حسين الصدر
إنَّ أبشع ما يمكن ان ينتهي اليه طغيانُ حاكمٍ جبّار، هو الالتذاذ بازهاق الأرواح، والجرأة على سَوْق المواطنين زرافاتٍ ووحْداناً الى ساحات الموت،دون ان يكترث بالقيم الانسانية والحضارية والدينية والسياسية والقانونية كلها...واذا جاز للحاكم ان يخوض غمار الحرب،الحاصدة لرؤوس الأعداء حين يعتدون على الوطن، ويستبيحون حرماته وسيادته، ويعبثون، بإنسانه وكرامته، فلا يجوز على الاطلاق ان يَشْهر السلاح بوجه مواطنيه التواقين الى الانعتاق من ربقة الاستبداد، والمتطلعين الى حياة حرّة كريمة وغاية مطامحهم ان يستطيع أحدهم التنفس برئتَيْه، بعيداً عن شبح الملاحقة وضيق الخناق....ان الخبز اليومي للمواطن العراقي أيام الدكتاتورية البائدة لم يكن الاّ القهر والمعاناة والاضطهاد.ان (القائد الضرورة) المقبور، اختصر الوطن بذاته،وكان المطلوب من كل المواطنين ان يمارسوا، معزوفة العشق والوله لهذا الفارس الفريد، الذي ملأ البلاد بالجداريات والصور التي تعكسه في مختلف حالاته وأطواره، والويل لكل مَنْ يأنف من ذلك...!!!وهكذا فُرض على الناس ان يدينوا بالطاعة والولاء للقائد الواحد والحزب الواحد دون إبطاء..!!انه النسخة التي لن تتكرر في المواهب والابداعات....!!فعبقرية السياسة زجّت العراق في أتون حربين ضاريتين كانت حصيلتهما مروعة بكل المعايير، ويكفي انها جعلت حضور اليتامى والأرامل والمعاقين ماثِلاً في كل محلة، لابل في كل زقاق...!!!أما الشهداء فحّدث عنهم ولا حرج.ومن ذا الذي يقوى على إحصائهم؟انهم شكلوا شريحة متميزة تضم عيون الرجال وخيرة النساء:وما قولك بقوافل الشهداء التي يتصدرها الشهيدان الصدران:الامام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، الذي كان قيمةً حضارية كبرى،بإبداعاته ونظرياته، ومؤلفاته، ومنهجه، وجهاده وسيرته، وأخلاقه.....والشهيد الصدر الثاني آية الله السيد محمد الصدر.وقد اغتيل الصدر الأول مع شقيقته العالمة المجاهدة آمنة الصدر في نيسان /1980 واغتيل الصدر الثاني مع نجليه الشهيدين السيدين مصطفى ومؤمل في شباط 1999.ولم يشهد العراق في تاريخه الطويل كله سلطة اقدمت على اغتيال المراجع الدينية قبل السلطة الصداميه الغاشمة.انَّ الحاكم الذي يمنح الرتب العسكرية العليا في الجيش العراقي لأقزام صغار،لايحسنون من الامور شيئاً، مدفوعاً بدافع القرابة او الولاء الشخصي أو المصاهرة،يكشف عن ذاتٍ متخلفة مجازفة بعيدة عن فهم الاسس والركائز التي تقوم عليها الدولة ومؤسساتها....ان جنون العظمة كان يسوّغ للدكتاتور البائد،ان يصنع ما يشاء في كل القطاعات العسكرية والصناعية والزراعية والثقافية وفي كل المجالات.ألم يجعل نفسه روائياً؟!وأين هو من الرواية والأدب والثقافة؟وفي المعتقل، بعد ان اقتيد من حفرته ذليلاً، حاول ان يكون (شاعراً) أيضاً !!ان عبقرية الطاغية المقبور كانت تتجلى في الجانب الاجرامي،فهو صاحب ابتكارات وامتيازات فيه،لامجال لنكرانها بحال.المقابر الجماعية المقابر الجماعية في العراق، هي التعبير الحقيقي عن الانسلاخ الكامل من كل سمات الانسانية، وتلك هي بالتحديد ملامح شخصية الدكتاتور المقبور انّ الوحشية والقسوة العظيمة التي عرف بها الطغاة السابقون، فرعون والحجاج وهولاكو وجنكيزخان لم تبلغ الى هذا الحد الفظيع، الذي فاق به الطاغية المقبور الطغاة جميعاَ قديمهم وحديثهم.ومنذ 9 نيسان 2003 وحتى الساعة، مازلنا نكتشف الجديد من المقابر الجماعية.والسؤال الآن:كم هو عدد هذه المقابر الجماعية؟وأين هي مواقعها؟وكم عدد من استشهد فيها؟وكم منهم من دفنوا وهم أحياء؟وكم فيهم من الأطفال والنساء؟وما معنى وجود الأطفال بين الضحايا؟انّ هذه المقابر الجماعية وحدها،تكفي لاطلاق لقب الجزّار الأكبر على الطاغية المقبور، ومع ذلك تجد بعض الاغبياء من يسميه شهيداً وتجد من الاغبياء أيضاً من يقيم مجالس العزاء عليه،في ذكرى إعدامه وأغرب الغرائب ان يصطف شاعر كبير معروف في هذه الزمرة الغبية ويواصل الثناء عليه !!ان الثناء على الطاغية المقبور هو بمثابة الاعلان الرسمي عن معاداة العراق وأهله وقد قرأتُ مؤخراً:(ان الفرق التابعة لوزارة حقوق الانسان اكتشفت في 10 /7/ 2012 مقبرة جماعية على بعد 5كم غرب النجف ( وان ضحاياها من ابناء المحافظة الذين شاركوا بالانتفاضة الشعبانية 1991) (وان هذه المقبرة تضم رفات مئات المواطنين من ابناء المدينة أعدموا بشكل جماعي بعد اقتيادهم من فندق السلام في النجف الى هذه المنطقة الصحراوية ) واذا كانت المقابر مظهراً من مظاهر نضال الشعب العراقي ضد الظلم والطغيان، فانها بالتأكيد الدليل على همجية الكيان الطاغوتي الدموي الغاشم،الذي لم يتقن الاّ فن القتل والذبح والدفن الجماعي للأحرار والحرائر.
https://telegram.me/buratha