( بقلم : هلال آل فخر الدين )
التحالف بين (القبعة والعمامة)
كانت بريطانيا ومنذ امد بعيد تنظر الى العراق كهدف استراتيجي لايعدوه اي هدف اخر وجندت لذلك حملات من فرق الاستكشاف العملاء والرحالة والشركات والمؤسسات وبازياء وعناوين مختلفة للدراسات المكثفة لمنابعه ومكامنه وارضه وتشكيلاته الاثنية والدينية والمذهبية
وعمدت الى دراسات انثروبولوجية لسكان العراق ومسح طوبوغرافي لجغرافية العراق واستطلاع واسع وعميق لاحواله ومفرداته وتكويناته وما اسسته من شركات كبيرة في منافذه واهم امصاره حتى ان السفارة البريطانية في بغداد وباقي فروع قنصلياتها في المدن المهمة كانت هي اشبه بالحكومة الفعلية التي تديرشؤون العراق وتتحكم به من وراء الكواليس وبالخصوص فيما يتعلق بمصالحها وكون العراق بلدا غنيا وموقعا استراتيجية مهما وحلقة مهمة الى مستعمرتها الكبرى (الهند) وطريقا الى الخليج ومحمياتها.
حتى جاء الغزو الاستعماري البريطاني للعراق في عام 1914 ووقوف الطائفة الشعية الى جنب الدولة العثمانية في اعلان الجهاد على الانكليز دفاعا عن بيضة الاسلام ونتيجة للمعارك الطاحنة الشرسة التي دارت بين الطرفين.
رغم عدم تكافؤ القوى، لم يستطع الانكليز دخول بغداد الا في سنة 1917 ..وما تلاها من مواقف مراجع الشيعة المناهضة للمحتلين ونشوب ثورة العشرين التحررية الكبرى ضد الغزاة وتحمل الشيعة تضحيات جسيمة... واصرارهم على المقاومة وعدم المهادنة والتعاون مع الغزاة.
وكان الغزو البريطاني منعطفا خطيرا في تاريخ العراق وشعبه من خلال (سياسة فرق تسد ) في اشعال الفتنة الطائفية من قبل عبيده وصناعه ولازالت تعاني من ويلاته لحد الان ..وكانت من تداعياته قرصنة فئة معينة للانظمة الحاكمة المتتابعة التي تسلطت على رقاب الناس بالنار والحديد والارهاب ومن غير شرعية انتخابية او دستورية برلمانية او عدالة قانونية وامتد شرار نيران ذلك الى دول الجوار ولف كابوسه المنطقة ككل ...وكان السبب الرئيس وراء ذلك هو ثلاث مواقف مبدئية رئيسية خطيرة قام بها شيعة العراق حيال الغزو البريطاني.
اولا: عند اندلاع شرارة الحرب العالمية الاولى عام 1914 بين دول الحلفاء ضد المانيا ووقوف الامبراطورية العثمانية الى جنبها ..فقد كانت اساطيل بريطانيا وجحافل جيوشها مستعدة كل الاستعداد لذلك فنزلت قواتها الى ثغر ميناء (الفاو) في 14 تشرين الثاني سنة 1914 وقد كانت بريطانيا تعتقد كل الاعتقاد بان العراق في قبضتها او على اقل تقدير انها ستبتلعه وتلتهمه كشربة ماء اسوة بباقي دول المنطقة والمحميات ومشيخات الخليج التي رحبت بها وقدمت لها ولاء العبودية والاستسلام لمّا احتلتها .. لكن الذي حصل لم يكن معهودا ولا ضمن دائرة الحسابات السياسية الذي طعن طعنة نجلاء في كبرياء وخيلاء (الامبراطورية التي لاتغيب عن ممتلكاتها الشمس)ولا يمكن ان تنساه او تتناساه مادامت فيها طرفة عين ..من وقوف الطائفة الشعية الى جنب الدولة العثمانية في تجييش الجيوش وباعلان (فتوى)الجهاد ضد الانكليز دفاعا عن بيضة الاسلام ...رغم ما كانت تقوم به الخلافة العثمانية ليس فقط من الاقصاء والتتريك لهذه الطائفة بل وشن الحرب الشعواء عليها ...ويذكر الاستاذ الباحث الاجتماعي علي الوردي في لمحاته والاستاذ المؤرخ الحسني في تاريخه ولونكريك في كتابه اربعة قرون وحرب العراق للواء محمود نديم وتاريخ الدولة العثمانية لفريد وجدي /ان الطائفة الشيعية كانت مبعدة عن الحياة تماما فلم تنشيء في مدنها ولا مدرسة ابتدائية واحدة ولا مستوصف علاجي وكانوا يعاملونها بمنتهى الاقصاء والعنف فلا يقبل لهم طلبة في مدارس الدولة ولايعين لهم موظف في اجهزة الدولة ويمنعون من دخول المدرسة العسكرية ودار القضاة حتى ان الحكومة العثمانية كانت ترشح اثنين من الطائفة اليهودية على الرغم من ضآلة عددهم لمجلس (المبعوثان ) في اسطنبول اي مجلس نواب ولايات السلطنة العثمانية ولم ترشح شخصية شيعية واحدة رغم غالبيتهم السكانيه وفوق هذا لم تكن السلطات العثمانية تتورع من شن الحملات العسكرية على المدن وقرى ومزارع الوسط والجنوب بحجج اخذ الضرائب ومايرافقها من دمار وسفك ونهب ..
ومن يقراء مذكرات قادة الجيش العثماني في حرب العراق (الحرب العالمية الاولى)امثال المشير خليل الداغستاني قائد الفيلق الثالث يلاحظ بشكل واضح اشادته بمواقف المرجعية الشيعية سواء من اصدارهم لفتوى (الجهاد) ضد الغزاة او بتعبئتهم للامة في الانخراط في صفوف المجاهدين ومن تصديهم شخصيا لقيادة جبهات القتال ضد المحتلين دفاعا عن بيضة الاسلام ونصرة الخلافة العثمانية ..ومن جهة اخرى يقارن بين مواقف معممي وقضاة الدولة وأئمة المساجد علماء المؤسسة السنية وعدم مشاركتهم للجهاد والدفاع عن بيضة الاسلام ودولة الخلافة متذرعين بالمرض اوالهروب والتقاعس والاختفاء من الذهاب الى جبهات الجهاد ضد الغزاة وهم الى الامس القريب كانوا اصحاب القرار السياسي والمقربون من السلطنة العثمانية والحائزين على عطاياها .. ويلاحظ بشكل ملفت للنظر انه يطفح بالمرارة لخيانة مرتزقة المعممين ووعاظ السلاطين وتبعيتهم للمادة وشديد تقلبهم للفوز بالغنائم ..
وبين مواقف مراجع وعلماء الشيعة وتصديهم للجهاد وقيادة المجاهدين وعلى ثلاث جبهات كبيرة هي:البصرة (الشعيبه) تحت قيادة المرجع السيد محمد سعيد الحبوبي وجمع غفير من العلماء وشيوخ العشائر وعشرات الالوف من المجاهدين وجبهة القرنة تحت قيادة السيد الحيدري والشيخ الشريعة الاصفهاني وابو القاسم الكاشاني والشيخ احمد الكفائي وجبهة هور الحويزه تحت قيادة السيد عبد الزاق الحلو مع جماعة من العلماء الكبار علما ان هؤلاء المراجع الذين كانوا يقودون العمليات العسكرية قد قاربوا على الثمانين عاما وكانت السلطة العثمانية ضدهم وتعامل الشيعة بكل قسوة واقصاء.
وقد توفي السيد الحبوبي وهو يقود المجاهدي هناك واستشهد العلامة السيد محمد اليزدي نجل المرجع السيد كاظم اليزدي في جبهات المعارك ..وكانت تلك المعارك قاسية طاحنة استبسل فيها المجاهدون بشكل يثير الاعجاب واندحرت القوات البريطانية في اكثر من واقعة وكان اشهرها جبهة (الكوت) التي انهار فيها الجيش البريطاني وقتل قائده (طاوزند) واستسلمت جحافل جيوش الغزات الانكليز ..علما بان سلاح المجاهدين لايتعدى البنادق القديمة والفالة والسيوف مقايسة الى الالة الحربية البريطانية بطائراتها ومصفحاتها ومدافعها واساطيلها التي لم تصمد امام بسالة هجمات المقاومة البطلة الانتحارية ..ورغم كل التعزيزات والاسلحة المتطورة لم تستطع الجيوش البريطانية دخول بغداد الا في 11اذار عام 1917 رغم قصر المسافة بين الفاو وبغداد التي لاتتعدى 400 كيلو متر وهذ يعني ان بريطانيا العظمى لم تستطع دخول بغداد الا بعد مايقارب اربعة سنوات من المعارك الطاحنة المفتقرة لاي نوع من انواع المقايسه بين قدرات وامكانات الطرفين ..!!!
ثانيا:كانت للمواقف الصلبة لمراجع الشيعة وزعماء العشائر ووجوه وشخصيات البلاد الوطنية الاثر الفعال في استمرار روح المقاومة ومواصلة الجهاد ضد المحتلين فبعد دخول العراق تحت الاستعمار البريطاني الا ّ ان مدينة النجف الاشرف ظلت صامدة لم تستجيب للغزات واقام اهالي النجف اول حكومة وطنية برلمانية دستورية تصرف امور واحوال النجف وضواحيها حتى دخلها الانكليز عنوة وبقوة السلاح والحصار وفي عام 1918 قامت النجف بثورتها الاولى ضد الاحتلال وقتلو قائد منطقة النجف العسكرية الجنرال (بالفور) في مقر القيادة في هجوم جريء خاطف واقاموا مرة اخرى حكومة وطنية ..!! فما كان من قوات الاحتلال الا ّ وجهزت حملة عسكرية كبيرة على مدينة النجف فحاصرتها حصار شديدا لمدة اربعين يوما وقطعت عنها كل المؤن وصبت عليها خلالها حمم قذائفها المدفعية واخيرا دخلتها من منفذ فتحوه في هدم سورها واستباحوا المدينة واعدموا اربعين رجلا من قادة الثورة وفرضوا على النجف غرامات مالية فادحة واسروا قسما من الثوار ونفوهم الى سمربور في الهند كما حكموا باحكام غيابية باعدام العلامة السيدمحمد علي الدمشقي والعلامة السيد محمد علي بحر العلوم والفيلسوف الشيخ محمد جواد الجزائري لدورهم في الاعداد وتنفيذ الانتفاضة ..رغم كل ماارتكبته القوات البرطانية من جرائم واعمال تعسفية حيال الابرياء انتقاما وتشفيا لعلها تستعيد بعض ما سقط من هيبة الاحتلال وما لحق به من هزائم وما تمرغ به انفها بالتراب امام صمود ومقاومة بلد صغير لايتجاوز تعداد سكانه في ذالك الوق الخمسة عشر الف مواطن وقد كانت هذه الثورة عبارة عن الشرارة لثورة العشرين الكبرى /راجع الاسدي ثورة النجف وعبد الرحيم محمد علي.
ثالثا:ان الشعب العراقي الذي جبل على حب الحرية والالتزام بالاصالة والاخذ بالمبدئية وعدم استساغة الهيمنة واسلوب الغطرسة صحيح انه قد يصبر ويلملم امره ويضمد جراحه ولكنه لايستسلم ولا يستكين مهما كانت النتائج والتاريخ شاهد على ذلك وثوراته المتتالية اطاحت بعروش الفراعنة ابتداء بالنظام الاموي رغم دمويته وارهابه وحتى العصر الحاضر ...!!!...فكانت ثورة العشرين التحررية الكبرى بقيادة المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي وزعماء القبائل والشخصيات الوطنية وقادة الفكر امثال شعلان ابو الجون وعبد الواحد ال سكر ورايح ال عطيه وجعفر ابو التمن والبازركان والاديب الشاعر الدكتور محمد مهدي البصير والشيخ محمد رضا الشبيبي –رئيس المجمع العلمي العراقي وعضو مجمع اللغة العربية في مصر ...وكانت وقائعه كثيرة لعل اهمها واقعة (الرارنجية ) التي من عظمة بطولاتها وسعة امتدادها واعتمادها على امكاناتها الذاتية القليلة الشحيحة وعدم تكافيء القوى بين الطرفين وانهزام المدفع امام ابسط وابداء سلاح وهو (المكوار) الذي هو عبارة عن عصى يوضع في اعلاها كتلة من القير حيث كانت اهزوجتهم (الطوب احسن يو مكواري)..انه الايمان بشرعية القضية ومبدئيتها !! التي هزت الامبراطورية البريطانية بما لاعهد له به من صلابة وشديد استمرار وتصاعد المقاومة رغم قساوة القمع وضراوة الاسلحة الفتاكة التي استعملت ضدها واساليب التامر والدس حيالها وقطع الامدادات ..! فقررت رغما عنها واذعانا للواقع المرير الخروج من العراق رغم كل خسائرها وتمريغ انفها في الاوحال العراقية فكانت تلك الثورة الكبرى مفتاح تحرر ليس للعراق فحسب بل وللمنطقة ككل /الحقائق الناصعة لثورة العشري مزهر ال فرعون، والثورة العراقية الكبرى للاستاذ الحسني، وثورة العشرين التحررية للمؤلف الروسي كتلوف ..ان واحدة من هذه المواقف الحاسمة المتحدية ليس فقط تستشيط بريطانيا غضبا وتنتقم بل تجعلها تخطط وبمنتهى المكر والتآمرعلى الامة وسحقها للثائر مما لحقها من هزائم منكرة وخسائر فادحة لم تجرأ على القيام بجزء منها كبرى مستعمراتها كالهند مثلا ولا حتى الامبراطوريات الاوربية المنافسة لها ..!! وهذا مما اثر كثيرا في هيبة وصولة وجبروت ومكانة الامبراطورية البريطانية العظمى كقوة عالمية رئيسية في ذلك الوقت ..!!
وكانت المرجعية الشيعية طوال الخط صلبة مناهضة ومعارضة للاحتلال ورموزه واذنابه فلم تهادن ولم تماري الخط السياسي الذي سارت عليه وظلت صامدة في افشال سياساته وتحركاته في العراق.
وعند الحديث عن سياسة بريطانيا ودهاء مكرها تحضرني كلمة لقائد استقلال الهند الفيلسوف المهاتما(غاندي) يعبر فيها عن مدى عمق خبث وشيطنة السياسة البريطانية :(لو ان سمكتين في البحر تصارعتا فلا تستبعد ان يكون للانكليز دخلا في ذلك) ...الله اكبر.
مبايعة القبعة .. او (بيعة العمة للقبعة)..
فكما لاحظت من تغير بوصلة حثالات العثمانيين سواء من ضباط او موظفين ومراتب المعممين والقضاة والوعاظ والخطباء واستبدال الولاء والحلف السابق من سلطان الخلافة العثمانية وتغير لزوم الطاعة والبيعة الى السيدة (بريطانيا العظمى) فبعد ان كان للدولة الاسلامية (العمة و الطربوش) اصبح الولاء والاستسلام ولزوم الطاعة و(البيعة) الى السادة الغزاة الانكليز وغدى الحلف بين (العمة والقبعة ) وكان يطلق على هذا النمط من المعممين والمشايخ المتعاونين والمنفذين لرغبات واطماع المحتلين في مصطلح اهل العراق لفظ (علماء الحفيز) والحفيز هو تحوير للكلمة الانكليزية الاوفيس (office) اي المكتب باللغة العربية اي علماء المكتب البريطاني او عملاء الانكليز (ابو ناجي).. وكان الناس يتغنون ويصفقون بأهزوجة (حسجه) الكلام الشعبي العراقي يصفون هؤلاء قائلين: (يامحله فرة كنداغج ) اي من دورانهم كدواران كنداغ -اخمص البندقية- عند العب بها دليلا على التلون والتقلب والنفاق والدوران تبعا للاطماع والمصالح بعيدا عن القيم والمباديء..
ونتيجة للمقاومة البطلة لرجالات وعشائر الفرات الاوسط التي قادتها المرجعية وعلى ثلاث جبهات سواء في معارك الشعيبة الباسلة ام معارك القرنة والحويزه ..فقد كان للمعارك الطاحنة الشرسة تلك التي دارت بين الطرفين رغم عدم تكافؤ القوى وصغر رقعة العراق والتي بدات في سنة 1914 فلم يستطع الانكليز دخول بغداد الا في سنة 1917 ..
وما تلاها من مواقف مراجع الشيعة المناهضة للمحتلين ونشوب ثورة العشرين التحررية الكبرى ضد الغزاة وتحمل الشيعة لتضحياتها الجسيمة... نتيجة لكل ذلك خطط الغزاة وبمنتهى الدهاء والمكر مع حلفائهم من حثالات العثمانيين اي بقايا الاتراك والدليم اي بقايا الديلم اوالديالمه والصلبه (صليبي)– اي بقايا الصليبين-لشق عصا الوحدة الوطنية وطعن العروبة مقتلا من خلال التعامل مع الاقليات والحثالات والاذناب وتنصيبهم قادة للبلاد وفرضهم على الشعب بالقوة والاكراه ...وهذا ادى الى:
اولا: في الانتقام من الشيعة لمواقفهم الصلبة حيالهم والغاء وجودهم .
وثانيا: للايقاع بالوحدة الوطنية وتفتيتها واثارة الفتنة الطائفية واشعال نيران العداوة الطائفية من خلال ممارسات صنائعهم ..
ثالثا: كانت ذرائع الحلفاء في غزو العراق هو التحرير من نير التسلط العثماني الجائر واحلال مباديء (ولسون) الاربعة عشر في تقرير المصير وتطبيق قيم الديمقراطية وحقوق البشر واشاعة العدالة. ومع كل تشدقهم بتلك المفاهيم والقيم الا انهم لم يفوا بواحدة منها للشعب العراقي وحتى من عدم مراعاة اية معاير للعدالة او القيم او ادنى اسس العدالة في المعادلة السكانية في التنوع الاثني.
فما كان من الانكليز وهم ادعياء الديمقراطية والتحرر والعدالة .. الا ان حكموا العراق حكما استعماريا عسكريا صارما بدعاوى حفظ الامن وابعاد شبح الاتراك وتهيئة العراقين للحكم واخيرا (الانتداب )..
انها سياسة التطرف والهمجية السلفيه ...!علما بان السلفية والهمجية والتطرف ليست منوطة بفئة معينة ولا حكرا على فترة او مكان محدد بل هي مبدأ ياخذ به حيث وجدوا ضالتهم المنشودة في شرذمة قليلة ممن يكون مطية لتسويق سياستهم في البلد ويخدم مصالحهم ويلبي طلباتهم بامانة ووفاء.. فكان خيارهم الوحيد في ذلك قد وقع على الديلم او الديالمة وحثالات العثمانين والمرتزقة والطامعين الذين انقلبوا على الدولة العثمانية حيث كانوا ضباطا وقيادات في الجيش العثماني واستسلموا للانكليز واشتركوا في الثورة على السلطنة العثمانية فكافأتهم سلطات الاحتلال تقديرا لمواقفهم بان جاءوا بهذه الثلة مع الملك (فيصل الاول) حين نصبوه ملكا على العراق في عام1921. وجعلتهم عيونها في مركز الدولة العراقية الحديثة ومنفذين لما تأمرهم به امثال المفتى عبد الرحمان وطالب النقيب مزاحم وحمدي الباججي ونوري السعيد وطه وياسين الهاشمي وعبد المحسن السعدون وجميل المدفعي وراشد العمري وجعفر وتحسين العسكري وبهجة الاثري وساطع الحصري ورستم حيدر والكيلاني ومولود مخلص وناجي وتوفيق السويد الذي اذا اريد وصف احدا بعمالته للانكليز او خبث مكر الانكليز قيل شغل او عمل (ابو ناجي) ويعني ابو ناجي السويد المعروف بخدماته القديمة للانكليزفتلاحظ بصورة جلية تنكر هؤلاء لاولياء نعمتهم (الاتراك) وشديد نفاقهم وخيانتهم للامة فهذه الثلة كانت اقرب الى الارتزاق منه الى الوطنية، أو ما هم الا ّ عصابة مافيا اشبه منهم الى شخصيات سياسية اوجماعة سياسيه ملتزمة واعية مسؤوله ..صحيح انهم أول من قاد العملية السياسية في ظل الاحتلال وأول من اسس الاحزاب السياسية كحزب الاخاء او الحزب الدستوري او الاتحاد الوطني او الديمقراطي وغيرها ولكن هذه الاحزاب في الواقع ما كانت لتطفوا على الساحة لولا تبنيها تمرير سياسة الاستعمار البريطاني وتنفيذ مشاريعه، ليس فقط في العراق بل وفي المنطقة ككل ولذلك نلاحظ ان العلماء وقادة الفكر والشخصيات الوطنية العراقية كانوا ينظرون الى هذه الاحزاب وقادتها بعين الريبة والفزع لصدق نظرهم فيهم من خلال التعامل والتجربة السياسية ..وسوف تلاحظ ان هذه العصابة نفسها وان تغيرت لبوسها هي التي يعهد اليها من قبل الاسياد ان تقود النظام السياسي في العراق خلال مراحله المختلفه ..!!
والملاحظ على تاريخ الوزارات العراقية والممتدة من سنة 1912 ولغاية انقلاب 14 تموز سنة 1958 وما حصل من انقلابات عسكرية مختلفة بعد هذا الانقلاب وحتى عام 2003من هيمنة هذه الثلة على تشكيل الوزارات العراقية التي تجاوزت الاربعين وزارة وتسلطهم طوال تلك الفترة على رئاسة الوزارء وغالبية الوزارات المهمة (السيادية) فظل هؤلاء اوفياء في تنفيذ خطط ومأرب الانكليز في العراق حتى بعد سقوط الحكم الملكي البائد..ومجيء الانظمة العسكرية الفئوية والعشائرية الى السلطة .. فكان فلك السياسة العراقية ومقدرات البلد بيد هذه الشلة حيث احكمت الخناق على الامة فلا يستطيع الخروج عن ربقة تلك السياسة ولا يحق نقض تلك القوانين والنظم الجائرة وجعل حكم العراق وكل مقدراته كرة يتقاذفون بها فيما بينهم وإرثا يتوارثونه وملكا يتداولونه جماعة بعد جماعة وجيل بعد جيل ونظام بعد نظام ..
اولا: ربطوا العراق بمعاهدات مجحفة مع الحكومة البريطانية تجعل منها وصية عليه.
ثانيا: ادخلوا العراق في احلاف يراعى فيها مصالح القوى الكبرى.
ثالثا: جعل العراق ثكنة عسكرية للقوات البريطانية وقاعدة استراتيجية متقدمة لحلف (بغداد).
رابعا: قدموا ثروة العراق الاساسية (النفط) على طبق من ذهب للشركات التابعة للحلفاء والتغاضي عن مبالغ تقدر بمليارات الدولارات مما سحب من البترول طوال سنين عديدة بحجج عدوم وجود عددات او باب التعاون ومساعدة الحليف بريطانيا زمن الحرب ..ووضعوا نفط العراق في خدمة المصالح البريطانية ...حتى اسدل الستار على تلك الديون بمهزلة ما سمي ب(التأميم) اي (تاميم شركة نفط كركوك) والتي دفع في مقابلها نفطا بما يعادل سبعة مليار دولار في سنة 1971 في حين ان عائدية تلك الشركة ستأول الى العراق بعد اربعة سنوات وان ماخلفته تلك الشركة من معدات واجهزت كالنت غالبيتها في عداد الخرده او المستهلكه ..!!
خامسا: وتعاملوا مع الدول العربية بروح الاستعلاء والشوفينية ورفض الوحدة العربية والوقوف ضد مصر في العدوان الثلاثي سنة 1956.
سادسا: انتهاج سياسة الدوران في فلك الحلفاء والذيلية لبريطانيا في اسلوب عدم الاعتراف والتعامل مع الدول والانظمة التحررية.
سابعا: اعطاء الانكليز الولاية الكاملة على العراق والاشراف التام على احوال العراق بحيث لايحق لاي جهة مهما علت ان تتخذ اي قرار او موقف الا بمشورة واذن من الانكليز
واما على الصعيد السياسة الداخلية
اولا: فقد اهملوا باصرار غالبية الامة وطوائف الشعب من الحصول ولو على القدر الضئيل من الحقوق باحتكارهم لكل منافذ القوة ومنابع السيطرة فكان اول عمل قامت به هذه الثلة -بمشورة من المحتل ويعد البادرة الارهابية الاولى في تاريخ الدولة العراقية المعاصرة -ارهاب (الدولة ) حيال مواطنيها وبالخصوص مفكريها واحرارها وثوارها ..
أول اصدار للقوانين الارهابية في الدولة العراقية الحديثة
كان لادوار ومواقف المستشارية السياسية لوزارة الداخلية العراقية زمن النظام الملكي العزف على الحان التفرقة العنصرية والطائفية بالخصوص وهذا ما يتفق ويتماشا مع الافكار الشوفينية المتطرفة لادعياء العروبة واقطاب الحركة العربية امثال ساطع الحصري (تركي) وبهجة الاثري (تركي) ومحمدالسنوي (تركي) وياسين الهاشمي (تركي) وجعفر العسكري (تركي) واشباههم وكان هؤلاء وراء سن اخطر ما ظهر من قوانين باطلة ظالمة مجحفة في العراق بحق المواطنين الشرفاء الذين ضحوا بكل شيء من اجل العراق المستقل الحر
ثانيا: بدعة سن قانون الابعاد والتهجير القسري للمواطنين والشرفاء والمثقفين والواعين بدعوى الحفاظ على الامن وعدم الاخلال بالنظام الذي طال صفوة من رواد الثورة والتحرير والعلماء المجاهدين امثال الاستاذ المجاهد عباس الخليلي احد ادباء ثورة العشرين وهو اخو القاص العراقي المشهور جعفر الخليلي والاستاذ المفكر عباس الدشتي والمرجع الشيخ الشريعة احد اقطاب ثورة العشرين والمرجع الشيخ محمد حسين رائد الحركة الدستورية في العالم الاسلامي والمجاهد الشيخ احمد الكفائي احد اقطاب ثورة العشرين وأول من رفع راية استقلال الدولة العراقية وشاعر ثورة العشرين الدكتور محمد مهدي البصير وعشرات من المجاهدين والثوار والاحرار الذين نفوا وابعدوا الى جزيرة (هنكام ) واخرين غيرهم.
ثالثا: اصدار قانون الجنسية الذي فرق فيه بشكل مستهجن طائفي بغيض بين افراد الشعب العراقي الواحد واعتبار التبعية (العثمانية) هي العروبة الاصيلة النازلة من صلب عدنان او قحطان وجعلها السيدة الاولى واعتبار غيرها (كردية ) او (فارسية) او (تركمانية) غريبة مستهجنه ومن الدرجة الدنيا.
رابعا: اقصاء كل من لم يكن من حثالات العثمانيين وابعاده عن مراكز الدولة بدعوى عدم معرفته بالادارة او ليس لديه تحصيل من المدارس العثمانية وعلى اثرهذا ابعد الشيعة عن مناصب الدولة لحقيقة رفضهم التعاون مع الانكليز في حين فتحت الابواب على مصراعيها امام المتعاونين معهم.
خامسا: جعل تشكيل الاحزاب والجمعيات بيد تلك الفئة لاجل السيطرة الكاملة على الساحة السياسية.
سادسا: تزوير الانتخابات الصورية بما يخدم سياسة الحكومة بتوزيع مقاعد البرلمان بشكل غيرعادل وفيه اجحاف بالغ بالاكثرية وعدم مراعاة النسب السكانية ووهبها للاخرين (بالتزكية)-اي من غير انتخابات- بما يخدم اهداف هذه الثلة ومرامي الانكليز..
سابعا: احتكار ثلة حثالات العثمانيين للقوات المسلحة وجعل الجيش العراقي ورقة بيد الحلفاء للدفاع عن خططهم في المنطقة من خلال (حلف بغداد) وتوظيفة كاداة قمع للشعب وخنق للحريات ..
ثامنا: احتكارهم لكل المراكز والقوى في البلد وتنصيب انفسهم اسيادا على مقدرات البلد وجعل باقي جماهير الشعب عبيدا يتصدق عليهم بالوظيفة الصغيرة والانتساب الى الاحزاب والترشيح للمجلس النيابيه الصورية.
تاسعا: العداء للشعائر الدينية والطعن في علماء الدين وتسفيه عمل المجامع الاسلامية ولفظ الماضي والتخلي عن التراث بدعاوى الاخذ بالتحديث والنظم الجديدة ومعايشة عصر(الافنديه) لاجل عزل الدين ورجاله عن المراقبة والنصح وفصل الامة عن قادتها لتقليص دورهم الكبير وتاثيرهم الخطير على مسار الاحداث حيث اسفرت عنه بوضوح مواقف العلماء من الغزو الاجنبي للبلاد في فذلكة سياسية الحداثة وثقافة العصر لطمس تلك المؤسسة وقمع رجالها بمسميات التجديد ومحاربة التخلف والرجعية ونشر ثقافة (الافنديه) للفصل بين المسارين والتحجير على الاخر والالتفاف عليه في مخطط مدروس ومنفذ من قبل الصنائع ..
والدليل على زيف هذه الدعوات
1- هو ان مراجع الدين الشيعة كانوا هم اول من طالب بالغاء الاستبداد والاخذ بنظام الحكم الدستوري (المشروطة) من خلال حكم الشعب نفسه بنفسه في اطار الانتخابات البرلمانية الشاملة لكل افراد وطوائف المجتمع والدعوة الى التعددية والانفتاح واشراك كل طبقات ومفردات المجتمع في العملية السياسية وهذا واضح بالخصوص في منهج المرجع الشيخ الكفائي ومنذ نهاية القرن التاسع عشرالذي رفع عقيرته بوجوه السلاطين والملوك من فتح باب الانتخابات والتقيدبالدستور في (حركة المشروطة) التي كان مؤسسها وقائدها ، والمرجع الشيخ النائيني في بداية القرن العشرين في سنة 1902 من طرح مشروعه السياسي المنبثق من النظرية الاسلامية في حكم الامة نفسها وابطاله لكل اشكال الحكم الاستبدادي والولاية العامة للفقيه وهذا ما سوف انشره بالتفصيل لاحقا.
2- ان الفكر الشيعي ما كان في يوما من الايام فكرا متحجرا او منغلقا بل هو فكر تجديدي متطور لعدم انغلاقه على نفسه لالتزامه باب الرحمة الالهية (الاجتهاد)
3- ان رسالة الاسلام صالحة لكل زمان ومكان حتى يرث الله سبحانه الارض ومن عليها ..
عاشرا: اغلاق الكليات العسكرية بوجه الشيعة والاكراد والتركمان وغيرهم وجعلها من نصيب السنة واقارب واسر تلك العصابة فقط وكذلك حصر الوظائف الكبرى في البلاد وجعلها من نصيبهم وبالخصوص الخارجية والدفاع والداخلية والاوقاف والمعارف (التعليم) وجعل التعليم العالي والزمالات الدراسية في الخارج في جعبة هؤلاء واستبدادهم في كثير من الامور الخطيرة التي تلغي الطرف الاخر وتزيله من الخارطه في تطبيق حي لسياسة (فرق تسد) الشيطانية الماكرة.. فكانت بحق اول غدرة واعظم طعنة في الظهرشعب العراق ..!! لتمزيق النسيج الوطني العراقي وتفرق الامة بشكل مريع وبغيض وياباه كل وطني غيور فكانت الاسفين الاساسي الساعي لتفتيت العراق وتقسيمه ..!! واستمر مسار الاقصاء والتفرقة العنصرية والطائفية منذ ذلك الوقت في مسلسل ابليسي صلف عدواني اورد الامة المهالك ولم يصدرها الا بعد ان ذاقها الامرين ودفعة ثمنا غاليا ..علما بان المحتلين سواء كانوا فرنسيين ام بريطانيين اعتادوا في تمكين النصارى واليهود في بلدان الشرق التي وطأت اقدامهم فيها مثل مصر وسوريا والبنان والجزائر وفلسطين .. لكنهم في العراق فشلوا فشلا ذريعا رغم حثيث مساعيهم الكثيرة تلك في التقرب من الجالية المسيحية واليهودية والصابئية في العراق وارادوا الاستقواء بها على الناس وتمكينهم من السلطة اكثر بكثير من حجمهم ولكنهم رفضوا ولم يستجيبوا في ان يستقووا بالمحتلين على اهلهم وبني وطنهم واخوان بلدهم وهذا الموقف لهم يذكر فيشكر من عدم انسياقهم وراء الاطماع وسحق قيم واعراف ومباديء الاخوة والمواطنة الصالحة وخصوصا في امثال تلك المواقف المصيرية ..
ابعاد الخطط البريطانية
ان ماقامت به الحكومة البريطانية من ممارسات في العراق لم يكن حدثا آنيا او مسألة فرضته احداث ووقائع الحرب العالمية الاولى ..الامر ابعد من ذلك بكثير فكل المؤشرات تدل على ان بريطانيا كانت تخطط وبصورة خفية وذكية منذ القرن الثامن عشر لاجل غزو العراق واحتلاله .. من خلال اتفاقياتها مع الباب العالي في الاستانة او مع حكومة المماليك في بغداد في الحصول على موطيء قدم ..فقد اهتمت بارسال الخبراء والفنيين من اجهزة المخابرات البريطانية سواء عن طريق مكتب الهند او الحكومة البريطانية في لندن تحت غطاء الرحالة والمنقبين لدراسة واستقصاء احوال البلد من مختلف الجهات فقد نشر الدكتور جعفر الخياط كتابا عن دور المخابرات البريطانية في العراق خلال القرن التاسع عشر حيث كانوا على علم تام باحوال كل قبيلة عراقية كبيرة وعدد افرادها وماتمتلكه من اراضي زراعية وما هي قدراتها وما علاقاتها بالقبائل والعشائر الاخرى وافخاذها ورؤساء كل فخذ ومدى النزاعات التي بينهم وما سببها وحتى عدد خيولهم وعاداتهم وما يتنادون به في فزعاتهم ووو
جذور حلف (العمة والقبعة)
وتذكر المسس بيل في مذكراتها عن العراق عن العلاقة الحميمة التي كانت تربطهم بتلك الحثالات وفي مقدمتهم السيد طالب النقيب والي البصرة وعضو مجلس (المبعوثان ) العثماني والشيخ عبد الرحمان النقيب-(مسئول الحضرة الكيلانية) وقاضى قضاة العراق زمن العثمانيين -والتي كانت تمتد الى قبل الاحتلال اي في زمن الخلافة العثمانية حين كان المفتى الشرعي لولاية العراق وقاضيه الاول وممثل بغداد في مجلس (المبعوثان) اي برلمان الولايات زمن الدولة العثمانية ..فقد كافأته سلطات الاحتلال البريطاني فنصبته أول رئيس وزراء على العراق ..
ويذكر المارشل طاوزند قائد قوات الاحتلال البريطاني للعراق الذي قتل في معركة الكوت الفاصلة في مذكراته عن حرب العراق قائلا :بان لنا طابورا خامسا ..
ويذكر المؤرخ البريطاني الشهير الرنولد تويني انه عندما كان يعمل في وزارة الخارجية البريطانية وفي موتمر الصلح الذي عقد بنهاية الحرب في فرنسا لتقاس املاك العثمانيين قال: دخلت فجأةً على رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج في مقر اقامته لاقدم له بعض الرسائل فسمعته يقول وهو منفعل ومتحمس اني لا اريد سوريا اني لا اريد جبل لبنان لا اريد لا اريد اني اريد بلاد الرافدين بلاد الخيرات بلاد الحضاره بلاد بلاد التاريخ اريد قلب العالم وكنز الدنيا ..
نعم انهم يريدون القضاء على الحضارة وصناعها ..والاستيلاء على خيراته ونهب كنوزه عن طريق تلك ثله الزبانية ..
الملاحظ انهم على دراية تامة بهذا البلد وبما يحويه وما طبيعة اهله ومقدار تمسكهم وتازرهم وبالخصوص في النوائب والمحن فعمدوا جاهدين وبكل السبل لاجل دوام وبقاء الجثوم على صدره وابتلاع خيراته عن طريق تدمير اسس وقواعد شموخ ورفعة تلك الحضارة الزاهرة بتمزيق وتقطيع وتدمير ذلك الجسد الواحد والكيان الواحد والشعب الواحد بزرع المكروبات والجراثيم حتى استشرى السرطان فيه.
انها بحق تمثل اوج وخبث السياسة البريطانية (فرق تسد) وحقارة عملائها في تمزيق لحمة الشعب وصفو اخاءه في سبيل فرض قهرهم له وارهابهم عليه.. (صدق عليهم ابليس ظنه)
فعلى الصعيد الخارجي
https://telegram.me/buratha