المقالات

الخطاب الديني المتشدد - غايات ومبررات -

653 22:09:00 2012-07-22

الباحث احمد الشجيري

ان الاتجاهات الاسلامية و تحركها دوافع دينية ايديولوجية، او دينية - سياسية، وليست سياسية خالصة. واذا لم تصدق هذه الرؤية على التيارات الاسلامية الجديدة، فانها لا شك تصدق على التيارات السلفية والتكفيرية والحركات الاسلامية المتطرفة. نعم ربما تستغل هذه الروح من قبل قادة التنظيم او غيرهم، الا ان الحافز الحقيقي لتضحيات القواعد والافراد تبقى حوافز عقدية دينية.وعندما ينتسب الارهابيون الى التيار الاسلامي، نكون قد وضعنا ايدينا على مصادر العقيدة الاسلامية، وهما الكتاب والسنة، اضافة الى تاريخ طويل من الحروب والمعارك التي جرت باسم الدين والاسلام، بدءً من الصحابة حتى يومنا هذا. وهنا بالذات تبدأ المشكلة، مشكلة النص الديني وقدرته الفائقة على تلبية حاجة الايديولوجيات والاتجاهات الفكرية والسياسية. النص الديني يتصف بمرونته العالية، ومراوغته، وسهولة الوقوع في شراكه. لذا فكل الاحداث الدامية التي مر بها المسلمون جرت باسم الدين، وكل الويلات التي ذاقتها شعوبنا كانت باسم الاسلام. نشبت الحروب باسم الدين، واريقت الدماء باسم الدين. شرعنة القتل، ومصادرة الحقوق، والاستحواذ على السلطة، وتكفير الآخر المخالف، بل حتى تكفير الآخر الداخلي الذي ينتمي الى ذات الاسلام، كل ذلك جرى ويجري باسم الدين. فلا حجة اقوى من الدين، ولا سلطة اكثر فاعلية كسلطة الدين، فكان الدين وما يزال ملاذا لتبرير الممارسات الارهابية، والسياسات التعسفية. من هنا كان النص الديني اكثر النصوص حاجة الى منهج علمي رصين، يلاحق مناسبات الحكم والموضوع، ويحدد دلالات النص قياسا الى نصوصه الاخرى. سيما بالنسبة الى القرآن الكريم، الذي تمييز على غيره من الكتب السماوية، بكثافة نصوصه التحريضية على القتال والحرب، او الارهاب بالمنطق الحديث. والسبب ان القرآن دخل المعركة الى جانب الرسول، فكان الموجه، والهادي، والمخطط، والامر، والناهي. وكان يتابع فصول الدعوة، ويلاحق مشاهد المعركة بين الاسلام والكفر. فضبط لنا النص تفاصيل الغزوات والمعارك التي خاضها المسلمون بمعية الوحي الالهي. وهي احداث مرتبطة بعصر الرسالة، ومن خصوصيات الرسول، كما هو واضح في كثير من الاوامر الموجه الى شخص النبي (ص). وكان الخلفاء الراشدون يعلمون ذلك، لذا اعترض الخلفية الثاني على حروب ما يسمى بحروب الردة، وساءل ابا بكر عن مبرراتها الشرعية!! بينما تنحى الامام علي جانبا. الا ان السياسية ومتطلبات الحكم كانت المبرر الاساس لتوظيف النص وتفعيله ثانية رغم خصوصياته. والمؤسف ليست هناك محاكمة صريحة وعلنية لمرحلة الخلفاء، وليس هناك من يناقش في شرعية المعارك والحروب التي جرت باسم الدين والاسلام. بل العكس اصبحت سيرة الخلفاء حجة شرعية يستدل بها على شرعية قتال الآخر، لاي سبب كان!!.اذن اضافة الى مشكلة النص، التي هي مشكلة ذاتية، هناك مشكلة الاتجاهات والنفعية، التي وظفت النص لخدمة مصالحها السياسية والأيدلوجية. وربما كتاب معالم في الطريق لسيد قطب مثالا واضحة لهذا الاتجاه. فقد ألهب الكتاب مشاعر الشباب المتدين المؤمن وزجهم في اتون المعركة باسلوب ادبي اخـّاذ. فلم يختار سيد قطب من النصوص سوى ما يخدم هدف الكتاب. وهو الثورة المستمرة ضد الآخر، ايا كان اتجاهه. وفق معادلة تضع الانسان امام خيار واحد، لضمان مرضاة الله تعالى، وهو الشهادة في سبيل الله.وبعبارة اوضح، ان الخطاب الديني اعاد تشكيل العقل الحركي على اساس هجاء الحياة وعشق الموت، كراهية الآخر وتمجيد الذات، اهمال الدنيا وتعمير الآخرة، كسب رضا الله تعالى بالتضحية والفداء لاي سبب كان. فلم يثقف الخطاب الديني قواعد الحركات الاسلامية على تبني العفو والرحمة والتسامح والمغفرة مع الآخر، وانما تثقف على كره الآخر، والتخطيط لقتله واستئصاله. ولم يتثقف الفرد على سعة رحمة الله ومغفرته، وانما تثقف على ان الله جبار السماوات والارض، لا يمكن ادراك رحمته بالايمان والعمل الصالح، وانما بالتضحية والشهادة في سبيله. فالفرد الحركي ليس مخلوقا لاعمار الارض، وادارة الحياة، وانما مخلوق للآخرة، يتمنى كل يوم ان يرزقه الله الشهادة ليتخلص من عبء المسؤولية وينال رضا الله ويحظى بالنعيم الابدي. ليست الدنيا سعادته، وانما الآخرة، وليست المرأة انسه، وانما الحور العين. وليس الانسان رفيقه وانما الملائكة المقربون. انها ثقافة لا تمت الى القيم الانسانية التي نادى بها القران بصلة. بينما تؤكد النصوص على فوز الانسان في الآخرة من خلال اعمار الارض، والاهتمام بالحياة، والنجاح في تجربة الدنيا، والنجاح في كيفية تحول مفاهيم الخير الى قيم حقيقة بين الناس، وكيف يكون الانسان المؤمن اول من يتحلى بالروح الانسانية، ويحترم قيم الانسان، لا ان يستهين بحياته وحياة الآخرين، ويستسهل قتل العزل والابرياء.بهذا الطريقة تشكل العقل الحركي، فحافزه الى الموت هو كسب رضا الله تعالى. فيكون عنوان الشهادة بذاته مطلبا دينيا لضمان مرضاة الله، بقطع النظر عن جدوى الموت بهذه الطريقة، وجدوى العمليات الانتحارية، وما هي تداعياتها، وكيف ينعكس الموقف على الجاليات الاسلامية المنتشر في انحاء العالم، وكيف سينظر المجتمع الدولي لنا. كل هذا ليس مهما امام الجهاد وخوض المعركة ضد الآخر المختلف دينيا. والذي يساعد كثيرا على تنشيط العمليات الانتحارية ويستقطب اعدادا كثيرة، هو وجوب طاعة اولي الامر، وعدم جواز مناقشتهم او التمرد على اوامره(يا ايه الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم). فالخطوة الاولى على الطريق ان يتحول الداعية الى دمية بيد قائد الخلية، ويرتهن اليه مصيره ومستقبله. وهي صفة اساسية طالما اكد عليها قادة التنظيمات الدينية المتطرفة، بل هي رأس مال هذه الحركات. شاب مؤمن بالشهادة في سبيل الله، ومطيع لامر القيادة الى حد الخضوع والتذلل. سيما هو يعتقد حقا انما يطيع الله تعالى باطاعة هؤلاء، لذا لا شك بصحة ما ينقل من ابتهاج وفرح وبكاء قبل وبعد العمليات الانتحارية، فمن لم ينتدب لعملية قتالية، يبكي ويتألم ويعتقد ان الله تعالى ساخط عليه، فلم يوفقه للشهادة، بينما يفرح ويبتهج عندما يكلف بمهمة، فانه دليل الفوز بالجنة. انها مشكلة الوعي ومشكلة تمييز الحقيقة، ومعرفة الصواب. للاسف ان المؤمن ادمن التقليد والانصياع فينفذ ما يملى عليه رجل الدين، وقادة التنظيم.فكيف نعالج هذا النمط من التفكير، والنص الديني مستعد لتلبية كل الطلبات، حينما يتعامل معه الفرد بطريقة انتقائية تخدم مصالحه الايديولوجية؟. وهل ستنفع فتوى التحريم؟ اعتقد حتى الافتاء بحرمة هذا العمل لا ينفع، لان اصحابها مدانون بنظر الحركات الاسلامية المتطرفة، بل متقاعسون عن الجهاد يستحقون العقاب. وليس صعبا عليهم اقناع قواعدهم بذلك، بل النص الديني زاخر بالتقريع والوعيد لكل من يتخلف عن الجهاد!!. كما ان فتاوى دينية جاهزة لتبرير العمليات القتالية في أي وقت ومكان، و لا تبقى على الحركة سوى اقناع الداعية بفعلية الموضوع. فهل يا ترى ينفع اجماع مئة وثمانين عالما دينيا على حرمة هذه الاعمال في المؤتمر الاسلامي الاخير المنعقد في الاردن؟ كلا، لا ينفع لكن ربما يساهم في زيادة الوعي مستقبلا. ان هؤلاء وجدوا في العلميات الانتحارية فرصة تاريخية طالما راودتهم في احلامهم. والشهادة جاءتهم اليوم على طبق من ذهب، سيما اذا كانت ضد المصالح الغربية، الذي ساهم الخطاب الاعلامي الديني والوطني في تشويه جميع معالمه، حتى بات شرا مطلقا يجب القضاء عليه اجلا ام عاجلا.من هنا يبغي الاسراع في بلورة ثقافة دينية جديدة، ترسم حدود الاحكام الشرعية في القرآن، وتحدد ما هو مختص بحياة الرسول، وتبين متى وكيف يكون الحكم مطلقا في كل زمان ومكان. وهل جميع ما في القرآن فعلي. ثم يجب تكثيف الحديث عن النسخ، وهل صحيح ان آية السيف نسخة كل رحمة وعفو ومغفرة بالقرآن؟ يجب علينا اكتشاف حقيقة مسألة النسخ، يجب علينا كشف الاهداف السياسية وراء ترسيخ مفهوم نسخ آيات الكتاب. يجب التعامل مع المسلمين الاوائل باعتبارهم بشرا لهم مشاعرهم واحاسيسهم وغاياتهم واهدافهم السياسية. يجب الاطاحة بالساتر التاريخي الكبير بيننا وبين الوقائع، يجب ان نبدأ بالخلفاء الراشدين لنتبين مدى رشدهم، نكتشف اهدافهم وغاياتهم وخططهم. لقد تحول التاريخ الى حجة شرعية وهو بعد لما يكتسب شرعيته. يجب ان نفضح كل الذين وظفوا الدين والنص الديني من اجل مصالحهم السياسية والاجتماعية. بهذا الاسلوب فقط يمكن انتشال ما تبقى من قواعد الحركات الاسلامية المتطرفة. ونثقف ابناءنا على مفاهيم قرآنية تنتمي الى ثوابته وغاياته ومقاصده.لا شك ان شرائح واسعة من الحركات الاسلامية اليوم بدأت تعي الواقع وتكتشف ملابساته، واخذت تسير بطريق آخر بعيدا عن العنف وثقافة الموت، وهو نقلة نوعية في تفكير الحركات الاسلامية، لكن تبقى وظيفة الوسط الثقافي والاعلامي مواصلة خطاب الوعي حتى يعود المتطرفون الى رشهم ويعوا الحقيقة، ويكتشفوا اهداف قادة التنظيمات المتطرفة، وبهذا الاسلوب يمكن تحجيم العنف ثم القضاء عليه، لكن متى؟ نحتاج الى خطط فورية واخرى طويلة الامد ربما تستمر لسنين طويلة تطال الكتب والمدارس والمؤسسات والاعلام والتبليغ الديني، وتلاحق الوعي في كل مكان بغية القضاء عليه في مهدي، لكن دائما باسلوب سلمي يقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل ومن داخل المنظومة الفكرية الدينية وليس من خارجها.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك