تامل العراقيون خيرا بالخلاص من سطوة البعث, بعد عقود القهر, فسقط صدام بالجحر, وتفرق جمع الرفاق, وانبثق عهدا جديد, كله أمل بتحقيق العدل الغائب, وان تعود الحقوق لأهلها.
لكن تبخرت كل الأحلام, وتحولت إلى كوابيس, بفعل صعود الطامحين لإنشاء دكتاتورية جديدة, ثمان سنوات أضاعت علينا فرص النهوض, حيث تفرد شخص واحد بتملك خيوط الأمن والمال, وانتهج سياسات غريبة بعيدة عن مصلحة البلد, مما دفع لنشوء مافيا فساد, أموال تهدر, وشعب جائع, وأحلام تموت, نتائج الأنانية والسعي للتفرد.
كان واجبا على من يريد التفرد, إن يلجا لخبراء في الفساد, فكان قرار إرجاع الكفاءات البعثية, والاعتماد عليهم, في الكثير من مفاصل الدولة الحساسة, والدفع بهم حتى في تنظيمات حزب الدعوة, والصعود بهم بالانتخابات, وتم وضع بعض مفاصل الجيش والأجهزة الاستخبارية بيد بقايا البعث, مما أسس لنشوء الدولة العميقة, التي تعمل على تدمير كل أساس, عبر نشر الفساد, وهذا عرضا ينفع المتفرد الجديد, وهو لا يدرك بنظرة بعيدة أنهم يؤسسون لإسقاط الدولة!
شهر حزيران صوته كان مدويا, سقطت الموصل وصلاح الدين بيد عصابات, تدعى بالدواعش, والأكثر غرابة هروب قيادات الجيش الموالية للمالكي نحو كردستان, واختفاء القوات الأمنية, ثم مذبحة سجن بادوش وقاعدة اسبايكر بحق الشيعة حصرا, فكيف حصل هذا؟ هل كانت للقيادة السياسية رؤية, أو علم ما سوف يحدث؟ من يتحمل المسؤولية؟ ومن نحاسب؟ وهل يمكن إصلاح الحال؟ تساؤلات حزيران لم تجد لها جواب.
إن تشخيص الخلل, يدفعنا لتبني رؤية, وهي إن أهم أسباب السقوط ,تسرب قيادات البعث بكل قبحه للدولة, وإطلاق يدها تفعل ما تشاء, وكان الدافع في ذلك, رغبة أصحاب القرار السياسي التفرد بالحكم, فالاعتماد على المشبوهين من قيادات البعث كان هو علة الحدث, وهذه الكائنات البعثية تتحين الفرصة للإساءة للعراق, فاوجد لها الطامح للتفرد الفرصة الذهبية, واستغلتها أبشع استغلال, ولولا فتوى السيد السيستاني لتم ابتلاع العراق.
الغرق في مستنقع البعث كان الخطيئة الكبرى, التي مارسها الساعي للتفرد, لم ينتبه إلى إن البعث مجرد ورم لا علاج له إلا بالاستئصال, فكيف يداوي مرضه بالسرطان!
https://telegram.me/buratha