مُحمَّد العقيلي
جلّ ما يختزله مستنقع التأريخ الوسخ والملفق عظات وعبر برأيي تستحق الوقوف والقراءة والأخذ والرد، وواحدة من تلك الوقفات هي إبان ثورة الشعب الفرنسي، حينما خرجت تلك الجماهير من طبقة الكادحين ساخطة على سياسة الملكة ماري أنطوانيت، فكان تجمعهم في باحة قصرها في فرساي ووقتها أطلت الملكة البضّة المدللة والرقيقة في تنميق كلماتها من شرفتها مقترحةً عليهم أن يأكلوا "البسكويت" بدل الخبز، لكنّ ماري أنطوانيت تناست بأن المشكلة تكمن في "النوع" الذي يصنع البسكويت والخبز معاً وهو (الطحين)، وكان ما كان بعد تلك الحادثة الّتي كتبت وأسست لمسارٍ آخر من تأريخ أوروبا برمتها.ثقافة الترقيع والبديل وإيجاد الحلول الوهميّة هي منظومة يبدع بها قادتنا الأفذاذ، ويتخذون منها شماعة يتعكزون عليها في وسائل إعلامهم، وبالتالي أسسوا تلك الثقافة الّتي تشبه إلى حدٍ كبير فكرة "البضّة" ماري أنطوانيت، ونجحوا نجاحاً منقطع النظير في تأصيل تلك الترّهات وجعلها مستساغة ومقنعة في أوساط الجماهير الّتي يبدو بأنها قد أدمنت النوم والرضوخ لهذا القدر السيء.ما قالته ماري "رحمها الله"، يُقالُ لنا يومياً، وما آمنت به تلك الملكة المترفة يؤمن به ساسة العراق، إذ يبدو بأن جنون السلطة وطمعها تجعل من روادها وقادة دفتها يعيشون في عوالم محضة من الخيال والأحلام، حتّى أنهم لا يعرفون ماذا هناك، وماذا حصل، وهل من سبب يجعل الشعب ينقم على سياستهم وتعاطيهم معه، فهم أشبه "بالخطار" يأتون ويرحلون، فلو أردنا أن نسأل أيّ سياسي (فهيمة) يمتهن مهنة (الخطاب التلطيشي) والتسويغ وقلنا له بهدوء ما رأيك بالتقارير الأمريكية الّتي تحدثت عن ثروات طائلة بلغت مئات المليارات يمتلكها أرباب الكتل وهي "مسروقة" قطعاً من أموال النفط العراقي؟، لقال لنا بكلّ بساطة بأنها محضُ افتراءات لا أساس لها من الصحة، ولو قلنا ما رأيك بمشاريع الإسكان التي ستبنى للنواب المبجلين؟، لقال بأنهم خدموا الشعب وقدموا الكثير وسهروا من اجل مصالحه، وبالتالي هذا جزء يسير يستحقونه إزاء خدماتهم المذهلة للشعب العراقي.المشكلة كلّ المشكلة لا تكمن بإعادة الانتخابات، وحل مجلس النواب، وسحب الثقة، واستبدال رئيس الوزراء، تكمن المشكلة بجوهرها في أن نوجد إنسان يشعر بعظم المسؤولية، ويشعر بأن هناك شعباً كابد كلّ أنواع الظلم، والقهر، والجوع، والخوف، والبؤس، والحرمان، فمن أين نجد أباذر الغفاري؟، ونحنُ أمام جيوش من الحاقدين وعديمين الإحساس والمسؤولية، حتّى أنهم لا يملكون "نور محمّد"، وتراهم في تعاملهم مع الناس أشبه بذئاب سيماهم مخالبهم المتوحشة، وخضراءهم أشبه بغابة لا يعيش بها إلاّ من انتزع إنسانيته وامتهن السرقة واللصوصية والتزييف ووأد الأحلام.لن يجدي الترقيع والتوهيم، ولن تُحل مشاكل الناس، ولم ولن نصنع الابتسامة على شفاه أطفالنا، ولن نرى نور الله يشرق على جنوب الله والخيم القديمة، ولن يخلع الفرات ترانيم حزنه، ولن نعانق تباشير الفجر الصادق الوضاء، ولن نصحوا ونحن مطمئنين مادمنا ارتضينا الظلم وبرّرنا الأخطاء المهلكة، وصمتنا كلّ الصمت في وقت كنا الأحرى بنا أن "نصرخ" بألف لا ولا مما نعد ويعدون.نقطة ضوء:القلب أضناه عشق الجمال، والصدر قد ضاق بما لا يُقال.عمر الخيام عالم وشاعر فارسي.
https://telegram.me/buratha