بقلم: حيدر قاسم الحجامي
بقلم: حيدر قاسم الحجامي *بالرغم من الاعتراضات الشديدة التي واجهها الدستور العراقي اثناء فترة كتابته ورفض التصويت عليه في المناطق الغربية من العراق وبالتحديد ما سمي "بالمثلث السني " ، لان الساسة هناك والنخب المثقفة والاكاديمية والعشائرية كانت ترفض بشدة تمرير دستور أقل ما وصفته بأنه يقسم البلاد ويشرذمها وخصوصاً المادة من 119 منه والتي تنص على " يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين:اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم." وكانت هذه الدعوات تلقى اذناً صاغية بل وتأييدا في بعض المحافظات الوسطى والجنوبية (الشيعية) وخصوصاً من القوى ذات التوجه القومي العروبي ، لأنها ترفض ان يتشرذم العراق ويقسم الى اجزاء واقاليم متناحرة متصارعة ، وبالتالي تفقد البلاد هويتها الوطنية .بل وتصبح الاقاليم عرضة للتدخلات والتوظيف الإقليمي عبر مشاريع دولية ، ومع أن الدستور يركز على وحدة العراق ووجود حكومة اتحادية في بغداد تمتلك صلاحيات حصرية السياسية الخارجية الثروة النفطية والمنافذ الحدودية وغيرها ، بل ويؤكد ان تشكيل الاقاليم هو على اسس ادارية لا اسس طائفية او قومية ، الا أن اغلب القوى الرافضة كانت تحذر وتخشى من توظيف هذه المادة لتمرير اجندة خارجية .ولعل المتابع يتذكر تلك الجبهة التي تشكلت لرفض الدستور في الشارع السني بل والشيعي ايضاً ، ففي الشارع السني كان الحزب الاسلامي والقوى القومية وبقايا البعث وشيوخ القبائل ترفض الدستور وتمتنع عن الاشتراك في لجنة كتابته . بالمناسبة انخراط بعض القوى البعثية والقومية والطائفية في رفض الدستور لم يكن في الاساس نابع من تشخيص مصلحة البلاد ولا حرص على وحدتها ، بل لأفشال العملية السياسية واعاقة تقدمها وهذا ما ثبت بعد اعوام قليلة ، اذ انقلبت المواقف ، والهدف ذاته قائم .!ولم تحل المشكلة الا بعد ان قدم القائمون على كتابة الدستور (القوى الشيعية – الكردية ) تعهدات مكتوبة لهذه القوى ، بل وتضمن الدستور ذاته مادة تضمن تشكيل لجنة لتعديله ! ، ومرر الدستور الدائم ، وكانت دعوات تشكيل اقليم الجنوب أو جنوب بغداد بمثابة الدعوات الى الكفر من قبل هذه القوى التي استخدمت كل قواميس التخوين والعمالة لإلصاقها بهذه القوى السياسية واتهامها بخدمة المشروع الامريكي والايراني والصهيوني ...!الخ .أسوق هذه المقدمة الطويلة كي اناقش تصاعد دعوات "الاقلمة " في ذات المدن الرافضة للفكرة ، ومنذ أكثر من عام تقريباً وايضاً بعد سيطرة قوى القائمة العراقية المرتبطة كما يقال بمشروع اقليمي على اختلاف اطرافه وتناقضها بعض الأحيان ، لكن الدعوات تتصاعد وعرابها الاساس وزير عراقي مهم ونائب في العراقية يدعى احمد العلواني ، والغريب في الامر ان نفس الاشخاص الذين كانوا يصمون دعاة الاقاليم بالعمالة والطائفية ، صاروا يملئون وسائل الاعلام بالدعوة الى الاسراع لتشكيل اقليم في المنطقة الغربية من العراق لإنقاذ " أهل السنة "! من الحكومة المركزية في بغداد وضرورة اتخاذ الخطوة الاصعب لأفشال هيمنة الشيعة على الحكم ! ، حتى وان كان الثمن وحدة العراق !.طبعاً في المقابل تتردد القوى الأخرى من اطلاق نفس الاتهامات والعبارات التي كانت تستخدم سابقاً على هذه القوى ، ولا ادري خوفاً او مجاملة ، والاخيرة كارثة فكيف يمكن ان تجامل قوى سياسية على وحدة البلاد وسيادتها .يمكن قراءة الدعوات السابقة الى اسقاط المالكي في خانة هذا التوجه ، فالرجل وقف بوجه المشروع الذي انطلق من محطة صلاح الدين متجهاً الى الانبار وديالى والموصل ، ولكن كوابح المالكي كانت كفيلة بإيقافه قبل انطلاقته ، ومن هنا كانت المراهنة على ان ازاحة المالكي ستضمن تنفيذ مشروع الاقلمة وخلق العمق السني المطلوب لقيام دويلة "سلفية في المنطقة تبدأ من العراق وتنتهي بمدن سوريا " كما يؤكد لي شخصياً مسؤول عراقي رفيع المستوى .وهنا يجب ان اوضح نقطتين مهمتين حساستين لابد ان نوضحهما ، فلا يمكن ايضاً ان "نشيطن" كل الدعوات التي قد تكون بعضها صادر من نقمة على فشل حكومي متواصل في ملف ادارة الخدمات ، وسلب صلاحيات الحكومات المحلية ، والتمسك الشديد بالمركزية في مخالفة دستورية صريحة ، ولذا رأت بعض المحافظات او بعض القوى فيها ، بـأن التلويح بخيار الاقلمة ، خيار سراتيجي لغرض كسب المزيد من الصلاحيات والامتيازات ، وبالتأكيد لا يمكن انكار ان المركزية لا زالت تسبب الضرر الجسيم بالبلاد وبالتالي الحل يكمن في التنازل عن بعض الصلاحيات وحل الوزرات التي تسبب الكثير من الاجراءات البيروقراطية التي تعيق البناء والاعمار واستشراء الفساد في مشاريعها التي لا تقوى على ادارتها بشكل فعال .وهذه الدعوات لا يمكن وصفها سوى أنها دعوات نبيلة يجب ان يسمع الى مطلقيها والاهتمام بها لأنها تنبع من تشخيص مصالح الناس وتحاول ايجاد حلول مناسبة لها .والنقطة الاخرى وهي الاهم ، ففي موضوع سحب الثقة عن الحكومة لا يمكن ايضاً ان نصف كل القوى التي تدعت وقتها بأنها متآمرة وتريد تحقيق مشروع اقليمي معين ، بل لبعضها تحفظات وملاحظات جديرة بالاهتمام ومنها ما يتعلق بطريقة ادارة البلاد ، وكذلك الوضع الخدمي والامني ، كما ان هذه القوى تمتلك رصيداً شعبياً وبرلمانياً ، تجعل من دعوتها لسحب الثقة او التعديل الحكومي او اي مطلب في اطار الدستور مطالب شرعية ، يجب ان تستمع الجهة ذات العلاقة وتعالج اخطائها. بعد التوضيح هي دعوة لكل ابناء المنطقة الغربية وشيوخ القبائل والنخب والمثقفة ليناقشوا انفسهم قبل غيرهم ، وليدركوا خطورة المنحى الذي تسير به بعض الزعامات السياسية ذات المصالح الشخصية والفئوية ، وتأخذ معها المنطقة برمتها ، عليهم أن يسألوا : لمصلحة من ينفذ مشروع التقسيم "المقنع " بغطاء دستوري هذه المرة .؟، هل يصب في صالح هذه المناطق المحصورة والفقيرة من الثروات الطبيعية والمنافذ الحدودية الفعالة بعد غلقها مع ايران وكذلك غياب القدرة الادارية لإدارتها في حال انفصالها وفي ظل تنازع محموم بين القوى السياسية والدينية في المنطقة ، وايضاً اذا ما علمنا ان الدولة الكردية المحتملة في شمال العراق ستدخل حتماً في نزاع مع هذه المنطقة للاستيلاء على المناطق الحدودية للإقليم في ديالى ونينوى وقبل ذلك ستفرض بقوة السلاح سيطرتها على كركوك الغنية بالبترول .أيضا عليهم التفكير جيداً بأن حرمان هذه المناطق من التواصل مع الجنوب وهو المنفذ الوحيد للعراق على الخليج ، والذي سيكون بيد الشيعة وسيطرتهم ايضاً على كميات البترول الهائلة في البصرة وبقية مدن الجنوب التي تأتي موازنة العراق السنوية منها وهذا سيحرمهم مما يحصلون عليه من موارد مادية وهي حق لهم كأبناء للعراق ولا منة لشخص عليهم ابداً ، ولكن اقول ماذا سيحصل ان خسروا حق الاشتراك في هذه الموارد والامتيازات ! .هل ستتكفل السعودية وقطر وتركيا بدعم هذا الاقليم مادياً وضمان موارد طبيعية ومالية لإدامة الحياة فيه ، ام انها ستتخلى عن هذا الاقليم حالما تحقق هدفها بأسقاط الحكم القائم في العراق وتمزيق البلاد .والتساؤل الاهم : هل يملك الإقليم القدرة على ادارة حروب على ثلاث جبهات او أكثر فالجبهة الشمالية ستشتعل في حال قرر الاكراد تنفيذ رغيتهم في السيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها ، وكذلك علاقة متوترة مع الاقليم الشيعي في الجنوب وخصوصاً بعد انضمام مناطق واقضية شيعية الى بغداد وانفصالها عن هذه المحافظات وخصوصاً ديالى وتكريت !، وايضاً حرب داخلية مع تنظيم القاعدة الارهابي الذي يتحين كل فرصة لإقامة دويلته الارهابية .! انها مجرد تساؤلات تتنظر الاجابة .!• كاتب وصحافي عراقي
https://telegram.me/buratha