حافظ آل بشارة
معارض الكتب التي تنظمها المحافظات هل هي رياء ثقافي أم مبادرة حقيقية ؟ من الذي ينظم تلك المعارض ؟ من يديرها ؟ من يزورها ؟ من الذي يشارك فيها من ناشرين ومؤلفين ؟ ومن الذي يشتري منها الكتب وأي كتب ؟ كل هذه الاسئلة تقفز الى الذهن وانت تتابع اخبار افتتاح معارض كتب في النجف ، في كربلاء ، بغداد ، اربيل ، البصرة ... في المحافظات هناك سلطات محلية ، لديها مجالس برلمانية مصغرة متلاطمة بالشخصيات ذات التوجهات المختلفة منهم من يؤمن بالفدرالية ومنهم من يؤمن بالمركزية او اللامركزية او حتى من يدعو الى الانفصال عندما تصعد عنده الحماوة ، هؤلاء الاخوة الاعزاء المنتخبون كيف ينظرون الى الشأن الثقافي في محافظاتهم ؟ وهل يدركون علاقة الثقافة الاجتماعية بمعارض الكتب ؟ تعددت اذواقهم وتناقضت توجهاتهم الثقافية ، منهم ما زال يردد في خلواته (اهز مهدك يعبد الله ) بينما الآخر في اقصى اليسار يردد (مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل ) وثالث مازال مغرما بترديد (اللي مضيع ذهب بسوك الذهب يلكاه) ، هؤلاء هل يخرجون بخطة ثقافية واحدة لخدمة الصغار والكبار والمرأة والرجل وجيل كامل اعتق من حقبة العبودية الى الهواء الطلق ، اخراج سجناء الزنزانات المظلمة الى ضوء الشمس بدون مقدمات يصيبهم بدهشتين ، دهشة رؤية الشمس ودهشة الحرية ، بقي الشعب في السنوات التسع الماضية يتخبط ثقافيا تحت تأثير الدهشتين بلا معين ، مجالس المحافظات فيها لجان ثقافية يقال هي التي تقرر معارض الكتب ، ما هو دور وزارة الثقافة في الموضوع ، هل تستطيع تلك الوزارة ان تتكلم مع المحافظات ام تلوذ بالصمت ؟ هناك تجربة محبطة ، صديق صحفي مثل (صكر فويلح) التقى بجاره القديم شبه الأمي والذي اصبح عضوا في مجلس المحافظة المحرومة ، قال الصحفي الملعون : اردت ان ازور معرض الكتب الذي افتتح عندكم يوم الاثنين الماضي ، اجاب عضو مجلس المحافظة : يا معرض ؟ يا كتب ؟ قال الصحفي : قرأت اسماء دور نشر محترمة مشاركة فيه ، فقال العضو : (ها ها ها تقصد معرض السيارات الجديد ، يا أخي هاي هونداي عجيبة ؟ سته سلندر ، بوب ريمونت ، ابتر تك باب ، تاير عريض ، بعده بحليبه ، بالميه وستين يفرش ، يسوه هواي ، يمعود دفترين هم فلوس ؟ ... ) اصغى اليه الصحفي وكأنه يتحدث عن فهرست كتاب جديد ، هز رأسه وقد اصابته نوبة عنيفة هي خليط من الجنون السري والحزن والرعب ، ولأن قدرته على تحمل الصدمات تضائل بسبب الأزمة السياسية الأخيرة ، استأذن بالانصراف من ذلك المكتب الفخم ، وخرج الى الشارع هاربا من شيء لا يعرفه ، لاجئا الى مكان لا يعرفه ، في الشارع بدأ يتحدث مع نفسه بصوت مسموع ، طفل على الرصيف سأل أمه عن ذلك الذي يتحدث مع نفسه ويضحك ويؤشر بيديه ، قالت : (عوفه مخبل) ، افترض انه يلقي خطابا قبل افتتاح المعرض ، ايها الاخوة والاخوات ، اخواني المؤلفين والناشرين الاخوة منظمي معرض الكتب في محافظتنا الحبيبة ، تعرفون ان للتنمية الثقافية مستلزماتها ، واهمها اقناع المواطن بأن يقرأ الكتاب ، تنمية حب المطالعة ، تكوين المكتبة المنزلية ، التعاون واجب بين وزارة الثقافة ومجلس المحافظة والحوزة العلمية ومكاتب المراجع وشبكة الاعلام العراقية لتنظيم معارض الكتب ، يجب انتقاء العناوين المشاركة قدر الامكان وفقا لاحتياجات البلد الثقافية ، وبما يحيي ثقافة التنمية ، الاصالة ، حفظ الهوية ، الوحدة وحب العمل والابداع ، معرفة الحقوق ، معرفة حقيقة النظام السياسي الجديد وحقوق الانسان ، الارتباط بالدين ، اصلاح العلاقات الاجتماعية ، هذه اهداف ثقافية ، يجب ان تسهم معارض الكتب في ترسيخها ... لكنه فجأة سمع دويا وقدحت عينه ثم اظلمت الدنيا واختفى الضجيج وهو يغط في بحر من البرد والهدوء وشعر نفسه يطير ، ايقظته وخزة في الصدر ، صرخ وجد نفسه ملتصقا بتبليط الشارع وحوله بركة دم ساخن ، ورجل محترم يمسح الدم عن وجهه ، تطل عليه مقدمة سيارة هونداي ، شعر انها تنظر اليه بحقد ، شاهد خصلة من شعره الابيض عالقة في مقدمة السيارة ، قبل ان يحملوه الى المستشفى قال لشرطي المرور : لم ينته خطابي بعد ، اردت في الفقرة الاخيرة تنبيه اعضاء مجالس المحافظات الى الفرق الهائل بين معارض السيارات ومعارض الكتب ، وعلاقة الاثنين بالتنمية الثقافية ، التفت الشرطي الى صاحبه وقال : (انقلوه فورا الى المستشفى لا تناقشوه ، رجة بالدماغ ، شوف الهونداي ستسوي ؟) .
https://telegram.me/buratha