عبد الكريم ابراهيم
يفرض الموقف تجاه قضية ما نوعا من الانسياقية المفردية في مخاطبة المتلقي الذي يستطيع بدون عناء تحديد ماهية تلك المواقف التي تظهر في شكل جدلي من خلال تكرار مفردات بعينها ما يجعل القارئ قادر على تمييز نهج وايدلوجيته الشاعر واهدافه ،ولعل الدفاع عن قضية ما وتجنيد الاديب نفسه للدفاع عنها من اخطر ما يواجهه عند طرح مادته الادبية لانه يعيش حالة صراع بين الحرية الفكرية والعقيدة التي يؤمن بها ومحاولا جمع بين الاثنين ،وهذا الامر يعتمد على القدرة الفنية في مخاطبة الاخر وشد المتلقي الى حيث يريد .الولاء لبيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هي من القضايا الادبية التي نالت حظا عظيما في الادب العربي ،وتسامت نجوم في الق التوهج وهي تحاول الاقتراب من هذه الفضيلة . الكميت ودعبل والحمداني والحميري من الاسماء التي استحضرها موقف الولاء في قائمة طويلة لايمكن ان تحصى . المجموعة الشعرية الجديدة ( تراتيل الولاء ) للشاعر هاشم السهلاني يمكن ان تدرج في هذه القائمة حيث اول شيء يسترعي انتباه القارئ العنوان وجمع بين مفردة ( تراتيل ) هي ذات مغزى ديني لدى جميع الديانات السماوية والوضعية ثم تبعتها مفردة ( الولاء ) لتأكيد الربط بين الشطرين ، اي ان الاولى تابعة للثانية ليس من باب المضاف ومضاف اليه ،بل هذه التابعية ارتباطية تلازمية من حيث الدلالة والمعنى لايمكن فصل بعضهما عن بعض وحتى بدون الرجوع الى مقدمة الشاعر التي وضح فيها غايته التي ليست خافية على القارئ من خلال عناوين قصائد المجموعة . يمكن تقسيم المجموعة بقصائدها الى نوعين مع المحافظة على النهج الديني الطاغي على اغلب المفردات، النوع الاول حيث اللغة العرفانية الصوفية محلاة بالزهد هي مسيطرة على اغلب اجواء هذا النوع من القصائد ولعل اطلالة المجموعة تؤكد هذه الحقيقة (وقفت على باب الكريم ) ص10 القصيدة هذه عبارة عن حالة اعتذار صوفي تذكرنا بزهديات ابي العتاهية وابي نواس وصوفية ابن الفارض : قامت تناجيك ياربي على وجلٍ نفس تُراوح بين الخوف والامل اذا هي علاقة المخاطبة بين الخالق والمخلوق تتجلى في ادنى اعتذاريتها وخوفها مصحوبة بالامل في كرم الله سبحانه وتعالى،ثم يسير السهلاني على نهج زهاد العصرالعباسي في رسم الصور والمناجاة وارسال المواعظ والحكم كما في قصيدة ( مقولة الاصلاح ) ص 115:لا تنس ان عصفت بك الاهواءُ ان الحياة تكرمٌ وأباءُواسلك طريق المُصلحين وكن لهُ أهلاً تحوطك عفةُ وبهاءُوهيمن المديح والرثاء على قصائد المجموعة صُرعت ابياتها كي تناغم الغرض مع تنوع في الاشخاص حيث ضمت القائمة ال البيت عليهم السلام وعلماء فضلا عن قصدتين في رثاء والداي الشاعر (ابي ) ص89:وقفتُ على ضريحك لو اجابا أحقا أنت تسكن ذا الترابا ابي يافخر اهلي حين تُدعا اليك الفخر ينتسب انتسابا وحيانا يسلك السهلاني سلوكا شعريا قديما هو الجمع بين هاشميات الكميت بن زيد الاسدي في مدح ال البيت عليهم السلام البوصيري وشوقي في قصيدة البردة كما في قصيدة ( شهر الصيام لنا عتبى فلا تلم ) ص 27 : بكيتُ حتى استجار الدمع من ألمي ولم يكن بي حنين نحو ذي سلم ولا طربت لصوت كان يسكرني ولا حبيب ارى في بعده سقمي لكن ذكرى امير المؤمنين طغت فأنست الريم بين البان والعلم لم ينس الشاعر مشكلات بلده التي يمر بها فقد خصص بعض القصائد لهذه الغاية كما في قصيدة ( ان الطغاة مصيرهم لجهنم )ص 102 : رفت على ارض العراق حمائم بيض الجناح من الجنان قوادم حيث نجد الخطابية العالية مع لغة وعظية مباشرة تهيمن عليها ابتداء من العنوان : ان الطغاة مصيرهم لجهنم مهما تعاظم امرهم وتعاظمواحسبوا بان الله عنهم غافل حاشاه ذا وهو الاعز الاحكم ويحاول الشاعر الدخول في المعاصرة واعتماد اسلوب التفعلية مرة واحدة في قصيدة ( جنئاك ياحسين ) ص 46: يا سيدي الحسين جنئاك والشوق بنا عواصف تثور جنئاك والغيظ بنا مراجل تمور سفينةُ انت....ويمكن ان نعد مجموعة (تراتيل الولاء) لهاشم السهلاني امتداد لشعراء اهل البيت عليهم السلام الدين تمسكوا بعروة الولاء والمحبة ماجعل الشاعر ينغمس في هذا الوجد كأنه صوفي ويوظف كل جهد لخدمة قضيته حتى ان وصل الامر الى الضغط على القصيدة لان المهم عنده اظهار مظلومية هؤلاء عبر التاريخ حتى اننا لو محونا عنوان المجموعة ( تراتيل الولاء ) قد يتوهم القارئ انه امام شاعر ينتمي لعصر العباسي او الوسيط .
https://telegram.me/buratha