المقالات

هل العراق كيان مفكك.. ام كيان موحد قوي؟

1124 21:32:00 2012-07-29

مقال كتبه نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي عام 2001

تعتبر احداث تموز منعطفات حاسمة في حياة الشعب العراقي.. ففي تموز من عام 1958 تمت الاطاحة بالملكية الدستورية لمصلحة حكم الجمهورية والعسكر، وفي السابع عشر والثلاثين من تموز عام 1968 تمت الاطاحة بحكم الجيش والجمهورية.. ليحل محله حكم الحزب، ثم العائلة، ثم الفرد ليس الا.

نقف اليوم بعد ثمانية عقود من تأسيس الدولة العراقية واكثر من اربعة عقود من قيام الجمهورية، والعراقيون ما زالوا يختلفون امام الاسئلة الاساسية.

هل مسؤولية تدهور الاوضاع هي المؤامرات الاجنبية؟ ام مسؤولية الاحزاب؟ ام استبداد السلطة؟ ام غياب الديمقراطية؟ هل هناك اجتماع عراقي حقيقي؟ ام ان العراق هو حالة مصطنعة؟ وهو مجرد فسيفساء لا تجمع احجاره سوى الدولة المركزية الحازمة.. والتي هي شرط لا بد منه للحفاظ على وحدة العراق؟ هل كان تموز انقلاباً ام ثورة؟. وهل ان النظام الملكي افضل من النظام الجمهوري...وهل؟ وهل؟ وهل؟اوضاع العراق تشبه لعبة "الحية والدرج" كما يسميها العراقيون، او الافعى والسلم كما هو معروف. التقدم الطبيعي صار الاستثناء.. والحياة تنظمها اما تسلق سريع ينقلنا من لا شيء تقريباً الى كل شيء.. او لسعة افعى قاتلة تنقلنا ليس الى الموقع الذي كنا عليه، بل ادنى من ذلك بكثير.وبالفعل فنحن اليوم على صعيد الاستقلال وانسجام النسيج الاجتماعي ادنى مرحلة حتى من العشرينات، اي سنوات الانتداب.. وعلى صعيد الحياة الدستورية وحرية الصحافة والحياة الحزبية ادنى مرحلة من الثلاثينات والاربعينات.. وعلى صعيد الحيوية الاقتصادية والمشاركة الشعبية ادنى مستوى من الخمسينات والستينات..وقس على ذلك.

بلاد الرافدين.. ام بلاد السيفين؟

لقد تحولت بلاد الرافدين الى بلاد السيفين حسب الوصف المعبر للشاعر سعدي يوسف.. وعاشت الدولة حروباً داخلية مع اجتماعها وقواه السياسية وتياراته الفكرية لم يشهدها اي بلد مجاور او بعيد.. كلفت الشعب ملايين الضحايا وكلفت الحكام رؤوسهم في نهاية المطاف.. وعاشت البلاد حروباً خارجية تعتبر استثنائية وكارثية بالمقاييس العالمية في حجم خسائرها واثارها الراهنة والمستقبلية.. كلفت البلاد كل ما راكمته مادياً وفكرياً ومعنوياً واخلاقياً ووجدانياً واجتماعياً.. رغم ذلك ما زال الحاكم يتبجح بانه حقق للبلاد الانتصارات والمكاسب.. ورغم ذلك ما زلنا كاحزاب وكرجال فكر وسياسة لا نعترف باخطائنا، الا لاستحصال براءة ذمة تمنحنا شرعية جديدة للاستمرار في ادوارنا الماضية. بل ما زلنا كمواطنين رجال حكم و احكام، قبل ان نكون رجال استفسار وتأمل ورأي ومشاريع وعمل نمارسها قبل السلطة ومعها وبعدها، وهو ما دفع " الشرقي" للقول: "بلدي رؤوس كله.. ارأيت مزرعة البصل".**ما زلنا رجال اعتراض واحتجاج وتحميل الاخرين المسؤولية، حتى دون ان نحمل انفسنا اية مسؤولية. فهل تعكس صعوبة العراقي الفرد، في التوافق والقبول، الصعوبات التي تعانيها القوى السياسية والتيارات الفكرية والبنى الاجتماعية والاثنية والمذهبية المختلفة في التوافق فيما بينها؟ وهل مشكلة العراق هي مشلكة سياسية ام اجتماعية ام بنيوية ام اقليمية ام غير ذلك؟بل وصل الامر بالبعض للكلام، بان الظاهرة العراقية لا تقاس بغيرها.. لا من حيث خصائصها، ولا من حيث ما تكشفه وما تستبطنه، ولا من حيث منطقها ولا من حيث حلولها ولا من حيث افاق مستقبلها.

ما هو سر العراق؟

فهل العراق استثناء؟ وهل هناك سر لم يكتشفه احد؟ اسئلة قد تبدو محيرة عندما تطرح بهذا الشكل. ولكن هل هناك فعلا اجوبة تخرجنا من دوامة الضياع والجدل العقيم؟لا ندعي اننا نمتلك جواباً او اجتهاداً واضحاً حول هذه المسائل، خصوصاً عندما تطرح القضايا مجتزأة سريعة تسأل عن الحلول قبل ان تتحري الاسباب.. وقضايا الشعوب والامم هي ليست قضايا رياضية فيها حلول نجدها في طيات الملازم او لدى استاذ.. قضايا الشعوب والامم قد لا يكون لها احياناً حلاً سوى الصبر والانتظار. هي اقرب لسنن الحياة عندما تتلاقح المتخالفات، وعندما يأتي الحل من وسط المخاضات بعد ان تزرع يد الخالق روح الحياة في المضغة لتكسو العظام لحما ولتجعل الجنين وليداً.. وقضايا الامم والشعوب قد لا تكون بحسن طرح الاهداف والتصورات فقط، بل قد تكون اولا وقبل كل شيء بحسن طرح الاسئلة.. والابتعاد عن ذلك الاسلوب الذي يستخدمه البعض لاستحصال فتاوى.. يحاصر في استفساره كل الخيارات الاخرى ليترك امام المجيب جواباً واحداً ليس الا. طرح الاسئلة الجيدة هو نصف الطريق لاكتشاف الحلول الجيدة.

هل العراق كيان مصطنع ضعيف.. ام كيان موحد قوي؟

ولنبدأ اولا بالسؤال الرئيسي، ان لم نقل السؤال الوحيد الذي يستبطن بقية الاسئلة.. هل العراق كيان مصطنع او كيان فسيفسائي لا يمكن ان توحده الا سلطة مركزية تقوم على القمع الذي به، وبه فقط، يمكن حكم البلاد بمركباتها المختلفة، وضبط العباد بتلاوينهم المتعددة، وهي الحجة التي اسست لمنطق استبداد السلطة وتطورها بالشكل الذي وصلت اليه.جوابنا غير النهائي والقابل للاخذ والرد، هو ان كيان العراق سيبدو مصطنعاً وغير طبيعي ان اعتبرت عوامل تأسيس الدولة العراقية المعاصرة عوامل طبيعية.. لكن العراق اذا ما وضع امام حقائق التاريخ سيبدو ليس فقط كياناً او اقليماً طبيعياً، بل انه من اكثر واقدم اقاليم او كيانات الارض الحضارية او "التيماتيكية" او المناطقية او "الجيوبوليتيكة" او الثقافية او الاجتماعية التي لم تحافظ على عناصر وحدتها الداخلية رغم تعددياتها فقط، بل انها اعتبرت عبر التاريخ مرجلاً او بوثقة لاستقبال وتفاعل المستقرين والقادمين والمهاجرين، من اهل المدر والوبر و اهل البادية والحاضرة و اهل السهل والجبل، لتنتج في النهاية خصيصة عراقية متميزة.. ستبرز قوية لدى ابنائه.. بغض النظر عن فكرهم او قومهم او ولاءاتهم. وان عدم تجاوب السياسة او منطق السلطة مع منطق وقوانين الاقليم والمنطقة وسكانه لن يعكس خللاً في الكيان وطبيعته، بل سيعكس خللاً في قوانين الحكم ومشاريعه. فعندما يخاطب الحجاج اهل العراق باهل النفاق والشقاق، فانه يصرح بدخيلته، بانه رجل استبداد واستئثار. فهو لا يحمل مشروع العراقيين.. بل يريد العراق مشروعاً له. اما قانون التوافق والتواصل والتفاعل والتعايش والاشتراك وحب الوطن والاخلاص له.. والتي تضمن اجتماع الوان الطيف في شعاع واحد.. فانه كان قانون العراق التاريخي.. والذي لولاه ما كان هناك عراقا.. فالـ"موسوبوتوميا" و ارض ما بين النهرين او ارض السواد، او ارض الرافدين، او ببساطة العراق كان نقطة تلاقي وتلاقح وتفاعل.. وارض توحيد ووحدة.... لا ارض نفرة وتفجر وخصومة وصراع. لا يمكن لاقليم ان يحمل راية دين التوحيد.. وفيه مقابر انبياء وائمة وصحابة وصالحين وعظماء، وان يستقر فيه كرسي الخلافة لاكثر من سبعة قرون.. وان يكون مركزاً للعلم والادب.. ليستقر فيها العربي والكردي والسرياني و الفارسي و التركي والافغاني والهندي والمغولي والشركسي والرومي والارمني وغيرهم.. لينتجوا ما تتوارثه الامم عنهم من فنون وعلوم واداب.. ثم يتم الكلام عن كيان يفتقد المقومات الاولى لوحدته وانسجامه. ليس عبثاً ان تسمى بغداد دار السلام، ليأتي من يقول لنا بان العراق هو ارض شقاق ونفاق. بل ليس عبثاً ان يوصي الاموات من اطراف الدنيا من غير العراقيين بدفنهم في وادي السلام، ولا يستطيع اهلها ان يجدوا فسحة للعيش فيه وليتحولوا في نظر حاكمهم الى اهل غدر وخيانة. ليس عبثاً ان يستقر مقام الامام ابو حنيفة مقابل الكاظميين ليشكلوا رغم اختلافهم في المذهب والرأي وحدة دين وقصد. وليس عبثاً ان يأتي الناس من شتى الاصول ليزوروا المراقد المقدسة.. والمواقع الطاهرة اسلامية كانت ام مسيحية او حتى يهودية، دينية ام حضارية ثم يختزل العراق بحاكمه. فاذا كان العراق مركزاً بعلمه وحضارته وثقافاته وامكانياته ليجتمع حوله من هم في خارجه، فكيف لا يكون ملتقى من هم في داخله. واذا ما امتلك العراق قدرات توحيد ولقاء اقوام وشعوب تعيش وهي بعيدة عنه، فكيف لا يستطيع ان يوحد شعبه وسكانه. فالخصوصية العراقية -ان كان هناك من خصوصية- هي بالعكس خلاف ما يقوله اولئك الذين يشككون بطبيعية الكيان العراقي وهشاشة بنيته وركاكة اواصره. انه كيان قوي بتعدديته واطيافه وتلاوينه وثقافاته واقوامه. العراق قوي مسالم عندما يتوافق اجتماعه، ضعيف ممزق عدواني عندما تأتيه سلطة تسعى الى تدمير اجتماعه، وتسعى لان تسلب ابناءه حريتهم وهويتهم وعناصر حيويتهم وقوتهم. ليست الدولة هي التي وحدت او توحد العراق، بل ان الاجتماع بتلاوينه المختلفة هو الذي يوحد العراق بما يبنيه فيما بينها من روابط ووشائج وعلاقات. لقد ظهرت عبر التاريخ مشاحنات كثيرة بين الاطراف العراقية.. لكن هذه المشاحنات كانت وسيلة ليتعرف كل طرف على حدوده.. وليتعلم اهمية التواصل والوحدة والتآلف.. التي يشهد التاريخ القديم والمعاصر على انها كانت العنصر الحاسم لحفظ الكيان والاقليم على عوامل وحدته وتواصله وتفاعله فيما بينه، وذلك بغض النظر عن الاطر السياسية التي حكمته.. والتي اختلفت من وقت لاخر. تربية العنف والاعتراض والسلبية لا تأتي من الاجتماع او الاجتماعات التي ان تركت تكتشف مدياتها ستكتشف حدودها ايضاً، بل تأتي من سلطة او من اجنبي طامع يريد الاستفراد فيعبث بقوانين الاجتماع.. ليحول التنوع الى تصارع.. والتعدد الى تمزق.. والاختلاف الى خلاف. فلم نشهد في العراق حروباً دينية، ولا حروباً مذهبية، ولا حروباً قومية.. بل شهدنا اما حرباً من قوى خارجية تتصارع على العراق، او حرب استئثار وتفرد وتسلط يشنها حكام الجور والظلم على اهل العراق، كل اهل العراق، بكل ما يرافقها من اختراعات ومبررات وحجج لزرع الشقاق والخلاف والفتنة بين ابناء الوطن الواحد والامة الواحدة.

عنف الشخصية العراقية من عنف السلطة

العنف العراقي هو في الواقع عنف مضاد .. عنف تحركه عوامل فوقية وليست تحتية.. رغم انها ستبني لنفسها قواعد فعل وتربية.. وذلك عندما تطول الفتنة ويطول العنف.. ليتحول الى تربية ووباء يستشري ليصيب الصحيح والعليل على حد سواء.عنف الشخصية العراقية هي اساساً غضبة الغيور وثورة المظلوم.. الذي يدافع عن ماله وعرضه وحقوقه ومبادئه. وهو لن يمد جذوره عميقاً في تقاليده وتربيته ليخرج من كونه رد فعل طبيعي.. فيتحول الى عدوان وسحل وانتقام، الا عندما يوغل الحاكم -محلياً كان ام اجنبياً- عميقاً في تجاوزاته.. فلا يكتفي بان يسلبنا شحوماً.. بل يريد ان لا يترك لنا لحوماً تنعقد عليه شحوم، بل هو في اغلب الاحيان ينثرنا عظاماً وجماجم. فالعراق لن يحل له الا اذا ما صارت رؤوس العراقيين ثماراً "قد اينعت وحان قطافها".. فالعراق هو ارض غنائم وجبايات وضرائب، وابناؤه هم مرتزقة ومجندين ورجال حملات "وسفربر" وقادسيات كاذبة وام معارك هي الاستهتار والحماقة والطيش واللامسؤولية بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معاني. وبلادهم هي مجرد ممرات وطرق نحو الغير او بوابات وجبهات في وجه الغير. او هي باختصار وكما استقر عليه الامر اخيراً مجرد ابار وخزانات نفط. والعراقيون ان ظهروا بهويتهم ولسانهم، او طالبوا بحقوقهم او بعضها فهم مشاكسون، وهم طلبة انفصال او طلبة فتنة طائفية او مبادىْ هدامة او اهل غدر وخيانة او شعب يصعب انقياده لا يحكم الا بالحديد والنار.

لقد اعتدى الكثير من حكام العراق على شعب العراق.. فاعتدى شعب العراق عليهم، ولم يعرف فضل السابقين الا بعد ان عانى من اللاحقين ما يشيب له الغلمان. فترحم عليهم وعلى ايامهم.

لذلك قلنا ونقول، بان العراق سيبدو مجتمعاً فسيفسائياً فقط في نظر اولئك الذين ينظرون اليه عبر قوانين او اعراف التأسيس.. التي حابت مصالح الاجنبي.. والقلة القليلة على حساب الاغلبية الساحقة من متدينين وغير متدينين، ومن مسلمين ومسيحيين.. ومن سنة وشيعة ومن اكراد وعرب وفرس واتراك. فالدولة التي اسست في العراق اريد لها ان تكون يداً قاهرة لاجتماعه.. وبالضد من مطامح ابناءه. فهي ارادت ان تبني الدولة لا على اساس المجتمع ولخدمته، بل على انقاضه وبحجارته لتكون لا منهم واليهم، بل منهم وعليهم. وان مسيرة العقود الثمانية هي مسيرة لصعود الاولى وهبوط الثانية، وان العملية بدأت بطيئة متلكئة، واجهتها في البداية الكثير من المقاومات والمضادات، من عناصر الاجتماع، ولكن ايضاً من رجال الحكم الذين احتفظ الكثير منهم على علاقات باجتماعهم، ثم تسارعت لتصل اقصى مدياتها، وافرزت كامل نتائجها الكارتية بعد ان انعزل الحاكم كلياً عن اجتماعه.. وبعد ان اصاب الارهاق والتعب والتجارب الفاشلة الكثير من ابناء الشعب وقواه ومؤسساته. فصرنا امام دولة لا ضوابط داخلية او خارجية لها. وامام مجتمع استلب معظم -ان لم نقل- جميع مقومات حيويته ومصادر حركيته وقوته. وهو ما افرز هذا الاختلال الضخم والمشاكل المعقدة.. التي تتركنا امام اسئلة محيرة يصعب الجواب عليها.

الدولة الحكيمة تواكب اجتماعها.. لا تستقوي عليه بل تتقوى به

اننا ولاشك نترحم على العائلة المالكة وعلى عبد الكريم قاسم، ومن كان معهم، او جاء بعدهم، ونستنكر الطرق الهمجية في التنكيل بهم. اننا نعتقد ولاشك ان تلك الايام كانت افضل وطنياً واجتماعياً وحياتياً ومعاشياً وفكرياً من ايامنا الحالية، رغم كل الانتصارات او المكاسب التي يتكلم او يهذي بها الحكم. لكننا بالمقابل نعتقد، بان كل تلك العهود قد عملت -بوعي او بدون وعي- لكي نصل الى ما وصلنا اليه. بل نعتقد بان مجمل الفكر السياسي اليميني واليساري على حد سواء قد غرق في اطروحات الدولة ونسي متطلبات الاجتماع. فساهمنا جميعاً في توفير كل مستلزمات وشروط صعود تلك الحالة النقية الخالصة من القمع والاستهتار.. ليستفرد شخص واحد بامة وشعب واجتماع، بعد ان حطمنا، خطوة بعد خطوة، ومرحلة بعد اخرى، كل الحصانات والمضادات التي يمكنها ان تقف امام هذا الورم والانحراف. فصرنا امام حالة احادية: دولة بدون اجتماع.. وعراق بدون عراقيين.. ووطن بدون مواطنين. فالدولة هي العراق.. وهي العراقيون.. وهي الشعب والامة والدين. لا حياة ولا وجود لكل هؤلاء بدونها او بدونه.. بعد ان تحولت الدولة الى فرد ليس الا. انه راعيهم، ومصدر رزقهم، وسبب وجودهم ومصيرهم وقدرهم وصالحهم وباطلهم... ليصل الامر بشاعر القصر لاضفاء مبررات الوجود وصفات الالوهية على "الرئيس" وهو يخاطبه قائلاً: "لولاك ما طلع القمر.. لولاك ما خلق البشر".

لم يعد العراقيون اجتماعاً، بل صار العراقيون اما وقوداً لمشاريع الدولة والفرد او خونة وعصاة ومتآمرين وأهل غدر وخيانة.. او مشردين في مخيمات الارض وبلدانه.العراقيون مطالبون اليوم بطرح اسئلة صحيحة وعدم الاسراع في اعطاء احكام مجتزأة، بل الاستماع الى اكبر قدر من الاجابات.اذا ما احسن طرح الاسئلة، فان طالب الديمقراطية والتغيير السياسي وازالة سلطة القمع والاستبداد سيعمل مع طالب الاستقلال وازالة النفوذ الاجنبي ونظام العقوبات والحصار لاعادة العافية للاجتماع العراقي. اذا ما احسن طرح الاسئلة فان طالب الاسلام سيعمل مع طالب العلمانية لاعادة العافية للاجتماع العراقي.اذا ما احسن طرح الاسئلة فان السني سيعمل مع الشيعي لاعادة العافية للاجتماع العراقي.اذا ما اذا ما احسن طرح الاسئلة فان طالب الفيدرالية سيعمل مع طالب الدولة الموحدة القوية لاعادة العافية للاجتماع العراقي.اذا ما احسن طرح الاسئلة فان طالب الوحدة العربية او غيرها سيعمل مع طالب الانفتاح والتحديث والعصرنة وبناء الفضاءات الاقليمية والعالمية لاعادة العافية للاجتماع العراقي.اذا ما احسن طرح الاسئلة فان طالب الملكية سيعمل مع طالب الجمهورية لاعادة العافية للاجتماع العراقي.

السلطة بخيلة ومتفردة.. والمجتمع معطاء وجامع

فقبل النظر في السلطة ومركباتها يجب احترام الواقع ومركباته.. فالسلطة بخيلة بطبيعتها، قابضة بتعريفها، محدودة باطاراتها وتركيباتها... اما الحياة والواقع والمجتمع فاغنياء لا يتوقفون عن العطاء. يمتلكون قدرة غير محدودة للتكيف والاحتواء وقبول التيارات والتعدديات والاطياف والبنى والهويات.. ولانتاج وتجديد ذلك ليس عبر لعبة "الحية والدرج" بل عبر سنن الحياة وقوانينها. الدولة الحكيمة هي تلك التي تواكب حياة اجتماعها.. لا تستقوي عليه بل تتقوى به. وما لا تستطيع استيعابه في اطاراتها، او في مرحلة من مراحلها، يجب ان لا يدفعها للتصدي له ومحاربته في الحياة والاجتماع. ما لا تستطيع ان تشرعه او تقننه كدولة، يجب ان لا يدفعها لنزع الشرعية عنه في اطارات الحياة والاجتماع. فالقاعدة الدينية والعرفية والاجتماعية والدستورية ان الحلة هي المبدأ وان التحريم هو الاستثناء. اما الدولة غير العادلة فانها تقلب هذه السنة او هذا القانون لتحرم الناس من ابسط حقوقهم.. ولتسلب منهم كل شيء تقريباً.. ولا تترك لهم اي شيء تقريباً.. فالنقص نقصها وليس نقص الاجتماع. والعيب عيبها وليس عيب الحياة. وان العقل الراجح والمصلحة الاكيدة هو ان يتمكن الفكر السياسي من استيعاب اجتماعه.. للسير معه والتقدم واياه نحو افاق اوسع وارحب.. لا ان يسعى لتقنينه في اطار نظرية سلطة ودولة قد تمنع تركيباتها من استيعاب كامل مقومات الاجتماع ومتطلباته. فيكون بذلك كمن يسعى لقطع قدميه لتلائم حذاءه.. لا ان يفكر بتبديل حذاءه ليلائم قدميه. وهو امر يشترك فيه للاسف الشديد، ان لم نقل جميع فمعظم اصحاب التيارات السياسية، دينية كانت ام علمانية، يسارية كانت ام يمينية، ملكية كانت ام جمهورية، وطنية كانت ام اجنبية.

لا افاعي تعيدنا للوراء.. ولا سلالم لسرق السلطة

تموز الذي غالباً ما كان مناسبة للانقضاض على السلطة للعمل عبرها على انتزاع امور كانت بيد الاجتماع، هو مناسبة لكي نفكر من جديد بمقومات السلطة واساسها وقاعدتها ومنطلقها وهدفها.. لنعيد للاجتماع العراقي اولا وقبل كل شيء قوته ومقوماته ومصادر حيويته. ان تمكننا من ذلك، قبل ان تكون لنا الدولة او بها ومعها، فان طريق السلطة سيصبح طريقاً سالكاً بالاتجاهين.. و لن تعود فيه لا افاعي تعيدنا الى اسوء مما كنا عليه ولا فرصة للتسلق والصعود بغير وجه حق.

عادل عبد المهدي

* في 15 تموز 2001 كتبت في مجلة "النور" اللندنية المقالة اعلاه.. ارى من المفيد، بعد 11 عاماً وكل ما مر من احداث وظروف، اعادة نشرها بنصها ودون اضافة او حذف اي حرف، عدا اضافة العناوين الفرعية لاغراض الاخراج.** والاصح على الاغلب، "قومي رؤوس كلهم.. أرأيت مزرعة البصل"

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زهراء محمد
2012-07-31
تحية طيبة وكل التبريكات بهذا الشهر الفضيل. ياسيد عادل عبد المهدي سمعت عنك الكثير ولمست ذلك من خلال كلماتك اقوله الشجاعة. كل كلمةكتبتها بعقل وبضميرلاانسان قبل ان يكون سياسي يحب الخير للعراق ولمكوناته الملونه.. العراق اليوم يحتاج الى هكذا عقول لبناء البلدوليس لتصريحات غبية تثير الازمات والمحن والذي العراق في غنى عنه. اعجبتني لعبة الحية والدرج مرات العب مع اولادي هذه اللعبة خصوصا في ويك اند وعندما الجو ثلجي جدا.طبعا الصغير يراقبني يقول مام لاتسقطيني وانزل من الدرج.اقول حكومة العراق كيفه تسقط وتصعد!
ابو حسنين النجفي
2012-07-30
بوركت ولك المجد من غير باب الافتخار بل هذه سجيتك الحقيقية وانك رمز من رموز ورجال المجلس الحقيقين المخلصين لله وللوطن وللمجتمع الذي تحدثت عنه
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك