جليل النوري
تُعتبر الثقة بالنفس من الأسس السليمة التي يرتكز عليها صاحب العقيدة الثابتة، ولا دخل للدين هنا في تحديد مستوى الثقة، إلا انَّ المؤمنين هم الاكثر ثباتاً وثقة دون غيرهم، لتوافر المميزات والمؤهلات الكافية عندهم والمُختَلِفة عن الاخرين، وهي التي تسمح لهم لأنْ يكونوا اكثر الافراد عزيمة وتوكلاً وأساساً دون سواهم، وذلك من عدة نواحي لا اود التطرق لها، لانها ليست في صلب موضوعنا السياسي، بل هي من خصوصيات اهل الاخلاق والعقيدة.وهنا لازلنا نخوض في غمار موضوع حجب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء العراقي الاستاذ نوري المالكي، وهو موضوع لازالت حرارة خَبَره تحوم حول مديات تعدّت البعد الداخلي وانتقلت في لهيبها الى البعد الدولي، فكانت الامم المتحدة حاضرة بقوة هذه المرة حين التقى مبعوثها في العراق الوفد الخاص الممثل للسيد مقتدى الصدر اعزه الله، وتسلم رسالة مُهمّشة بتواقيع اعضاء الوفد، والتي حوت على العديد من الممارسات والاخطاء المنافية للحرية والديمقراطية من قبل رئيس الوزراء تجاه شركائه وخصمائه على حد سواء، فتمخّضت هذه الزيارة عن زيارة السيد- كوبلر - للمرجعية في النجف الاشرف واطلاعها على تفاصيل الاحداث، وابداء تخوّف المنظمة الدولية لِما يجري من اقصاء وتهميش واضح يضر بالعملية السياسية الوليدة في هذا البلد.وبين الموالين لرئيس الحكومة وتصريحاتهم النارية وبين المُعارضين وتصريحاتهم الدفاعية عن الموضوع، خرجت اصوات من حزب الدعوة ومؤيديها تطالب بحجب الثقة، ولكن هذه المرة عن رئيس مجلس النواب الاستاذ اسامة النجيفي، مُدّعية انه انحاز في عمله وتحوّل من مُشرف على السلطة التشريعية الى داعم لجهة مُعارضة للسلطة التنفيذية.وهنا لابد لنا أنْ نتوقف على هذه الفقرة - واعني بها فقرة حجب الثقة عن رئيس مجلس النواب- وبين شبيهتها المُتمثلة بحجب الثقة عن رئيس الوزراء، ونبيّن رأينا هنا في نقاط عدة:ألنقطة الاولى:انَّ الدستور العراقي كفلَ لرئيس السلطة التشريعية حصانة عدم الاستجواب، وقيّد اعضاء المجلس النيابي بالتصويت داخل قبة البرلمان إنْ ارادوا حجب الثقة عنه، فعليه يكون موضوع طرحه بهذه الصورة مُخالف للدستور.ألنقطة الثانية:لو تنزّلنا جدلاً وقلنا انَّ المحكمة الاتحادية ستفتي وباجتهاداتها المُسيّسة المعهودة وقالت: انَّ الاستجواب لا يستثني احداً بما فيهم رئيس مجلس النواب، قلنا انَّ هذا الامر لن يُحقّق مُراده ونتائجه على الاطلاق وهم يعلمون بذلك اكثر من غيرهم، الا انَّ ما فعلوه هو بمثابة وسيلة اراد بها مناصروا واتباع رئيس الوزراء ممن نالوا مقاعدهم بفضل اصواته أنْ يتحرّكوا باتجاه ردّة فعل مُقابلة للفعل الذي واجههوه من شركائهم وخصمائهم السياسيين، والقاضي بحجب الثقة عن رئيس كتلتهم ورئيس وزرائهم، والدليل انَّ رئيس الوزراء وخلال لقائه رئيس تيار الاصلاح الدكتور ابراهيم الجعفري، ذهب في قوله بعيداً هذه المرة وكما عهدناه بلغته المُتشنّجة الخائفة المهزوزة، حين قال: انّه لا حجب ثقة ولا استجواب، في تحدٍّ منه صريح للدستور والعملية الديمقراطية برمّتها، بل انّه وضع حلولاً تعجيزية لن تكون في متناول اليد بهذه السهولة، وذلك عندما طرح مبدا تجميد مجلس النواب او حلّه والذهاب الى انتخابات نيابية مُبكّرة، مُتناسياً انَّ الدستور الذي كفل له حق المُطالبة بذلك، كان قد قيّده في نفس الوقت بقبول رئيس الجمهورية ومصادقته على هذا الطلب.وهذه الردود الغير مُنتَظَمَة تؤكد تخبّط رئيس الوزراء ووقوعه في محذور حجب الثقة، الذي لازال شبحه يطارده ليل نهار، بسبب اصراره على رفض الاصلاحات التي طرحها المجتمعون في اربيل والنجف الاشرف.ألنقطة الثالثة:لو قارنّا إنصافاً بين ردّة فعل رئيس الوزراء على موضوع حجب الثقة عنه، وبين ردّة فعل رئيس مجلس النواب، لخرجنا بحقائق جوهرية لا يمكن السكوت عنها او غضّ الطرف تجاهها:ألحقيقة الاولى:مبدأ الرفض القطعي لموضوع حجب الثقة من قبل رئيس الوزراء، وليس هذا وحسب، بل سارع الى اتهام شركائه بمحاولة تهديم العملية السياسية في العراق، مع علمه انَّ هذا الامر هو امر دستوري، كفله واضعوا الدستور وكاتبوه، في بلد كما يدّعي سياسيّوه الحاكمون انّه ديمقراطي، على العكس من ردّة فعل رئيس مجلس النواب، والذي قال انَّه على استعداد لقوبل نتائج ما يُقرّره اعضاء مجلس النواب فيما يخصّ التصويت على حجب الثقة منه او عدمها.الحقيقة الثانية:الزحف الكبير الملحوظ لاعضاء دولة القانون اعلامياً وسياسياً وشعبياً، من خلال تحشيد اكبر عدد ممكن منهم لغرض اشاعة مبدأ التخوين وبيع التشيّع واضعافه والشحن باتجاه النَفَس الطائفي المقيت، وذلك عندما تمَّ طرح موضوع حجب الثقة، حتى وصل الامر احياناً الى لغة التهديد والوعيد من قبل رئيس الوزراء وادّعاءه بفتح ملفات قضائية وفسادية على من اسماهم بالمتآمرين ضده، شركاء الامس اعداء اليوم في نظره، والتي لا نعرف سبب سكوته عنها طيلة هذه السنوات الطويلة!!، في الوقت الذي كان رئيس مجلس النواب وكما يقول الغربيّون - ريليكس - في تعامله مع طلب حجب الثقة، من دون المساس بمَنْ اراد حجب الثقة عنه او تخوينه او اتهامه بالتعاطي مع اجندات خارجية، او انّه سارع الى اتهام من ناصروا اعضاء حزب الدعوة من ابناء السنة بانَّهم يريدون اضعاف السنة، وما شابهها من تصريحات جوفاء عن المنطق خالية من الحكمة، ارتكزت على المصالح الضيقة دون النظر الى المصالح العامة مع شديد الاسف.الحقيقة الثالثة:اتمنى من اعضاء دولة القانون أنْ يُسارعوا في مشروعهم القاضي بحجب الثقة عن رئيس مجلس النواب، اذ انَّ طرح الموضوع سيُعرّي حقيقتهم ويكشف حجمهم الاصلي داخل قبة البرلمان، فالجميع سيعرض عن التصويت، الا اعضاء دولة القانون المُترهّلة الوجود، والتي بدأ البعض من اعضائها بالانفراط من عقد الشراكة، واعلان الاستقلالية كما حصل مع النائب البزوني والنائبة السهيل واخرهم النائبة آمال الموسوي، و- الحبل عالجرّار - كما يقول اهلنا في العراق الحبيب، يُضاف لاصواتهم - إنْ حصل التصويت - اصوات البعض من اعضاء الكتلة العراقية البيضاء والعراقية الحرة، دون سواهم من الكتل الاخرى.اما الاخرون من الكتل السياسية الكبيرة، كالتحالف الكردستاني والقائمة العراقية الأم وكتلة الاحرار وأظن حسب علمي المجلس الاعلى وغيرهم آخرين، فهم سيمتنعون عن التصويت، اي انّه بعبارة اخرى، انَّ دولة القانون لن تحصد الا اصواتها واصوات الخارجين عن الكتلة العراقية الأم، وهذا العدد لا يتجاوز المائة، او قل مائة وبعض قليل، لا تُحقّق لهم النصاب الكافي والعدد المطلوب لحجب الثقة والبالغ 164 صوتاً، مما سيوقعهم هذا في اشكال كبير هم في غنى عنه وحرج لا يحسدون عليه.اضافة الى العديد من الحقائق الكثيرة والمتنوعة والتي ساتحاشاها وكما نوهت سابقاً في المقالات التي تخص هذا الموضوع، تجنباً للاطناب من جهة ولعدم كشف المستور في هذا الوقت بالتحديد من جهة اخرى.وهنا اود أنْ اقول لكل الذين يدّعون الحرية والديمقراطية، انَّ الامور يجب أنْ تُناقش بشكل موضوعي وتؤخذ على محمل التعامل الطبيعي، سواء كان هذا الامر يخصّك او يخصّ غيرك، في صالحك ام ضدك، ويجب على هذا الاساس الابتعاد عن سياسة النقد الغير موضوعي والتهجّم الاعمى الذي لا يحكمه دليل ولا عقل، بل تشوبه النزوات والاهواء وحب السلطة، والسير خلف المصالح الحزبية الفئوية الضيقة التي سرعان ما تنتهي وتتلاشى، في قبال المصالح العامة التي تهم البلد وتمس المواطن بخير.وعليه وكخلاصة لِما كتبت اختم بما يلي: انَّ الذي يعتقد انّه مقبول سياسياً وشعبياً عليه أنْ لا يخاف من قبة البرلمان، وليثبت ذلك عملياً أمام انصاره واعداءه بالدليل القاطع الملموس لا الدعائي الاعلامي، ليضع بذلك حداً للازمة القائمة بسببه، أما إنْ كان خائفاً وظانّاً انَّ وصوله الى قبة البرلمان سيعصف به ويزيله من كرسي السلطة، فهذا هو العكس تماماً لِما ينقله هو وانصاره الى الشارع، من انّه مرضيٌّ عليه من الناحية السياسية والشعبية، والدليل تخوّفه وتشنّجه لمُجرّد التطرّق للموضوع، فضلاً عن الذهاب حقيقة لمحكمة الشعب، ليكون تحت رحمة التصويت داخل قبة البرلمان.
https://telegram.me/buratha