عمار آل عيسى
المصريون, والعرب ايضاً يروق لهم ان تبدو مصر هي المُلهمة .. ربما هم هكذا منذ عهد عنخ آمون ( 1300 ق.م ), فالمصريين دعاة حضارة وبناء كما قال مُرسي في خطابه الرئاسي الاول . اليوم بفوز محمد مرسي بالرئاسة اصبحت تجربة التنظيم الام للاخوان المسلمين على المحك, هي الرئاسة بأيديهم الآن, وها هم بعد ثمانية عقود من الحراك السلبي انتقلوا من المعارضة الى رأس السلطة . مصر ليست بالفرس السهلة ابداً تحت مرسي, فجمهور الثورة الجموح الِف الحماس, وهو ميال للعلمانية ويشعر ان الثورة قد سُرقت منه, وجمهور مرسي المنقسم على نفسه سياسياً لا يقل حماساً, وينتظر رد الاعتبار له بعد عقود من الاقصاء والتهميش, ويتوق لان يرى تعبيراً مرضياً كمّا ونوعاً عن هويته الدينية في الواقع السياسي الجديد, وهو يرى نفسه الاحق بكل شيء, وجمهور النظام السابق يراقب بعين الازدراء والخشية, وهو ليس بالجمهور السهل, وارضاء الجميع صعب على فخامة الرئيس الجديد . مرشد الاخوان المسلمين محمود حسين كان قد احلّ مرسي من بيعته بعد ظهور النتائج, ومرسي في خطابه الاول اصر على انه اول رئيس منتخب وانه لكل المصريين, وان الشعب هو مصدر الشرعية, ويبقى صراع الهويات على ما يبدو هو الاعتى على ما يبدو في مصر الجديدة, واذا ما كان يأخذ طابعاً فكرياً او سياسياً, فانه على كل حال يشبه واقع الانقسام الطائفي العراقي بعد 2003 . مرسي تحدث ايضاً في خطابه عن الوحدة الوطنية ومشروع شامل للنهضة واوحى بالاهتمام بكافة الاديان والشرائح, في محاولة تطمينية منه, ثم شرع بمشاوراته لتشكيل حكومة ائتلافية, سيواجه فيها ملفات اقتصادية وسياسية شائكة, ليس اسهلها التعامل مع العسكر . رئيس ما بعد الثورة يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار ان 25 يناير كانت ثورة حريات سياسية وثورة جياع, وهو يقف ازاءهما اليوم معتمداً على الدولة التي ما زالت تسير بذات المنظومة القانونية القديمة التي يدير ( الفلول ) اهم مفاصلها . هو بالتأكيد يريد ان يخرج بمصر لافق خارجي اوسع, تثبت به نفسها مِصرَ جديدة ( طويلة الذقن ), تبرهن لقدرتها على الحفاظ على مقعدها العريق بين الاخوات الكبريات في الشرق الاوسط, اقصد تركيا وايران والسعودية, وهنّ يمثلن اقطاب الاصطراع الطائفي في المنطقة الذي يراد لمصر ان تكون جزءاً اساسياً منه, ومن جهة اخرى هي جارة اسرائيل .. امتحان الاخوان في مصر هو الآخر يشبه الى حد كبير يشبه امتحان اسلاميي العراق بعد 2003, الذين واجهوا ملفات كبيرة مرّة واحدة, الاسلام والديمقراطية, الامن والاقتصاد وطموحات الشعب الفقير, الوحدة الوطنية .. والعلاقات والمعاهدات, فضلاً عن الارهاب والطائفية وهوس الانفلات السياسي, ولإن لم تكن مصر تحت الاحتلال, فهي ايضاً لا تمتلك مليارات النفط العراقية . عل تشبيه مصر بالفرس ليس الادق, هي كالدراجة الهوائية, راكبها يبذل جهداً عالياً لتحريكها, ومهارة يحفظ بها توازنه على الطريق .. وهي مع ذلك قابلة للوقوع بصاحبها باقل وكزة ! اليوم, الجميع يراقب مصر الجديدة, وعلى مرسي والاخوان ان يعوا انهم بصدد تقديم تجربة جديدة من تجارب الاسلام الديمقراطي, تجربة قائمة بذاتها الى جانب تجارب العراق وتركيا وتونس, يُنتظر من التنظيم الام .. ان يرسم التجربة الاخوانية المدنية الام .. وهذا هو تحديهم الاكبر على الاطلاق . فالمصريين, والعرب ايضاً يروق لهم ان تبدو مصر هي المُلهمة. وللعراق بقية ..
https://telegram.me/buratha