عون الربيعي
حين يكون الطرف الاكثر تأثيراً وتماسكاً واعتدالاً في آرائه ومواقفه وطروحاته بحجم المجلس الأعلى الإسلامي وقوته، فأن الامور تختلف لأسباب موضوعية عرفناها عنه ومنها مبدئيته وتمسكه بالجنوح والسير خلف مصالح الأعم الأغلب من أبناء الشعب العراقي، فلا مساومات على الوطن ولاتنازل عن حقوق المواطن لذلك كان تميز المجلس الأعلى من بين كافة الكتل السياسية بسبب موقفه الحكيم من الأزمات التي عصفت بالبلاد كما بين ذلك جميع الأطراف العراقية التي اعتبرت هذا الموقف من العملية السياسية موقفاً وطنياً خالصاً عبّرفيه المجلس الاعلى عن مشاعر الجماهير العراقية، فالمجلس بكل ما يمتلك من مصداقية شكل مرجعية سياسية لكثير من الأطراف بفضل قراءته الجيدة للواقع السياسي وهذا ما اتضح جلياً عندما عبّر عن رؤيته حول إجتماع أربيل وأخبر أطرافه بكل وضوح حرصه على سلامة العراق وسلامة العملية السياسية والمشروع الوطني والحفاظ على مكتسبات الشعب العراقي التي تحققت بعد سقوط النظام السابق، لكنه في الوقت ذاته لم يخفِ مخاوفه من هذا الصراع ومن آثاره السلبية التي ستترك بصماتها على المشهد السياسي لاحقاً إذا ما بقيت حالة النزاع بهذا التصاعد، ولعلّ المواقف السياسية التي عشنا تفاصيلها والتي بينت صلابة وارادة المجلسيين وكشفت بلا ادنى شك بعدهم عن المزايدات واستغلال الفرص حين طرحوا بشجاعة آليات التعامل مع الأزمة وضرورة حلحلتها وتفكيكها وإعادة اللحمة بين الأطراف المتصارعة فكانت مواقف الكتل السياسية من هذه الآراء والطروحات تؤكد مدى النضج الذي وصل إليه، حيث وصفت مواقفه بالحكيمة كونه لم ينحز إلى طرف على حساب طرف آخرمهتماً بالتأكيد على أهمية الشراكة الوطنية لخدمة البلاد، كما ان المجلس بكل تحركاته لم يؤثر الوقوف على الحياد ولم يكن متفرجاً من بعيد على الأزمة التي عصفت بالبلاد مقدماً مبادراته الكثيرة لاحتواءها عبر تكرار دعواته جميع الأطراف إلى الجلوس على طاولة الحوار باعتبارها الخيار الأمثل من بين كافة الخيارات المطروحة مما استدعى ان يشاركه كافة القادة السياسيين المفاوضات والمباحثات لحل الأزمة، وهذا واضح من خلال اللقاءات المتعددة والزيارات التي قام بها عدد كبير من الشخصيات والوفود الى مكتب السيد الحكيم غير ان كل هذه المبادرات التي أكد فيها المجلس الاعلى موقفه المبدئي كانت تنطلق من حاكمية الدستور باعتباره المرجعية الوحيدة لحل الاشكاليات ومنع التجاوزات مشدداً على ضرورة حمايته من أي خرق مع أهمية الالتزام بالتوافقات والتعهدات في إطاره لا اعتبارها بديلاً عنه ان القراءة الحكيمة المتأنية للواقع السياسي العراقي جاءت بنتائج مطابقة لما ذهب إليه المجلس، فلم تقدم الأزمة وروادها الحلول الجذرية ولم تكن معاركهم الإعلامية وتصريحاتهم معبرة عن طموحات الشارع بل ان الحال اخذ في الانحدار وصولاً إلى فقدان الثقة وتحول الازمة الى عقدة وهذا ما حذرمنه السيد عمار الحكيم في اكثر من مناسبة، وهنا لابد من ان يرى الجميع الامور بمنظار آخر ويجتهدوا في ان ترقى الاصلاحات المزمع الاتفاق عليها بين الفرقاء كبديل عن عملية سحب الثقة الى ما يتمناه المواطن العراقي أولاً، لأن الاصلاح غاية كل من يريد لهذا البلد الخير وبتركه تفوت الفرصة على تحسين أوضاع المواطنين الذين يجدون اليوم ان تجربتهم السياسية الوليدة على المحك بسبب تقاتل الفرقاء على المكاسب واهمالهم كل شيء من اجل الاستمرار في معركة يرى المجلس الاعلى ان الكل فيها خاسر.
https://telegram.me/buratha