مرتضى الجابري
بدأ هجوم الجيش البرطاني في أول ليلة من شهر أيلول عام 1914، وجاءت بجيوشها الجرارة ومعداتها الحربية، فاحتلت مناطق عديدة من مدن الجنوب, بدأت المقاومة منذ أول يوم وطأت فيه أقدام المستعمرين الأنكليز أرض العراق، وبعد ان سقطت بغداد أستولى الجيش الأنكليزي على سائر المدن العراقية، وعلى اثر ذلك أفتى معظم مراجع الدين سنةً وشيعة بالقتال ضد المحتلين، حيث انطلقت حركة المقاومة من النجف في آذار 1918، و في شمال العراق بين سنتي 1919و 1920 في السليمانية وأربيل والعمادية والموصل وتلعفر وصولاً إلى الرميثة, وبذلك انطوت آخر صفحة من تأريخ العثمانيين في العراق.نحنُ هنا لسنا بصدد سرد تفاصيل ثورة العشرين الخالدة بصفحاتها المشرقة, ولكننا نود الى أن نشير إلى بعض ملامح ومزايا هذه الثورة التي يمكن أخذ الدروس والعبر منها.ان ثورة العشرين مثلت قمة الوعي الديني والتوجهات الوطنية لهذا الشعب, الشعار والمسارات كلها كانت مسارات مبدئية ووطنية من المعروف ان الحكم العثماني الذي كان يحكم العراق آنذاك كان يحكم باسم الاسلام, الولاية العثمانية الكبرى وكان حكما مسيئاً لمساحات واسعة من العراقيين, ابناء الجنوب شاهدوا الويلات من الحكم العثماني وزجوا في السجون وأسيء اليهم، ولانريد الآن ان ننعش الذاكرة, التاريخ مليء بالحقائق وجاء البريطانيون وكان التقييم," جاء يومكم يا أبناء الجنوب "عدو عدوي صديق"، وهذه قاعدة السياسة وهؤلاء أساؤا إليكم ولكن لم يكن هذا قراركم ووقفوا مع حكم ظلمهم تاريخيا لأنه يحمل اسم الاسلام بوجه ذلك الحكم الآخر والمستعمر الذي جاء ليستعمر بلادهم وهذه قمة المبدئية والوطنية التي لاحظناها في تلك الحقبة.وقد جسدت هذه الثورة الترابط الوثيق بين العشائر العراقية والمرجعية الدينية وهذا الترابط الذي لم ينفك في يوم من الأيام وكان أساس الترابط في حلقات التاريخ الطويل هو المصالح العامة، وخيار العراقيين لم يكن تحالفاً يسيء لاحد او يتجاوز على مصالح معينة وانما هو الراعي للمشهد العراقي وللشعب العراقي بكل اتجاهاته, ودوماً لاحظنا هذه العلاقة تبرز وتظهر بشكل اوضح في المنعطفات الخطيرة في تأريخنا وبعد 2003 لاحظنا ذلك.إنّ الاستعداد العالي للشعب العراقي للتضحية والفداء (بالفاله والمكوار) وقفوا امام أعتى جيوش العالم في ذلك الوقت لا دبابات ولا جيوش ولا مدافع وكل هذه الاشياء لم تقف بوجههم, بأبسط الإمكانات,"بوحدتهم وبارادتهم وبعزمهم وبتماسكهم" فكان يمثل محطة أساسيّة من هذه المحطات التي تعزز فيها الاستعداد للتضحية وهذا ماتراه في كل زمان ومكان، الآن لاحظنا الثورات القائمة بوطننا العربي, انها وقفت بوجه جيوش جرارة واستطاعت ان تهزم تلك الجيوش وترى الرؤساء اليوم هم افرازات لهذه الثورات, فالشعب عندما يقول كلمته يستطيع ان يدفع البلاد في الاتجاه وهذه سنن الحياة وما لاحظناه في ثورة العشرين.امتازت ثورة العشرين بالإطار الجماهيري الشامل, الثورة لم تكن مؤطرة بإطار قومي ومذهبي معين كانت ثورة وطنية بكل المعايير, ( الشيخ محمود الحفيد ) الزعيم الكردي الكبير من كردستان يأتي من كردستان مع عدد كبير من العشائر ليقاتل مع عشائر الجنوب وامتزجت الدماء الطاهرة بعضها ببعض, وهكذا ترسخت الوحدة العراقية وانتصر الجميع عرباً وكرداً وشيعة وسنة وتركماناً ومسيحيين وأقليات وكل المكونات وانتصر الجميع بالوحدة العراقية للوطنية العراقية.ثورة العشرين اثبتت ان هذا الشعب لاينصاع لمحاولات الهيمنة والتأثير على قراره وسيادته ولو كان (با لفالة والمكوار) يقف ويدافع عن نفسه واستقلاله وكرامته وعزته, ومن يرد ان يعتدي على السيادة العراقية يدفع ثمنا باهظا، وهذا ماتلقاه البريطانيون في ثورة العشرين وما اضطرهم وهي كما تعرفون اطول معركة قادها البريطانيون في العراق واول بلد خرجوا منه العراق, وحروب دامية وقف العراق طوال هذه الفترة وحينما جاءوا وحولوه الى حكم ملكي وحولوه من احتلال الى انتداب ليخففوا من واقعهم المرير بفشلهم في الاحتلال.
https://telegram.me/buratha