( بقلم : شوقي العيسى )
البصرة ثغر العراق ،مدينة عريقة تقع في جنوب العراق على رأس الخليج العربي، تحدها إيران من الشرق والكويت والسعودية من الجنوب والجنوب الغربي ، ومن أسماء البصرة القديمة (( الطريدون أو تريدون ))، وهي قديمة قدم تأريخ نشأة العراق حتى ورد أنَ أبا البشر سيدنا آدم عليه السلام هبط في البصرة.البصرة تعد المدينة الثانية بعد العاصمة بغداد من ناحية عدد سكانها الذي بلغ (2600000) مليونين وستمائة ألف نسمة حسب التعداد السكاني لعام 2003.
البصرة التي يلتقي فيها نهرا دجلة والفرات ليكونا شط العرب في مدينة القرنة 80 كيلو متر عن مركز المحافظة ما يجعل المنطقة تتزين بذلك المصب المائي الذي ينحدر ما بين حزام أخضر من النخيل متجاوزاً بذلك شجرة آدم عليه السلام متسلسلاً بدفقه ليمر بجيكور مدينة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب ليجعل منها قصيدة رائعة.
تلك نبذة مبتسرة من جزئيات البصرة الفيحاء والتي نتذكّر الطيبة والكرم والجود لأهلها الذين سيطرت عليهم عصابات دخيلة تعبث بأفق تراثها المجيد وتسرق رؤى أهلها الأوفياء..
هذه العصابات التي تحكم البصرة وتتحكّم بمصير خيراتها وإرثها الحضاري الذي يرجع الى آلاف السنين، في ليلة وضحاها تمكنت تلك العصابات من إحكام قبضتها على البصرة بأكملها لتغيب ثرواتها سلبا ونهبا ،وتناحرت عصابات الشر وتشاجرت فيما بينها لتتفق في صفقة تقاسم الكعكة.
منذ أن إنهار شبح الدكتاتورية في العراق ومدينة البصرة تشهد حالة من التشرذم المزدوج بين كافة الفصائل التي يخيّل أنها بصرية ، تتصارع على إثبات وجودها ناسين ومتناسين نظرات الشعب البصري إليهم وهم في زحمة التنافر والتناحر فيما بينهم ولايوجد من يغيث المواطن البصري ولايوجد من ينتشل المواطن البصري خصوصاً وهناك الكثير من الإخفاقات الإدارية التي تهدد مدينة العلماء والعباقرة والفلاسفة فخذ مثلا إن مدينة البصرة أنجبت الحسن البصري والجاحظ وإبن قتيبة وإبن سيرين وإبن المقفّع وأبو نؤاس والحسن إبن الهيثم والخليل بن أحمد الفراهيدي وبدر شاكر السياب والمؤرخ السدوسي والفقيه المجدد محمد رضا المظفر ومحمد أمين زين الدين وعبد الكريم شمس الدين ومحمد شمس الدين ومالك بن دينار ونجيب المانع ومحمود البريكان ومؤسس مدرسة الإعتزال في البصرة العلاف وعالم في علم الكلام العطوي والمبرّد واحد من أئمة الأدب والأخبار والمفجّع البصري الكاتب والشاعر والأديب النحوي وسيبويه الذي نشأ في مدينة البصرة بعد أن قدم من شيراز وهو غلام ،، هؤولاء بعض من فطاحل البصرة وأعمدتها.
لي قريب يعمل في أحدى الشركات في البصرة أخبرني أنّ مدير شركتهم لايحمل شهادة الإعدادية وبما أنه أحد الموالين لأحدى أحزاب محافظة البصرة وعن طريق التمثيل المحاصصي تم تعيينه بدرجة مدير والذي بدوره قام بإستدعاء بعض طلبة كليات الجامعة لتعيينهم بدرجة مهندسين ومدراء عامين وهناك الكثير من خريجي جامعة البصرة لم يتم تعيينهم منذ أعوام 1990 لكونهم لم ينخرطوا في أي جهة حزبية ولم يعلنوا ولاءهم لتلك الجهات فليس لهم مكان في أي عمل لأنهم بذلك يتجاوزون قانون المحاصصة الحزبية التي أخترقت وتجاوزت مجال البرلمان والدولة العراقية لتحط رحالها بين أبناء المحافظة الواحدة ومن ثم ليتم تقسيمها الى أجزاء صغيرة سهلة المنال،،، ماجعل الكثير من خريجي الجامعات الوقوف على أبواب الدوائر الحكومية في البصرة لأجل الإنضمام لحزب معيّن حتى يتمكن من الحصول على وظيفة.
وأنت في البصرة لا تحتاج معرفة تقاسيم الدوائر حسب النظام المحاصصي فبمجرد نظرة واحدة الى واجهة الدائرة الحكومية فإنك ترى احدى صور عظماء الحزب أو الجهة فتتيقن أن هذه الدائرة هي تابعة الى صاحب الصورة ، وقد لا نخطئ حين نقول أنّ البصرة تحكمها الصور المعلقة على واجهات الدوائر الحكومية ، وجل هم هذه الدوائر والأحزاب المتواجدة في الشارع البصري توفير الكهرباء الى دائرته وبدون إنقطاع وكيف يوفر المياه المعبأة والمستوردة للشرب الى دائرته وكيف يجلب لدائرته عقود الصفقات التي تتم بين الفرقاء الحزبيين في البصرة وهناك الكثير من الكيفيات لاتعد ولاتحصى ولم نر منذ سقوط نظام صدام ولحد اللحظة أي تطور ملحوظ في الشارع البصري رغم هدوء البصرة نسبياً إذا ما قورنت ببقية المحافظات ولازال الواقع الأليم هو نفسه وبدون تغيّر.
حقيقة الأمر اننا نستغرب كل الإستغراب من البصري العريق في أصوله والكريم بطبعه ورمز الشهامة والنخوة لماذا هذا الخنوع والخضوع والذل لبعض عصابات التسلـّط في البصرة فإذا جاءت هذه العصابات الى صدارة البصرة عن طريق الإنتخابات والشعب البصري هو من أنتخبهم فهو قادر على إستبدالهم وإخراجهم ، فلماذا السكوت على السرقات التي تقوم بها تلك العصابات؟ فلطالما كان الشعب البصري السبّاق لرفض الظلم والإستهتار بالمشاعر إبان حكم الدكتاتور فلماذا يسكت في الوقت الحاضر وتأريخ البصرة حافل بالبطولات والحضارات والعظماء والفلاسفة؟ فلماذا يندثر تأريخ كامل يسرقه ثلة من بقايا وشراذم المجتمع والدخلاء على المجتمع البصري؟.
للتذكير فقط: عندما دخلت قوات الإحتلال الى البصرة لم يمر يوم إلا وكانت هناك مظاهرة في البصرة تطالب قوات الإحتلال بتحسّن الأوضاع مرةً المعاشية وآخرى الخدمية وتارة البيئية،ألم تكن قوات الإحتلال تعطي دولارات للمواطنين البصريين لأجل تنظيف أنهار البصرة وتنظيف شوارع البصرة؟؟فأين تلك الجهود وأين تلك المظاهرات،ألا يكفي الخنوع يا أيتها البصرة الفيحاء؟؟؟
https://telegram.me/buratha