المقالات

السيد الحكيم ... النظرة القيادية في فك الاختناقات الطائفية..

1634 00:21:00 2007-03-29

( بقلم : .كريم النوري )

المشهد السياسي العراقي افرز قيادات استثنائية استطاعت بكل جدارة ان تفرض نفسها على الواقع وتثبت للعالم ان الامة في العراق ليست عقيمة وهي امة ولود ومعطاءة وتنجب الرجال الاشداء القادرين على ادارة زمام امورها برغم الاهتزازات والتحديات.

وثمة قيادات عراقية بحجم الازمة العراقية وتحدياتها فكلما اشتدت الازمات والشدائد برزت قدراتها المخزونة ضمن تراكمات تجاربها وخبراتها فلا تتراجع او تتردد او تستكين. القيادات الفذة لم تأت من فراغ او جاءت على غفلة من الزمن ولو كانت كذلك فانها سرعان ما تزول عندما يحمى الوطيس او تبلغ القلوب الحناجر.في الظروف الطبيعية لا يمكن لاحد ان يستكشف هذه القيادات وقد تقفز الكثير منها الى سياقات الحدث او قلب الحدث وقد تتكاثر او تنشطر كالامبيبا لكنها تبقى قيادات ظرفية لا تنهض بالواقع او تستمر في التواصل وقد يعتريها الافول او الذبول. وربان السفينة لا تنكشف مهارته الفائقة الا عند العواصف والاعاصير والرجال الاشداء لا يعرفون الا عند الاهتزازات والشدائد واما في ظروف الرخاء والدعة والراحة فالجميع يتساوون في البطولة والرجولة والادعاء والانتماء.

والسيد الحكيم بقية السيف وبقية آل الفقاهة والجهاد والشهادة قد كان ومازال من القادة القلائل الذين يمكن ان يشار اليهم بالبنان فهو قائد قد اجتمعت به مزايا وسجايا لا تجتمع عادة في غيره ، فهو يقول ويفعل بل يفعل اكثر مما يقول وينظر ويغير بل يغير اكثر مما ينظر ويعي ما يقول ويقول ما يعي ، وهذا السر الذي جعل له مصداقية وواقعية في الميدان السياسي.

لم تتألق مواقفه في العراق الجديد وان اتضحت امام شعبه فكان له دور بارز في نصرة السيد الشهيد محمد باقر الصدر في لحظات الحصار الحرجة التي شح بها قوم وتراجع اخرون فكان حلقة الوصل بينه وبين مريديه من رجالات الحركة الاسلامية ولم يخش احداً من ازلام السلطة البائدة التي طوقت بين السيد محمد باقر الصدر باوغادها يتربصون بالمؤمنين الدوائر.

محمد رضا النعماني في كتابه "السيد الصدر سنوات المحنة وايام الحصار" قد اشار مكرها لمواقف السيد الحكيم وانصفه بغير اختياره واشاد بمواقفه في نصرة الصدر الشهيد.  ولم يستطع اخفاء ولاء الحكيم للصدر برغم ما شط به يراعه لظلم الاخرين.

لم يبزغ نجم الحكيم كثيراً في سنوات المهجر والمواجهة لوجود شمس شهيد المحراب التي غطت على كل النجوم ، وهو لم يتقدم خطوة بهذا الاتجاه للحضور القيادي للشهيد السعيد اية الله العظمى محمد باقر الحكيم(قدس) مختزلاً شعاراً علوياً " السعيد من اكتفى بغيره".

ولكنه مع كل ذلك فقد كان فدائياً لشقيقه شهيد المحراب كان كمالك لعلي بن ابي طالب فلم يتردد في كل رؤية يشير بها شهيد المحراب ولم يتراجع او يعتذر عندما يقرر شهيد المحراب موقفاً صعباً وحساساً لاعتقاده ان الرؤية الاجتهادية المعمقة والموثقة لشهيد المحراب لا تجعل في قلبه شك في اهميتها وشرعيتها.

والحقيقة التي نجرؤ على طرحها في هذا السياق العابر هي ان حضوره مؤتمر لندن 2001م للتفاهم بين اطراف المعارضة العراقية وبلورة رؤية سياسية لما بعد اسقاط النظام البعثي كانت اشدّ عليه من حضوره في ميادين المواجهة المسلحة في مواجهة النظام البائد، ولكنه كان شجاعاً في حضوره في هذا المؤتمر كشجاعته في التواصل مع الشهيد محمد باقر الصدر اثناء الاقامة الجبرية او في حضوره في ساحة الوغى مع ابشع نظام اجرامي في المنطقة والعالم. وفي اعتقاده ان التفاوض من اجل انقاذ الوطن لا يختلف كثيراً عن المواجهة العنيدة من اجل الهدف نفسه ولكنه يدرك في نفس الوقت خير الشرين واقل المفسدتين عندما تتعارض مصلحتان او تنفرض مفسدتان والعاقل الحكيم ليس من يعرف الخير من الشر بل الحكيم العاقل من يعرف خير الشرين.

اغتيال حكيم العراق والوطن شهيد المحراب وضع العراق امام منزلق خطير ومنعطف مثير وكان العراق قاب قوسين او ادنى من الحرب الاهلية اوالفتنة الطائفية وهو ما خطط له التكفيريون الذين خططوا لاغتيال شهيد المحراب كخطوة حتمية لادخال العراق في اتون هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر، فكانت ظروف العراق وغياب النظام والامن يساعد على اشعال مثل هذه الحرب بالاضافة الى هول الصدمة والمصاب الذي الم بالشيعة بعد استهداف قائدهم الشهيد الحكيم.

فامسك السيد الحكيم تأثره واستوعب صدمة المصاب فشمر عن ساعديه بكل شجاعة وصبر وحلم ووعي فاعلن ان الذي خطط لاغتيال شهيد المحراب يريد الفتنة بين السنة والشيعة فلنعمل على وحدة الصف ونبذ الفتنة وتفويت الفرصة على اعداء العراق. بهذه الرؤية الواعية والروح الوطنية المخلصة وجه مسارات الجماهير الغاضبة باتجاه التهدئة والتعقل فحول ساحة الفتنة والاقتتال الاخوي الى ملحمة للوحدة بين السنة والشيعة.

في لحظات الغضب والانفعال الشيعي بفقد عقل العراق وحكيمه يقف السيد الحكيم بكل تصبر ورباطة جأش ليساهم في عقلنة الانفعال وتهدئة الغضب وهو قادر في تلك اللحظة الصعبة ان يقلب الوضع رأساً على عقب ويعمم العقاب لكنه ينأى بنفسه عن ذلك بل ويسعى الى تأكيد الحس الوطني وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الفئوية والشخصية ويقدم التعقل والاتزان على الانفعال والاقتتال.

يقف حاجزاً قوياً وسداً منيعاً لمنع انهيار التيار الجماهيري الجارف باتجاه تعميم العقوبة وتهديد مكونات لم تتحمل اثام غيرها لشعوره وشعاره الالهيين " ولاتزروا وزارة وزر اخرى"  وفي قيادة ائتلافه في المعركتين الانتخابيتين والاستفتاء على الدستور اثبت السيد الحكيم جدارة لا نظير لها في توجيه مسار الائتلاف وقيادة سفينته الى شاطىء البرلمان في زمن تعاضدت قوى اقليمية ودولية ومحلية على اغراق سفينة الائتلاف بثقوب التشويه والافتراءات والاراجيف.

وقاد خيمة الائتلاف بروح فدائية شجاعة في قبال حشود من الجبهات والاصطفافات والتخندقات المدعومة اقليماً ودولياً وكانت ثقته بشعبه اكبر من كل الرهانات. وفي لحظات الاستحقاقات داخل الائتلاف نفسه لم يفكر بمصالح ومكاسب حزبية ضيقة لهمه الكبير بان العراق هو اكبر واهم مصالحه وان فاتت مريديه بعض المكاسب والمناصب فان المحصلة النهائية هي انجاح العملية السياسية في العراق وهذا اهم في نظرته من كل الاعتبارات الشخصية، فقد اختزل شخصه ومصالحه من اجل الوطن ولم يحتزل الوطن من اجل شخصه.قد يعتب او يغضب مقربون منه لمكاسب سقطت او مناصب فاتت ضمن المحاصصة الحزبية داخل الكتل النيابية ولكنه يحاول طمأنتهم بانه لهم وهو حصتهم ورصيدهم وهم اكبر من كل هذه المصالح والمطامح لانهم يفكرون بشعبهم لا بنفسهم.

يجوب البلدان والدول المعنية بشأن بلاده باحثاً عن حلول لمعضلة العراق ويلتقي زعماء العالم بكل ثقة ويقين وامام الاضواء الكاشفة وليس في الغرف المظلمة والكواليس المعتمة لعلمه ان الذين يخفون الحقائق عن شعوبهم ستفضحهم الايام والاقدار كما انه لا يخشى شيئاً حتى يخفيه.

انه يكره المزايدات والادعاءات والشعارات الفارغة ومع شعوره الاكيد ان هذه المزايدات قد لا تلحق به الاذى والاتهامات الظالمة بل تبعد عنه كل الشبهات والافتراءات ولانه لا يفكر بنفسه قد تحمل كل ذلك من اجل شعبه. كان يحب شعبه ويضحي من اجله وعندما يقابله شعبه بملأ فيه " بالروح بالدم نفديك يا حكيم" يمتعض ويعترض ويبادرهم بتحية احسن فيجبيهم "الحكيم يفيدكم بروحه وبدمه"  ولانه ليس ملكاً لنفسه بل ملك لشعبه فانه كان يحترم نصائح رجال حماياته الشجعان ويلتزم بتقدير الموقف الذي يبلوره المعنيون بحمايته ولا يخالفهم في الشأن الامني لانهم العين الباصرة والساهرة لحمايته ... لكنه لم يكترث لنصائحهم وتحذيراتهم عندما يقرر السير مشياً لجده الحسين(عليه السلام) في اربعينيته فيخاطبهم هذا شان يعنيني ويمضي بشجاعة في مناطق لا يمكن تأمينها او السيطرة عليها امنياً بل شهدت قبل ساعات تفجيرات باحزمة ناسفة او استهداف القناصين التكفيريين والصداميين.

سار مع الحشود الزاحفة لمرقد سيد الاحرار والشهداء هذا العام غير آبه بمكر احفاد ابن العاص المعاصرين لانه اراد ان يمزج بين الاقوال والافعال وبين الشعار والشعور , اليس هو القائل مخاطباً جده الحسين في المنابر والحناجر : " يا ليتنا كنا معكم .."

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك