عباس المرياني
تتباهى الدول العربية دون غيرها في المرحلة الحالية بأنها صنعت تأريخاً جديداً بدماء شعوبها وكتب صفحة جديدة على وجه التأريخ حملت عنوان لم يكتب من قبل اسمته الربيع العربي، كانت خلاصته النهائية الإطاحة بعروش الطغات والسماسرة، فقتل من قتل وشرد من شرد وسجن من سجن من هؤلاء الطواغيت وشذ عن هذا التوصيف الرئيس اليمني الذي حافظ على ماء وجهه بمعاهدت حفظت ماله وحياته وعياله.ورغم ان ملحمة الربيع العربي ملحمة تراجيدية كتبت بعض فصولها بسرعة متناهية، وخطط لها بدقة وانتظام من قبل عدد من الدول النافذة والممولة، إلاّ أنها تبقى بعيدة كل البعد عن الثورات الشعبية الخالصة او البعيدة عن التدخل الخارجي والدعم الاجنبي وهذا هو الفرق بينها وبين ربيع العراق الذي صنعه ثوار الانتفاضة الشعبانية في العراق عام 1991، والتي مهدت الطريق لسقوط الطاغية وكسرت حاجز الخوف والرعب الذي كان النظام يستخدمه سيفاً مسلطاً على رؤس العباد والبلاد.وغير ذلك ان الانتفاضة الشعبانية لم تجد من يقف الى جانبها كما هو الحال في ثورات الربيع العربي التي مولت من اموال دول الخليج وخاصة قطر والسعودية والامارات مع تدخل عسكري خارجي من قبل التحالف الاطلسي ودول الخليج في حالات اخرى على عكس الانتفاضة الشعبانية التي وقف الجميع بالضد منها وعمل على وئدها بكل الطرق والامكانيات وتجاهل العالم جرائم النظام البعثي المباد ايامها عندما قرر إبادة شعب بأكمله تشهد على ذلك المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات وملايين المشردين واللاجئين في معظم دول العالم.وعلى عكس دول الربيع العربي التي وجدت كل الدعم والإسناد من قبل أصدقائها وحلفائها وأعدائها فأن الوضع في العراق كان على طرف نقيض لأن دول الجوار وخاصة دول الخليج وامريكا وبريطانيا التي كانت في حرب مع المقبور صدام وبدل ان تواصل عملها وتنتهي من عهره وتتخلص منه في صحراء حفر الباطن فتحت الباب أمامه وغضت الطرف عن جرائمه وسهلت له استخدام الأجواء العراقية التي كانت تحت ظروف الحظر الجوي من اجل ان يقضي على الانتفاضة ويقمع المنتفضين الذين فجروا بركان الغضب ضد سياسات صدام الرعناء، والتي تسببت بإلحاق الأذى بالشعب العراقي وبتأريخه الكبير.ويمكن اعتبار تأريخ الانتفاضة الشعبانية البداية الحقيقية لسقوط نظام البعث الصدامي لأنه فقد هيبته وقوته وجبروته التي سحقها الثوار في كلّ شبر من أرض العراق الطاهرة في وسط وجنوب وشمال العراق، لكنّ هذا التاريخ لم تكتمل فصوله بعد ولم تفصح الصدور العارية التي واجهت أعتى طاغية دون خوف أو تردد عن مكنون جهادها ونضالها، لأن هذا الصدور لم تجد من ينحني إجلالاً لبطولاتها ويخلد تضحياتها ويكتب سفر مجدها.إن العراق الجديد مدين لأبطال الانتفاضة الشعبانية بالشيء الكثير وان على الحكومة العراقية المنتخبة والتي وصلت الى الحكم من خلال تضحيات ودماء أبطال هذه الانتفاضة أن تعيد كتابة تأريخ انتفاضة شعبان بأحرف من نور وان تقلد ثوار هذه الانتفاضة وسام المجد والشرف وان تمنحهم استحقاقهم في حق العيش الكريم وان لا يكونوا جزءاً من التاريخ لأنهم هم من صنعوا التاريخ والحاضر والمستقبل.
https://telegram.me/buratha