• المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب .
بعد ان فعلت فعلها المؤثر في المشهد السياسي العراقي ،انتقلت عدوى الاختلافات والتوترات والتقاطعات والمناكفات الى ابرز فضاءات الحياة العامة في العراق المتمثلة بقطاع الثقافة والادب والفنون التي تعد المعيار الرئيس المعتمد في تحديد مدنية الشعوب والامم ومدنيتهما ورقيهما .اذ ان اجهاض امال الشارع النجفي والعراقي على حد سواء بترسيخ مقومات مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية 2012م ،املى على الوسط الثقافي العيش على امل نجاح تجربة مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 م ،ما يتطلب من ادارة الثقافة في البلاد الاضطلاع بمسؤولياتها المهنية والوطنية حيال مهمة حشد جميع الجهود التي تشكل مصادر الالق الابداعي في المجالات الثقافية والعمرانية والتاريخية والحضارية ،غير ان ما رشح من سجالات الوسط الثقافي خلال الايام الماضية يعبر عن خيبة امل كبيرة للشارع العراقي المبتلى بنكبات الزمان بعد اعلان الاتحاد العام للأدباء الشعبيين في العراق عن توجه وزارة الثقافة القاضي بإقصاء فعاليات الادب الشعبي من البرامج الخاصة بمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 م بدعوى ان العرب لا يفهمون الشعر الشعبي العراقي ،ما يستلزم استبعاده من المشاركة في فعاليات هذا المشروع الكبير ،إضافة الى عدم امكانية تنظيم مهرجانات شعرية ؛لأن العراق اقام الكثير منها ،ويفضل ان تكون الفعاليات مموسقة ؛لان اي فعالية من دون موسيقى لا تمثل بغداد ،ما يفرض علينا تقديم عروض الاوبرا ،بوصفها من النشاطات الممثلة للثقافة العراقية ! ! ! .والانكى من ذلك ان ادارة وزارة الثقافة لم تجهد نفسها ببحث وتقويم ماهية المشروعات الاربعة التي اقترحها الاتحاد العام للأدباء الشعبيين في العراق والتي يمكن اجمالها بماياتي :01 . استضافة الامانة العامة لاتحاد الشعراء الشعبيين العرب ،اضافة الى الاعضاء المؤسسين للاتحاد ،واقامة مهرجان شعري تحت رعاية الاتحاد العربي للأدباء الشعبيين .02 .تنظيم الاتحاد لمهرجان ( اخوات فدعة ) للشاعرات الشعبيات ،وهي تجربة جديدة جديرة بالاهتمام .03 .اقامة مهرجان ( الاهزوجة والبانوراما الشعبية ) .04 .اقامة المهرجان الوطني للشعر الشعبي .ان مقولة الشعر الشعبي لا يفهمه العرب تتقاطع كليا مع حالة الانسجام التي ابداها الشعراء العرب الذين شاركوا بمجموعة الفعاليات التي اقيمت على هامش المؤتمر التأسيسي لاتحاد الادباء الشعبيين العرب في بغداد نهاية العام الماضي ،ولايمكن اعتمادها في واقعها الموضوعي لتبرير قرار وزارة الثقافة بمهمة اجهاض نتاجات الشعراء الشعبيين وجهودهم وطموحاتهم في فعاليات مثل هذا المشروع الوطني الكبير . ولا اخطئ القول ان انبثاق اتحاد الادباء الشعبيين العرب في مدينة بغداد يعد من الانجازات الثقافية المهمة التي تحققت في مرحلة ما بعد التغيير .وبدلا من ان تمد وزارة الثقافة يد العون الى اتحاد الادباء الشعبيين في العراق للتمسك باستضافة بغداد لمقر اتحاد الادباء الشعبيين العرب الذي ما يزال في( مربع مجهول من سماء بغداد )،فان قرار وزارة الثقافة الجديد لا يمكن ان يحقق الا غاية واحدة وهي تقزيم احد اوجه الثقافة والادب والفنون في بلد يحيا شعبه مع ازدهار حركة الشعر .وبقدر ما كان الشعر الشعبي معبرا عن بؤس حياة اهل العراق وفرحهم وطبيعة البناء الاجتماعي ،فانه كان ملازما لنضالات ابناء شعبنا يشحذ الهمم ويوثق المآثر التاريخية العظيمة ،فضلا عن كونه احد محركات الوعي الوطني ،وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ذكرت ثورة العشرين الا وكان الشعر الشعبي احد ابرز عنواناتها ،وما ذكرت مدينة سوق الشيوخ الا وذكرت معها الابوذية . اذ ان الشعر الشعبي كان ومايزال الرئة التي يتنفس منها الفلاح المنكوب في حقله من ظلم الاقطاع ،والعامل المحمل بخطايا السياسة وهو يحمل معوله في ظل ظروف سيئة لتحصيل رزقه ،والمناضل القابع خلف سجون السلطة ،والمرأة المهانة الذليلة التي لا سبيل لها لاستعادة ما استلب من كرامتها وهي تحنو على صغيرها وتداعبه بصوت يختلط فيه الفرح بأحزان الايام ... دللول .. دللول .. يالولد ياابني .اننا نامل من وزارة الثقافة ان تلزم قرارها بالموضوعية التي تفرض عليها اعادة النظر بهذا القرار الاقصائي الذي استهدف شريحة واسعة من الفضاء الثقافي العراقي ،حيث ان السير بهذا التوجه قدما سيفضي الى الغاء صفحات خالدة من تاريخ شعبنا وثقافته ،فضلا عن عدم امكانية شعبنا العيش برئة مثقوبة !!!ولنا عودة اخرى الى الموضوع باذنه تعالى .
https://telegram.me/buratha