عباس المرياني
أفرزت الساحة السياسية العراقية منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا العديد من المفاهيم والدلالات والتوافقات التي لم يصمد بعضها كثيراً أمام الحقيقة ومنطق العقل، لكنّها مع ذلك تركت أثراً كبيراً في توجيه دفة مسار العملية السياسية باتجاه هذا الطرف أو ذاك، وأثرت بشكل كبير على تشكيل التحالفات الوقتية القائمة على تفضيل المصالح الخاصة (الحزبية والشخصية) وكلفت البعض خسائر آنية في استحقاقاتها وتعهداتها امام جماهيرها.ويبرز المجلس الأعلى الإسلامي العراقي كقوة سياسية فاعلة على الساحة العراقية الذي تميز عن الآخرين بحكمته والتزامه بتعهداته وتوافقاته مع شركائه السابقين واللاحقين، ولم يتخلَ في يوم من الأيام عن وعد او عهد قطعه على نفسه رغم ان الجميع وعد ونكث بوعده امام اول اختبار او جاه او منصب تاركاً عهوده ومواثيقه تحت قدميه غير مبال ولا مكترث لفعله القبيح أخلاقياً ودينياً وهذا الفعل تكرر من الحلفاء الاسلاميين وغير الاسلاميين.ومواقف المجلس الاعلى المتجذرة من تكوينته البنيوية والأخلاقية والمستمدة من أخلاق الرسل والانبياء ومراجع الدين الكرام ودماء الشهداء والالتزام بالدستور وثوابته، جعلت منه متكئاً وسنداً وملاذاً ومأمناً، للخروج من الازمات والعقد التي كانت ستعصف بالعملية السياسية وتدخل البلاد في دوامة الصراع والضياع الابدي،كما ان هذه المواقف الثابتة والتضحيات المتكررة هي من أوصلت العراق الى بر الامان وأسست لعراق جديد قائم على حكم المؤسسات.لكنّ الشيء المحزن هو ان الكثير من الشركاء وجماهير الشارع العراقي تعتبر ان عملية التلون والتغير ونقض العهود تمثل قمة الدهاء والذكاء والنضج السياسي، كما ان هذا التغير والتلون وضع المجلس الأعلى في كثير من الأحيان بموقف محرج أمام جماهيره الكبيرة والتي لا زالت تضحي وتعطي دون ان يمنحها الآخرين فرصة حقيقية للمشاركة في بناء الوطن والمواطن والمشاركة في كتابة أمجاد التاريخ الذي لم يكتب بعد.ان المجلس الاعلى وقيادته الحكيمية الشابة إنما تقيم معاهداتها وعهودها على أساس مصلحة الوطن والمواطن وليس على أساس المصلحة الحزبية والشخصية التي يلهث خلفها الآخرين ويبذل من أجلها كل ماء وجهه وشرفه، كما ان المجلس الاعلى يحمل مشروعاً وينظم علاقاته مع الآخرين بقدر قربهم وبعدهم عن مشروعه الذي يتمثل ببناء عراق متصالح مع نفسه ومع الآخرين يكون فيه المواطن حجر الزاوية وتديره المؤسسات ويحكمه القانون ويرفع شعار الحرية والعدالة والكرامة وحقوق الإنسان، وعليه فإن المجلس الاعلى يصطف دائماً مع من يقترب من هذا المشروع ويبتعد عن الآخرين بقدر ابتعادهم عن هذا المشروع.وتبقى للمجلس الأعلى منقبة لا يحظى بها الآخرين ممن خاضوا حديثاً او واصلوا عملهم في الساحة السياسية العراقية وهي ان المجلس لا يفرط في تحالفاته بسهولة.
https://telegram.me/buratha