مُحمَّد العقيلي
طُويت الصفحة وانتهى وقت التهديد والوعيد والضرب بالنار والحديد، واستعد الفرقاء المتناحرين للإعداد للسيناريوهات الجديدة، والعمل الدءوب لإيجاد خطاب ومظهر ومفردات واصطلاحات ومنظومة تزييف، وشعارات مقرفة ومرحلة من التعاطي في دوامة المشهد السياسي العراقي.أوّل تلك السيناريوهات هو سيناريو "الإصلاح"، ودعونا نبحث في عمق هذا المفهوم حتّى نصل إلى زبدة المراد، فبعيداً عن تلك الفكرة وكيف نشأت وولدت ومن سيأخذ بها إلى آفاق النور ومن سيخرجها من عتمة غياهبها لأرض الواقع، هل العراق بحاجة فعلاً إلى الإصلاح؟، وإذا كان الجواب نعم، فماذا نصلح؟، ومن المُصلح؟، وماذا يُصلح؟، وهل ثمّة شيء تبقى كي نصلحه؟، هذه الأسئلة هي من تجيب على نفسها، لا داعي للإسهاب والتنميق والزخرفة اللفظية، فالإصلاح كلمة ولدت وسط رُكام الفساد المستشري في جسد الدّولة، وجاءت ترضية مؤقتة وشعارٌ زائف أرادوا أنّ يوهموا بسطاء القوم به ويجتروا كعادتهم بلعبة تضييع الوقت ثم سرعان ما ينتهي الأمر وكأنه أساساً شيئاً لم يكن.أيّها العراقيون كونوا أذكياء ولا تغرنكم هذه اللفظة وتأخذكم بعيداً إلى عوالم أضغاث الأحلام، وتتوهمون بأنكم سترون بمفردة الإصلاح نمطاً جديداً من التغييرات، أو إصلاح في المنظومة الكهربائية أو إضافة مادة العدس للحصة التموينية، أو مشاريع الإسكان وتشغيل العاطلين عن العمل والحياة، والسكائر، والدراسة، والكتب، والعولمة، وصدام الحضارات، والدولة، والسيادة، والحكومة، وخروج الاحتلال، وصراع الإرادات، وعطاء الطبيعة، وووو هلم جراً، لا إصلاح والآخر يوجد ذاته عن طريق الإفساد، لا إصلاح في وقت من يقوم بعملية الإصلاح هو غارقٌ في الفساد والتزييف من رأسه حتّى قدميه، أرأيتم من يمتهن الغش والكذب وشراء الضمائر والضحك على ذقون الناس يصلح غيره وهو موغلٌ بالفساد!!!؟، قطعاً "فاقد الشيء لا يُعطيه".أصلحوا أموركم، ارجعوا المال العام الذي سرقتموه من الفقراء، اكشفوا عن ذممكم المالية حتّى يعرف البسطاء كم انتم سارقين، اتركوا التلاعب بقوانين الدولة المجيرة لمصالح أحزابكم، لا تتسكعوا على عواصم وأرصفة المخابرات في دول الجوار، اصدقوا لمرة واحدة بإعلامكم الذي أصبح أكثر تهريجاً من خطاباتكم التي تتقيئون بها على أنفسكم، ترفعوا عن المحاصصة وتقسيم الكعكة، ارفعوا أياديكم "المتسخة" بشراء الأصوات والأقلام "والفقهاء"، أفصحوا عن أسماءكم الوهمية وعن شركاتكم التي تساهم مساهمة فاعلة وحيوية في قطاعات الدولة وتأخذ الجمل بما حمل، كفوا عن شراء العقارات والدور والفلل، لا تتآمروا على هذا الشعب وانتم تحتسون الخمر عند عواصم "العربان"، كونوا نزيهين وانتم تتعاملون مع الناس في دوائركم، وبعد هذا سترون الإصلاح هو من يقبل أياديكم ويشكركم على تعاونكم معه، فالداء يحتاج الدواء لا الداء، والفساد هو داءٌ أزلي وانتم داءٌ سرمدي، والشمعة لا تعطي النور ما لم تكن تحمل في أعماقها فكرة الاحتراق لأجل الآخر، وهكذا يكون الإصلاح بدواً من يقظة ضمائركم، مروراً بزوال إمبراطورياتكم "الوسخة".نقطة ضوء:"كلّما ابتعدت عن الظلام، كلّما اقتربت من النور".
https://telegram.me/buratha