قاسم العجرش
لأننا بدأناها على أنقاض نظام شمولي، إحتكر مفردات الدولة من قمة هرمها الى قاعدته، وأختصرها به وبمواليه، فإن عمليتنا السياسية تميزت بعد زواله، بنهم الساسة المفرط نحو المراكز التنفيذية، متصورين أن العملية السياسية، تعني إستيراث التركة!.
يكشف هذا النهم عن عدة أمور، تجتمع كلها في حالات، وتتفرق في حالات أخرى، لكن آثارها تلحظ على العموم، على جباه أغلب المشتغلين بالحقل السياسي.
تتراوح أسباب النهم الى السلطة، بين الدافع الشخصي، والنوازع الفردية، وحب السلطة وجاهها، وما توفره من منافع مادية، وعدم وجود ثقافة المعارضة وتبني مطالب الجماهير.
تسبب هذا النهم بتزاحم شديد على المراكز التنفيذية، وتحول هذا التزاحم في مراحل كثيرة، من مراحل عمليتنا السياسية، الى مشكلة مستعصية الحل، وقد لحظنا ذلك في تأخر تشكيل الحكومة السابقة قرابة ثمانية أشهر، وشغور مناصب مهمة فيها، كمنصبي وزيري الدفاع والداخلية بسبب هذا التزاحم، حتى إنتهاء أجلها، ما تطلب إدارتها بالوكالة طيلة أربع سنوات، وهي سابقة سياسية، ربما لم تحدث في غيرنا من البلاد.
الحكومة الحالية، تأخر فيها تسمية المنصبين إياهما لذات السبب، ما يكشف أن أولوية ألأمن لم تكن حاضرة في أذهان الساسة، بقدر حضور من يشغل المنصبين، أي أن الأولوية للأشخاص لا للمهام!
من إنعكاسات النهم التزاحمي وتداعياته، إستحداث كثير من المناصب والمراكز الوظيفية العليا، وإستحداث مؤسسات فضفاضة وبعناوين مختلفة.
ثمة أرقام مفزعةعن عدد نواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس مجلس النواب، ونواب رئيس الوزراء، والوزراء ووزراء الدولة، ووكلاء الوزراء ومستشاري رئاسة الوزراء، ورؤساء الهيئات المستقلة، ورؤساء المؤسسات والمديرين العامين، ومستشاريهم، وقادة الأجهزة الأمنية المتعددة وما يتطلبه من منح رتب عليا، فاق عديدها ما لدى جيوش حلف الأطلسي مجتمعة..أرقاما مفزعة حقا!
يدلل وصف جهاز الدولة الآنف، أنه بسبب إنقضاض الساسة على الدولة، فإنها ـ أي الدولة ـ تورمت بسببهم، وأن الإدارة الحكومية العراقية ليست مترهلة فحسب، لكنها مصابة بتضخم لا تجدي معه العلاجات قط، وليس من سبيل إلا بعملية جراحية، باهضة التكاليف على الصعيد السياسي والوطني.
العملية تعني ببساطة أن نستبدل الدولة!
كلام قبل السلام: ثمة سؤال يطرحه العقلاء دوما: هل نسمح لحياتنا أن تدير عقولنا، أم ندع لعقولنا مهمة إدارة حياتنا؟!
سلام...
https://telegram.me/buratha