنفيذهما بالتوازي.
الأول هو أنه بإرسال داعش الى العراق ،والسماح بتمددها فيه، يعني أنه سيتم التخلص منها، أو على الأقل تقليم أظافرها، ذلك لأن العراقيين لن يدعوا داعش توئد تجربتهم الديمقراطية الواعدة، وسيهبون لمقاتلتها بضراوة، وصحيح أن خسائر جسيمة سيتكبدونها، لكنهم سينتصرون في نهاية المطاف، وستنتهي داعش على يدهم؛ وهذا بالضبط ما يريده من تورط بصناعتها!
الثاني أن الإدارة الأمريكية أكتشفت، أن العراقيين ليسوا مطيعين لها تماما، وأنها لم تستطع أن تجعلهم أدوات، في مشروعها الشرق أوسطي الجديد، وأنهم عنيدين صعب مراسهم، ولذلك وجدت أنه يقتضي ترويضهم، وذلك بزجهم في معركة يحتاجون دعما خارجيا فيها، وأن هذا الدعم يجب أن يكون أمريكيا، ومهدت لذلك بأنها عملت على إضعافهم طيلة عشر سنوات، ولم تسمح بتسليح جيش العراق وقواته الأمنية، بما يمكنها من حفظ سيادة العراق وأمنه وإستقراره..
كلام قبل السلام: الحسابات الأحادية التفكير، لم تضع في جدولها أن للعراق جار شرقي له مصالحه أيضا، وأن هذه المصالح ليست من نمط المصالح الأمريكية، بل هي مصالح عضوية، ترتبط بالعقيدة ، وهو أمر لم يتم تقديره جيدا من قبل الأمريكان!
سلام..
https://telegram.me/buratha