( بقلم : طالب الوحيلي )
قبل ان يصدر تقرير بيكر هاملتون الخاص بالشأن العراقي ،كان السيد رئيس الوزراء نوري المالكي قد شكا من مشكلة القرار الحاكم لإدارة الملف الأمني ،ولاسيما صلاحيته الكاملة في تحريك وقيادة القوات الأمنية كونة القائد العام للقوات المسلحة على وفق احكام الدستور العراقي الدائم ،فضلا عن علاقة القيادة العامة تلك بالقوات المتعددة الجنسيات التي يفترض انها قوات دولية الغرض الأساس منها توفير الامن العام للشعب العراقي، اضافة الى المساعدة في تأسيس وتطوير الجيش والقوات العراقية على مختلف الوانها ،وذلك الامر معيار بقاء تلك القوات في العراق المرهون برغبة الحكومة العراقية في تمديده او في طلب مغادرتها ،حيث يترتب على وفق القرارات الدولية المشرعنة لتواجد تلك القوات ،انها تتحمل كامل المسؤولية عن كل أخفاق في تنفيذ مهامها من جانب، ومن جانب آخر تحملها مسؤولية التعويض عن كل ضرر يصيب الشعب العراقي ،وما جرى من إخفاقات في إدارة الملف الأمني فان المقصر الاول فيها هي القوات المتعددة الجنسيات التي لم تشعر المواطن العراقي يوما بجديتها في معالجة اي ملف يهم ذلك لمواطن ،بل هي موضع اتهام الجميع ،لاسيما تدخلها في الشأن السيادي بصورة تكاد تكون مطلقة ،ومحاباتها للقوى المعارضة لرأي الشارع العراقي الواسع الذي تمكن من صنع اسطورة الانتخابات والاستفتاء والمواقف الجماهيرية الملايينية الاخرى ،وكأن الادارة الامريكية وليست القوات المتعددة الجنسيات هي من لا يرغب بحكم الجماهير ودولة القانون ،لتجعله يائسا محبطا من نجاح تجربة طالما حلمت بها الشعوب المضطهدة في العالم الثالث ،لتنكفئ في بوتقة شعورها التقليدي ،من ان تلك الدولة مازالت عدوة للشعوب ،بدل ان تكون رسول الحضارة والانعتاق من ربقة الظلم والدكتاتورية ..
ابسط خدمة لا يمكن ان يحرم منه المواطن الامريكي وفي أحلك الظروف ،وهي نعمة الكهرباء التي نسينا مميزاتها لولا ركوب الهموم في اقتناص النزر البائس منها ،هي بكل تأكيد ممكنة الحل لو شاءت الدولة العظمى ان تمد يد المساعدة للحكومة العراقية في معالجتها ،لتكسب إعجاب المواطن الفقير وشعوره بقدراتها الإنسانية من هذه الناحية مادام لم يلتمس اي شيء من تلك القدرات التكنولوجية سوى ضجيج الطائرات المقاتلة وحركة ناقلاتها وعجلاتها العسكرية وتعنيفهم للمواطن المبتلي بالإرهاب والخوف والعذاب ،فيما تأكدت توجسات القوى الدينية والسياسية من إخفاق تلك القوات في معالجة الملف الأمني منذ سقوط النظام البائد ،حيث تناقلت الألسن المثل الشائع ( اهل مكة اعرف بشعابها ) وان الأمن لا يمكن ان يفرض عن طريق الدبابة او القوة المفرطة ،مما ينبغي ان تستلمه القوى العراقية المخلصة وتطوره على وفق نمط إنساني قادر على تفهم إرهاصات الواقع بعد سقوط الحكم الصدامي ..
في الوقت الذي أشرت الادارة الامريكية بوجود احتراب طائفي لم يرقى الى الحرب الاهلية ،وقفت القوات المتعددة الجنسيات في كثير من الاحيان موقف المتفرج على المجازر التي ارتكبت ضد اتباع اهل البيت ،وغضت النظر كثيرا عن الهجمات الارهابية التي كان يقوم بها التكفيريون والصداميون ضد الاسر الآمنة ،فيما كانت تتصدى لاي رد فعل مسلح دفاعا عن النفس من قبل تلك الاسر ،كما انها وفرت ملاذات آمنة للزمر الارهابية في العامرية والدورة واليرموك وحي الجامعة وغيرها من المناطق التي لم يجري فيها اي صدام مسلح مع تلك القوات ،فيما ظهرت بوادر تشكيل ما يسمى بدولة الطالبان وفرض قوانينهم في تلك المناطق وتقويض سلطة الدولة العراقية الى حد ما ..وقد وثقت بعض القيادات المشاركة بالحكومة بتلك القوات دون الثقة بالقوات العراقية (انهم يفضلونها امريكية!!)التكنولوجيا العسكرية والمعلوماتية التي تتفوق فيها الولايات المتحدة على العالم باسره ،يفترض ان تكون بكامل حضورها في العراق بحيث لا يمكن لطير ان يطير او دابة تدب في الارض الا وهي قيد علم ومعرفة لمؤسسة العسكري ،لكن الكارثة هي ان تلك القوات كانت اخر من يعلم فيما لو وقعت كارثة تفوق احداث الحادي عشر من سبتمبر في العراق،ناهيك عن نوع تلك الكارثة حتى ولو كانت بمثل دولة العراق الاسلامية !!
يقولون ان هناك معدات الكترونية قادرة على كشف المواد المتفجرة عن بعد عشرات الامتار مهما كانت كمية تلك المواد ،كذلك توجد حيوانات مدربة ،وان الاقمار الصناعية قادرة على رصد الرجل وهو يقضي حاجته ،لكنها في العراق لم تجرب لحد الآن لتعبر شاحنات محملة باطنان المتفجرات وتنفجر وسط العاصمة وقرب مقرات الحكومة ،وما خفي كان اعظم!!
تقرير بيكر هاملتن اكد على استراتيجية جديدة تتمثل بادارة القيادة العراقية للقطعات العسكرية على ان يكون دور القوات المتعددة الجنسيات اسناديا وان تتدخل في الوقت الذي تحتاجه القوات العراقية ،على ان تدعمها بكافة الامكانيات المادية والتقنية ،وقد نجحت الخطة الامنية الجديدة ،خطة فرض القانون في اهم مفاصلها ذات الطابع العراقي المحض ،ويمكن ان تحقق نجاحات حاسمة لو اسندت بجد من القوات المتعددة الجنسيات ،لكن المشكلة بقيت في اطار القوات المنفلتة عن هذا السياق ،فنراها تداهم مناطق مسقرة امنيا وتترك المناطق الساخنة ،او انها تعتقل من تشاء دون أي قرار عراقي ،مصرة على محاصرة اراض شاسعة من منطقة الرصافة ،تاركة الفضل او الاعظمية مكامن للإرهابيين ،فيما تقبع العديد من مناطق الكرخ تحت ظلام الخوف والقتل والاختطاف حيث الجثث المجهولة الهوية ..من هنا كانت دعوات القوى السياسية العراقية على ضرورة وضع ضوابط لعلاقة القوات المتعددة الجنسيات مع الحكومة العراقية وتحديد صلاحيات تلك القوات ،فقد اكد ذلك السيد عبد العزيز الحكيم في خطبته وسط الملايين من زوار اربعينية الامام الحسين (ع) مؤكدا على ان (ضرورة عقد اتفاقية امنية بين الحكومة العراقية وقوات متعددة الجنسيات وفق قرارات مجلس الامن، وهو الامر الذي تضمنته رسالة الحكومة العراقية عند التجديد لبقاء القوات المتعددة في العراق، لأننا نعتقد ان هذه الاتفاقية يجب ان تتضمن تحديدا واضحا لصلاحيات القوات المتعددة الجنسية في المجال الامني وتنظم الاعتقالات والجهة التي من حقها القيام بها وفق القانون كما توضح صلاحيات ومسؤوليات كل طرف بما يساعد المسؤولين العراقيين في اداء مسؤولياتهم ، و يؤكد السيادة العراقية على المطارات والمنافذ الحدودية وحركة الطائرات المدنية وهي التداخلات التي طالما خلقت المشكلات والازمات التي تزيد الوضع العراقي تعقيداّ).
فيما اعلن السيد عمار الحكيم الامين العام لمؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الاسلامي المطالبة من جديد (على متابعة الاتفاقية الامنية بين الحكومة العراقية وبين القوات المتعددة الجنسيات في العراق لابد من وجود اتفاقية امنية لابد من تحديد صلاحيات كل من الحكومة والقوات المتعددة الجنسيات ولايمكن ان تبقى هذه القوات بصلاحيات مطلقة بما يتعارض ويتقاطع مع السيادة العراقية الكاملة نطالب بمتابعة هذا الموضوع بشكل جاد من الحكومة الموقرة.كما نطالب بالاسراع باطلاق سراح كل السجناء الذين اعتقلوا من قبل القوات العراقية او القوات الاجنبية ولم يثبت تورطهم باي جريمة، اما ابقاء الاف مؤلفة من السجناء في سجون الحكومة العراقية او القوات المتعددة الجنسيات من دون ثبوت تورطهم باي اساءة فهذا شيء غير مقبول).
https://telegram.me/buratha