لقد أصبح الشيخ النمر مشروع قيادة ضروري.. لاسيما مع افتقار المنطقة تاريخياً - وإلى اليوم- إلى رمز قيادي يرصّ صفّها ويوحّد كلمتها. ولا شك أن السلطة تسعى جاهدة إلى تحطيم أيّ قيادة رمزية تنشأ خارج عباءتها بشتى الوسائل.. ولقد رأينا آخر المهازل التي خرج بها الأمير أحمد وزير الداخلية لتشويه وتحطيم هذا الرمز بوصفه بالمختل عقلياً وعدم العلمية.؟!!
لا يفوتني القول: أن مشروع القيادة لا يمكن أن يجمع عليه أطياف المجتمع، وهذا أمر طبيعي، وحق مشروع جداً، فمن يقرأ كتاب (إيران من الداخل) للكاتب المصري فهمي هويدي، و(إيران بين عدالتِ خانه وولاية الفقيه) للكاتبة هالة العوري، وكذلك كتاب (حدود الديمقراطية الدينية) للكاتب توفيق السيف، وغيرهم ممن أرّخ لثورة الإمام الخميني"قدس سره"، يجد بوضوح جلي أن قيادة الإمام لم يكن عليها إجماعاً..بل حتى أن مسألة اجتهاد الإمام الخميني لم تُطرح إلا بعد اعتقاله مع مجموعة من العلماء، بعد ثورة 15 خرداد سنة 1963م، ولكن بعد انتصار الثورة راحت رقعة الإجماع تتسع حتى أصبح الإمام هو القائد الرمز، والمؤسس بلا منازع..وكما يقول المثل: "الدنيا لمن غلب"، رغم ذلك بقيت هناك شريحة لا بأس بها لم تتفق مع الإمام، منها بعض أكبر المرجعيات آنذاك..
لهذا، ولكي تتحقق مطالب وحقوق أي شعب، لابد أن يوجد قائد + قاعدة (الجمهور)؛ تتناغمان في الطرح قولاً وعملاً = الوصول إلى الأهداف.. بل من الضرورة بمكان أن تكون القاعدة بحجم المسؤولية والوعي حتى تستطيع القيادة أن تصل بها إلى شاطئ الأمان، وفي هذا السياق نسأل: هل تضارع أيّ قيادة في العالم قيادة الإمام علي "ع"، الذي فاض قلبه حزناً وألماً على تقاعس مُريديه عن حقهم، واستبسال معاوية وجيشه على باطلهم..فأفشلوا رأيه وأهدافه بالخذلان..حتى قال كلمته الشهيرة: (لا رأي لمن لا يطاع)، وفي هذا الصدد لنقرأ تجربة أدولف هتلر التي سطرها في مذكراته (كفاحي)، وكذا (مذكرات جيفارا) ترجمة عصام سيد..وبغض النظر عن أفكارهما..نجد أن فكرة القيادة، والقاعدة التي تشكل فكرة الحاضنة في تتبنى فكر القيادة وترجمتها على أرض الواقع..هي التي أوصلتهما إلى ما خطّطا له.
من كل هذا أقول: لم يكن لأحد هذه الرمزية والحضور - بهذا الكيف والكم، حسب علمي- في تاريخ القطيف المعاصر كما نراه - اليوم- يتشكل للشيخ النمر، أرى هذه الرمزية تتموضع في رسم خارطة الطريق بشكل عمودي وأفقي غير مسبوق في منطقة القطيف والأحساء؛ مما يدلل على أن المنطقة بدأت تستوعب الدرس للحاجة الماسة في ضرورة تكوّن قيادة كفوءة تسير بها - كبقية شعوب العالم- إلى تطلعاتها وآمالها من حرية وعدالة ومساواة؛ أقرتها الرسالات السماوية والدساتير العالمية..وإن كلّ هذا التبدّل يعزّز لدينا قناعة تامة أن المنطقة بدأت تتعافى من سقمها القديم، وقد دخلت عمليّاً في الخطوات الأولى لرسم وتحديد ملامح مستقبلها الزاهر.
أما موضوع سجن الشيخ النمر..فأعتقد أنه من الضرورات اللازمة مع بقية العناصر لتشكّل خميرة القيادة في بناء القاعدة سالفة الذكر؛ لما تنطوي عليه من مصداقية وتفانٍ. وعوداً إلى التاريخ؛ نجد أن كثيراً من الرموز لم تتبلور فكرة قيادتهم إلا عبر بوابة السجن..من المختار الثقفي، إلى الإمام الخميني، والكثير الكثير من القيادات الجماهيرية في العالم.
وقبل الوداع..أشير إلى أن الحكومة قد قدّمت مكرمة سخية باعتقالها للشيخ..فكم من فرعون عشعش عدوه في بيته، وحفر قبره بيده من حيث لا يشعر. أمّا إذا أصاب الشيخ المجاهد النمر أيّ مكروه..فهي إذن الكارثة في الزمن العقيم.
32/5/816
https://telegram.me/buratha