المقالات

لماذا لا يعمل المراجع على توحيد المسلمين في صومهم وافطارهم؟!

1051 14:57:00 2012-07-13

عدنان عبد الله

كثير هم اولئك الذين يتحدثون ـ بحماس ـ عن أهمية توحيد بداية شهر رمضان، ويوم العيد، معتبرين ذلك عنصرا مهما من عناصر وحدة المسلمينوللوهلة الاولى تبدو الفكرة جميلة، والمهمة يسيرة، غير ان مناقشتها تجعلها في موقع آخروهنا نريد، ان نناقش الفكرة، بشكل خاطف، من زاويتين:ـالاولى: هل ان صيام المسلمين في يوم واحد وإفطارهم في يوم واحد، دخيل في وحدتهم وتوحيدهم؟الثانية: هل ان هذه الامنية المشروعة ممكنة التحقق من الناحية العملية، أم لا؟وبالنسبة للسؤال الاول، نرى بان عناصر الوحدة قد تناولها العلماء والمفكرون، بحثا وشرحا، دون ان يشير أحد منهم الى كون عنصر الصوم والافطار، من عناصر الوحدة وركائزها.فالمسألة ليست أكثر من كونها ظرفا (وقتا)، لإتيان العبادة، و ليس هناك أي علاقة لأوقات العبادات بالوحدة، ولذا لم يشعر أحد بان أوقات الصلاة ـ مثلا ـ لها علاقة بوحدة المسلمين .. ومن هنا، فحينما يصلي المسلم في مدينة ما، صلاة الظهر قبل أو بعد ساعات من صلاة أخيه لها في مدينة اخرى من العالم، لا يشعر أحد بان هذا يضر بالوحدة، وهكذا يجب ان يكون الامر بالنسبة لوقت الصوم والافطار أيضا.والذي يبدو لنا، ان أغلب من يصر على طرح هذه الفكرة وترويجها، هم السياسيون، وذلك من أجل ان يصرفوا الانظار عن مسؤوليتهم المباشرة عن ذلك، ومنها مسؤوليتهم عن وحدة الموقف من قضايا الامة، وخصوصا القضايا الكبرى منها.ونرى، بان كل ما نحتاجه هنا، هو ان نفهم المسألة في إطار الخلاف العلمي الاجتهادي، بعيدا عن المزايدات الرخيصة، فنفهم بان الذي صام إنما عمل بتكليفه، وأن الذي أفطر إنما عمل بتكليفه أيضا.هذا، مع اننا لا نرى في القرآن الكريم، ولا في السنة الشريفة، ولا في وقائع التاريخ، ما يدل على ان الاسلام حريص على ان يقع صوم المسلمين في يوم واحد، ويقع إفطارهم في يوم واحد، ولا نجد ما يدل على ان الاسلام يجعل ذلك أحد أهدافه، أو يعتبره مظهرا من مظاهر الوحدة والتوحد، ليأخذ العلماء ذلك بنظر الإعتبار في عملية الاستنباط.وأما بالنسبة للسؤال الثاني، فليس من الممكن توحيد يوم الصوم ويوم الافطار، من الناحية العملية، وذلك لأن تحديده ـ شرعا ـ مرتبط برؤية الهلال، وهو ما لا يمكن ضبطه وتعميمه على الجميعولا بد من الاشارة هنا، الى ما يطرحه بعض المتحمسين في هذا المجال، فيتساءل عن اليوم الذي سيضع فيه المراجع حدا لاختلافنا المؤسف وتخلفنا المخجل، فيعمدوا الى توحيد وقت صوم المسلمين وافطارهم، إعتمادا على الحسابات الفلكية التي أصبحت من الضبط والاتقان بحيث تستظيع ان تحدد لحظة ولادة الهلال بمنتهى الدقة.ومع افتراض حسن النوايا لدى هذا البعض، فان تساؤلاته لا حظ لها في الميزان العلمي، وذلك لان علماء الفقه لا يختلفون عن علماء الفلك في القول بولادة الهلال في اللحظة المحددة فلكيا، وهي عندهم من الحقائق العلمية التي لا جدال فيها، غير ان تحديد بداية الشهر الهلالي (الشرعي) لا يرتبط بولادة الهلال المعلومة يقينا، وانما برؤيته بالعين، ومن هنا يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس الله سره الشريف)، بان هناك بدايتين للشهر الهلالي، أحداهما طبيعية، وتبدأ منذ لحظة ولادة الهلال، والاخرى شرعية، وتبدأ عند رؤية الهلال بالعين المجردة، ومن هنا فان بداية الشهر الهلالي الشرعي، وهي مدار الصوم والإفطار، ربما تتأخر عن بداية الشهر الهلالي الطبيعي بيوم أو أكثر. ـ(راجع الفتاوى الواضحة)ـومن هنا أيضا، تتشكل لجان رسمية أو شعبية للاستهلال ورؤية الهلال، وتفتح المحاكم الشرعية أبوابها ـ في السعودية وغيرها ـ من أجل استقبال من يشهد عندها برؤيته.أما لماذا تتوقف البداية الشرعية للشهر على رؤية الهلال، دون ولادته، فهي مسألة فقهية صرفة، تحددها الأدلة الشرعية المعتبرة، [ومنها: ما ورد عن رسول الله (ص)، انه قال: " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم، فاكملوا العدة ثلاثين يوما."]، وليس للعلماء الا أن يخصعوا لها، أما الاستحسانات و لَيُّ أعناق الادلة الشرعية، بتأويلات بادرة، فليس من شأن مدرسة أهل البيت عليهم السلام، في شيئ..علما بان البت في تحقق أو عدم تحقق الموضوعات العرفية للأحكام الشرعية، لا يبنى على أساس النظرة العلمية (الدقية) لتحقق الموضوع، وانما على أساس النظرة العرفية (الاجتماعية) لتحققه.ومن هنا فان غروب الشمس مثلا، عند العرف لا يتحقق الا بعد ان يرى الناس استتار قرص الشمس بأعينهم المجردة، ولا يلتفتون الى الحقيقة العلمية المتمثلة بغروب الشمس قبل حوالي ثماني دقائق من إحساسهم به، وهي الفترة الزمنية التي يحتاجها ضوء الشمس ليصل الينا. وكذا الامر بالنسبة للشروق، فان الشروق العلمي يتحقق قبل ان نحس بشروق الشمس بثماني دقائق، أي ان الشروق العرفي يتأخر عن الشروق العلمي بمقدار ثماني دقائق، وعلى هذا الاساس، فان الشروق العلمي للشمس لو حصل في الساعة السادسة صباحا، فان الشروق العرفي لا يتحقق الا في الساعة السادسة وثماني دقائق، إذ لا نحس به قبل ذلك، وذلك لان شعاع الشمس يحتاج الى ثماني دقائق لكي يقطع المسافة بيننا وبين الشمس، ويصل الينا.والآن، لو أراد الانسان ان يصلي صلاة الصبح في الساعة السادسة وثلاث دقائق، فهل يصليها أداءا أو قضاءا؟والجواب: انه يصليها أداءا، وذلك لان الاحكام الشرعية تبنى على النظرة العرفية ـ و ليس العلمية ـ لتحقق الموضوع (وهو الشروق هنا)، والعرف يرى بان الشمس لم تشرق بعد، وإن كانت قد أشرقت بحسب النظرة العلمية الدقيقة.وكذا الامر بالنسبة للشهر الهلالي، فان العرف يرى بان الشهر لا يبدأ الا بعد ان تتم رؤية الهلال بالعين، على الرغم من ان الشهر قد بدأ ـ علميا أو طبيعيا ـ من لحظة ولادة الهلال.فعلماء الفقه لا يشككون أبدا في وقت ولادة الهلال، ولكنهم يقولون بان الأدلة الشرعية، لا تربط أوقات الصوم والافطار، بولادة الهلال، وانما تربطها برؤيته بالعين.ثم ان رؤية الهلال في منطقة ما لا تعني إمكانية رؤيته في مناطق اخرى، فكما ان الخسوف أو الكسوف يرى في بعض المناطق ولا يرى في اخرى، فان الهلال أيضا قد يرى في بعض مناطق العالم، ولا يرى في مناطق اخرى، وذلك لان الرؤية تخضع الى ثلاثة عوامل رئيسية، [هي: عمر الهلال، والبعد الزاوي عن الافق، والبعد الزاوي عن الشمس]، وهي تختلف باختلاف موقع المنطقة على الكرة الارضية.فهلال شهر رمضان لهذه السنة، سوف يولد، حسب توقيت بغداد، في الساعة السابعة وأربع وعشرين دقيقة من صباح يوم الخميس الموافق 19 / تموز/ 2012، غير انه لا يرى في مساء يوم الخميس (ليلة الجمعة) في أي بقعة من بقاع العالم المأهولة، أما في مساء يوم الجمعة (ليلة السبت)، فانه سوف يرى في امريكا الجنوبية كلها، وفي الجزء الجنوبي من أمريكا الشمالية، وفي كل افريقيا، والجزيرة العربية، واستراليا واندنوسيا وجنوب الهند.وأما العراق و ايران و تركيا وجميع مناطق اوربا، فلا يرى فيها الهلال إلا في مساء يوم السبت (ليلة الاحد)ـ.ويجب ان نلاحظ هنا، بان الحديث عن رؤية الهلال إنما يرتبط بالمناطق أو المدن، ولا يرتبط بالدولة، ولذا فان الهلال ربما يرى في بعض مناطق دولة ما، ولا يرى في مناطق اخرى من نفس الدولة..ومن هنا يطرح سؤال فقهي، مفاده؛ هل ان رؤية الهلال في منطقة من مناطق العالم تكون حجة على سكان تلك المنطقة فقط، أم انها تصلح لأن تكون حجة على سكان سائر مناطق العالم، بمن فيهم اولئك الذين يسكنون المناطق التي يقول علماء الفلك بان الرؤية مستحيلة فيها؟وبعبارة اخرى، هل ان مسألة رؤية الهلال، شبيهة بمسألة الخسوف والكسوف، أم لا؟ فبالنسبة للخسوف والكسوف، لا تجب صلاة الآيات الا على سكان المناطق التي يرى فيها الخسوف او الكسوف، أما سكان المناطق التي لا يرى فيها، فلا تجب عليهم الصلاة ..والسؤال هنا: هل ان رؤية الهلال تكون كذلك أيضا، فلا تكون رؤيته حجة الا على سكان المنطقة التي يرى فيها، ام انها حجة عليهم وعلى غيرهم من سكان مناطق العالم الاخرى؟وهنا يختلف علماء الفقه، في الاجابة، ولا بد للمكلف من ان يرجع الى مرجعه لتحديد موقفهومن الجدير بالذكر، ان هناك تفاصيل اخرى تتعلق بثبوت الهلال:ـمنها: ان بعض العلماء يرى كفاية إمكانية رؤية الهلال، فيما يشترط آخرون تحقق الرؤية فعلا.ومنها: ان عموم العلماء يذهبون الى وجوب رؤية الهلال بالعين المجردة، ولكن هناك رأي شاذ يرى كفاية رؤيته بواسطة التلسكوب.ومن هنا، فلا سبيل الى توحيد بداية شهر رمضان، أو بداية شهر شوال، من الناحية العملية، لأن المسألة لا تخضع لرغبات المراجع وأذواقهم واستحساناتهم، لننتظر منهم حلا، وانما تخضع للدليل الشرعي، الذي لا يملك المرجع الا ان يخضع له.وكل عام وعراق المقدسات، وأهله، وعموم المسلمين، بألف ألف خير

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زيد الكاظمي
2012-07-13
احسنتم جزاكم الله خيرا على هذا الموضع العلمي القيم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك