تتميز البضائع الأمريكية بخاصية مهمة، هي أنها تنطلق من قاعدة تصميمية بسيطة، تقول أن كل شيء يراد أن يكون قويا يجب أن يكون كبيرا، والعقل الأمريكي لا يؤمن أن القوة يمكن أن تكون في الأشياء الصغيرة..
في أثناء سنوات الحرب الباردة بين الغرب والأتحاد السوفيتي، أكتشف مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق"زبيكنيو برجينسكي" الشفرة المناسبة لحل العديد المعظلات التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية..لقد أكتشف برجينسكي الأولويات المناسبة لأهداف بلاده، وأستطاع وضعها على شكل معادلة تفاضلية؛ بتقديم الأهم على المهم، بقبول الخسائر أذا كانت تؤدي الى نتائج كبرى على طريق تحقيق الأهداف..وهكذا قام بصناعة مشروع أطلق عليه لاحقا أسم "العرب الأفغان"...
لقد صمم برجينسكي هذا المشروع ليكون كماشة نار لحرق أطراف الدولة السوفيتية الند القوي لبلاده، وكان تصميم هذا المشروع قويا، لأعتماده على مصدرين مهمين يديمانه لفترة طويلة كما توقع المصمم، الأول العقيدة العمياء والثاني المال السهل السخي، وليس أنسب من العقيدة الوهابية ولا أسخى وأسهل حصولا من المال السعودي، ونشأ هذا المشروع على ذات الأسس التي نشأ عليها مشروع الدولة السعودية..تزاوج بين المال والعقيدة العمياء..
وكان برجينسكي حاذق جدا، مشروع كبير وقوي وفقا للمواصفات الأمريكية وأشتراطات النوعية فيها، وبثمن وأدوات غير أمريكية..! لقد دفع برجينسكي نفقات سياسة بلاده من جيوب الآخرين، وأذا تطلب المشروع دماء فلن تكون أمريكية بالتأكيد!
لقد خلق برجينسكي أداة فاعلة ليست من ضلع آدمه! ووازن في صناعته بين ما هو الشيء "المهم" أكثر من أي شيء أخر "أهم" في العالم؟ حركة طالبان أم الامبراطورية السوفيتية؟ تحريك وتحريض المسلمين أم تحرر أوربا المركزية ونهاية الحرب البادرة؟ا
المهم في فهم المشروع الذي صنعه برجينسكي أنه جزء من المشاريع التي قبله، فقد دفعنا نحن العرب والمسلمين، ثمنا باهضا للصراعات الأوربية خلال القرن الفائت وإمتداداتها في هذا القرن..في المرحلة الأولى جرى إحتلال فلسطين وتشكلت دولة أسرائيل دية دفعناها عن وهم دماء الضحايا اليهود الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية التي لم نكن طرفا فيها، في المرحلة الثانية تشكل المشروع " الجهادي" في زمن ليس فيه إشتراطات الجهاد، فالمجاهدين العرب الأفغان لم يكن هدفهم الجهاد في فلسطين وتحريرها من اليهود الأعداء التاريخيين للمسلمين والأسلام! بل كان هدفهم النهائي إسقاط سلطة الروس في الشرق ومركز أوربا.
ومع أن مشروع المجاهدين العرب الأفغان مالبث أن انقلب على الأمريكان وحلفائهم في أفغانستان، لكن الأمريكان مازالوا يعولون عليه في إتمام تحقيق الحلم الأمريكي بالهيمنة على العالم..وهذه المرة من خلال القضاء على المشروع الذي صنعوه بأيديهم...!
كلام قبل السلام: هناك أناس يسبحون في إتجاه السفينة وهناك أناس يضيعون وقتهم في إنتظارها ...!
سلام..
40/5/812
https://telegram.me/buratha