.بقلم نارام سرجون:
أنا لا أحب البنادق التي ترتدي ربطات العنق والياقات البيضاء أو بنطلون الجينز بدل أحزمة الرصاص والثياب الخشنة.. وأنا لاأحب البنادق التي تتعطر بغير عطر البارود وعرق المقاتلين.. ولا أطيق رائحة البنادق التي تدخن الأركيلة في المقاهي وتلعب النرد وهي تضع السيجار الكوبي بين شفاهها بدل الديناميت.. وأنا لا أهوى بنادق الثوار التي تهوى الفلسفة والتأمل والصمت.. ولاتحفر صوتها في وجه الزمن بالرصاص.
وكم أحتقر البنادق التي تمارس "الاتيكيت" والدبلوماسية والأكل بالشوكة والسكين ولاتعرف نكهة الصعتر البري.. ولا أريد أن تربطني علاقة من أي نوع بالبنادق التي تشيب ويصيبها الوقار وأمراض الشيخوخة.. فتصاب بأمراض القلب وصعوبة التنفس والربو والسعال المزمن.. ويتقوس ظهرها وتمشي على عكازات أو كرسي متحرك.
وأنا لا أستطيع تقبيل شفاه البنادق التي فرغت مخازنها من الرصاص فصارت كالعجوز التي فقدت أسنانها!!.. وأنا لايمكنني أن أراقص البنادق التي ترهلت كروشها من قلة الحركة واتكأ شحمها على شحمها.. فأنا أحب أن أطوّق بذراعيّ البنادق ذات الخصور الضامرة الممشوقة الرشيقة من كثرة الهجرة بين المعارك والمعارك..
أما مايصيبني بالغثيان فهو أن تمشي البنادق بغنج مثل عارضات الأزياء وبنات العائلات الموسرة.. أو تقف على جدران الزعامات والقصور كما الطيور المحنطة.. فمتى كانت البنادق تحنط مثل ملوك الفراعنة؟!.
وكم يزعجني أن أجلس إلى بندقية ثرثارة.. تحكي عن قصص عنترة والزير أبو ليلى المهلهل في زمن هو زمن أساطير الأبطال عماد مغنية وحسن نصرالله ويحيى عياش.. لكن أن تصبح البنادق مثل البيادق.. وأن تنبت من فوهاتها الورود السود بدل شقائق النعمان.. فهذا هو زمن البكاء لأنه زمن اسمه.. زمن موت حركة حماس!!..
كم راعني أن أكتشف أن بعض السلاح الذي قتلنا في سورية.. وأن بعض المسلحين.. وبعض الرصاص والبارود الذي هرب إلى سورية ونكأ الجرح السوري والفلسطيني كان من بعض مقاتلي حماس.. رصاص نعلمه الرماية كل يوم.. فلما اشتد ساعده.. رمانا..
ولم تقل حماس كلمة واحدة لإدانة ذلك أو تفسيره.. ولم تتبرع بالتحقيق لتبرئة جسمها من الخيانة..
وكم شق عليّ أن أرى غياب توقيع حماس على بيان الفصائل الفلسطينية الداعية إلى تجنيب الفلسطينيين في سورية الانخراط في النزاع.. حتى الحبر جفّ من حلق حماس.. وحتى الكلمة الطيبة تشققت من يباس السنديان..
يالحرارة الله.. ويالحرارة المال.. ويالحرارة الإخوان.. ويالحرارة اللحى.. ويالحرارة الإيمان..
قدر فلسطين ياسادتي هو أن تضيع قطعة قطعة.. وقرية قرية.. وحياً حياً.. وبيتاً بيتاً.. وشجرة شجرة.. وبرتقالة برتقالة.. لأن من يرث البندقية لايعرف كم تضاهي هذه الصبية الطويلة الممشوقة النزقة.. وكم هي خصبة بالرصاص.. هذه الغجرية السمراء التي لاتعرف خبث أبناء المدينة وخبث الأعراب.. يبيعها الورثة في سوق الإماء والبطر.. ويزرعونها في الإناء.. كوردة سوداء في الإناء.. في قطر..
صار من حقي ياسادتي أن أسأل أسئلة كنت أخنقها.. وتخنقني.. يدها تضغط على فمي ويدي تضغط على فمها.. أمسك بثيابها وتمسك بثيابي.. يختلط ريشها بريشي.. ويتحطم صهيلها على صهيلي.. وتتشابك قروني بقرونها كقرون الوعول المتقاتلة والأيائل المتناحرة.. ويتكسر زئيري فوق زئيرها كما تتكسر الرعود فوق الرعود.. والبروق فوق البروق..
أسئلتي لاجواب لها كما كل الأسئلة العربية في هذا الزمن الرديء.. لكن لاسياج بعد اليوم ولاحظائر.. لاأقفاص ولاسلاسل.. فلتخرج كل الأسئلة إلى الحرية..
فهل قتلت إسرائيل خير مافي حماس من قادة وتركت التجار فيهم واللاقادة أو صغار القادة؟.. وهل إعادة إسرائيل خالد مشعل إلى الحياة بعد موته كانت مسرحية أيضاً؟.. مثل مسرحية محاولة تصفية عزمي بشارة الذي انتهى جاسوساً إلى قطر؟؟.. ومثل مسرحية أردوغان المتقنة في دافوس وأسطول الحرية الذي انتهى يغني أغنيات في مسارح قطر... ومثل مسرحية محاولة قصف "الجزيرة" من قبل جورج بوش؟.. فإذا بالجزيرة هي أكبر قنبلة عنقودية موقوتة موصولة بالأسلاك إلى كل بيوتنا.. لها عنقود في كل بيت عربي ينفجر فينا.. ولم يصب منا إلا الرؤوس والعيون فأصابنا العمى وغياب العقل.. فصرنا في ربيع واحد أمة بلا رؤوس.. وبلا عيون.. كل العرب صاروا أجساداً تتحرك من غير رؤوس.. وحشوداً خلف حشود لايظهر فيها رأس واحد.. بل أجساد ترقص.. تتمايل للحرية!!..
هل كانت إسرائيل تخشى غضب الملك حسين إذا لم تعطِ الترياق ليحقن في أذن خالد مشعل؟؟ ولماذا مسرحية الترياق مثلاً ولم تلجأ للنسف مثل كل القادة الفلسطينيين في المنافي؟؟.. ومن هو الملك حسين كي تخشى إسرائيل إغضابه فتعطيه ترياق خالد مشعل؟؟ والملك حسين هو الذي كان موظفاً لديها اسمه "المستر بيف".. وهو الذي ذهب وركع مستميحاً العذر من عائلات إسرائيلية على ماسمّاه جريمة أحمد الدقامسة في الباقورة ؟؟.. ولماذا توقف قطف إسرائيل للبرتقال الفلسطيني بعد الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي والشيخ صلاح شحادة ويحيى عياش..؟؟؟؟ هل ليبقى إسماعيل هنية زعيم حماس يلعق يد القرضاوي؟؟؟.. هل كان يفعلها الشيخ أحمد ياسين أو الرنتيسي؟؟؟.
إن شرود بنادق حماس عن قافلة البنادق العربية المقاتلة الممشوقة والضامرة في لبنان وفلسطين كمهار الصحراء لم يعد بريئاً.. وقد حوّلها إلى حياة المزارع الخضراء كأبقار هولندية حلوب في قطر وعمان.. فالبندقية السمراء التي ورثها أهل حماس من حطام كرسي شيخ ضرير مقعد والتي سقطت أيضاً من يد طبيب فلسطيني مقاتل.. صار لها جلد بقرة هولندية حلوب.. والراعي شيخ نقي تقي اسمه القرضاوي لايريد من هذه الفانية سوى كاعب لها كعثب يرضيه.. البنادق الهولندية تدر اللبن والعسل.. والراعي يدلّك لها ضرعها الكبير.. وهو يحدوها بالدعاء..
منذ اليوم أنا خرجت من حماس.. وحماس خرجت مني.. وفي تعابير أصدقاء حماس الثورجيين وفي لغة الجزيرة فإنني أعلن انشقاق قلبي عن حماس.. وحماس تعلن انشقاقها عن قلبي.. فما أحلى انشقاق القلوب عن القلوب..
واليوم قتلت شهرزاد التي كانت تحكي لي حتى الصباح عن الكفاح.. واليوم قتلت فيروزا سياف شهريار الذي كان يحمل سيفاً من خشب.. واليوم أرفع بيدي المراسي في سفن حماس من موانئ ذكرياتي بلا رجعة.. واليوم أبحر مبتعداً عن شواطئ حماس.. حيث البيادق بلا بنادق..
شراع جديد ورحلة جديدة نحو يافا وعكا وحيفا.. فسنرجع يوماً يا يافا.. ليس بشراع حماس.. بل بشراع منسوج من أوراق قصص غسان كنفاني في قلعة صفد.. وحكاية شكيب.. وأم سعد.. ورثائيات محمد جمجوم وفؤاد حجازي.. وحكاية عز الدين القسام.. وعبد القادر الحسيني..
شراع يصنعه جيل فلسطيني جديد.. لم يمسسه بشر.. ولا مال قطر.. كما العذراء لم يمسسها بشر..
فإن ذهبت حماس فقد بقيت لي فلسطين.. وبقي لي كل البرتقال والزيتون.. فأنا فلسطيني لأنني سوري.. وأنا سوري لأنني فلسطيني.. وفلسطين ليست حماس.. وحماس لم تعد من فلسطين.. بل من ممتلكات قطر.. مثلها مثل أي ناقلة نفط وأنبوب غاز.. ومباريات رياضية..
أنا عائد من رحلة شاقة حملتني فيها حماس بعيداً عن فلسطين.. أخذتني فيها إلى الباب العالي وجنون السلطنة.. وأخذتني إلى ركوب الجمال والهجن.. وأنا عائد أبحث عن بندقية ضاعت.. وبندقية لاتحنطها الدبلوماسية.. ولاتطلق الرصاص في الظهر..
حماس.. ياوردة سوداء في ذاكرتي..
ويا وردة سوداء في أفواه البنادق
إني أريد أن أزرع ذاكرتي بشقيق النعمان الأحمر..
وأن أهدي للبنادق.. مقابض السنديان
وأن أغسل حزنها بالنار
فوداعاً.. ياحماس
ياوردة سوداء في دمي..
https://telegram.me/buratha