لاغرابة عحين نسمع قصصا كثيرة عن تكاتف وتعاضد مجتمعنا العراقي بجميع مكوناته سواء العشائرية او القومية او الدينية ، واود في هذا المجال ان اذكر قصة حقيقية، حيث حدث ذات يوم وبينما كنت مسافر الى احدى المحافظات الجنوبية برفقة احد الاصدقاء الذي روى لي حكاية حصلت قبل ثلاثة عقود في العاصمة بغداد ، وتقول الحكاية: ان شابا مسيحيا كان يسكن جنوبي بغداد، وكان جارا لاحدى العوائل التي تنتمي لعشيرة من المناطق الغربية، وتكونت علاقة طيبة بين اسرة هذا الشاب المسيحي وتلك العائلة، حيث كانيجري تبادل الزيارات بين العائلتين والتعاون في السراء والضراء.. ونتيجة لتلك العلاقة المتميزة بين العائلتين، حصل ما يسمى عرفا (مكاتبة) وهي ان يحسب الشاب المسيحي على عشيرة العائلة التي يسكن بجوارها ، وفي يوم من الايام كان الشاب المسيحي يقود سيارته حيث حصل حادث تم فيه دهس شخصا توفي على اثرها الشخص ، وهنا برز دور العشيرة التي تحالف معها الشاب المسيحي، حيث تجمعت العشيرة وذهبت الى عشيرة الشخص المدهوس ( المتوفي) التي كانت تسكن في منطقة الفرات الاوسط ، واثناء جلسة (الفصل ) بدأ كلام طويل هنا وهناك حيث كل عشيرة تقول ما عندها، وذلك من اجل الوصول الى حل يرضي الطرفين ويهديء النفوس، وبعد المناقشات والوصول الى الحلول، تحمل شيخ العشيرة التي تحالف معها الشاب المسيحي تحمل ما يعرف (الدية) ، وقبل الاعلان عن انتهاء الجلسة والوصول الى الحل الودي، قام والد الشاب المسيحي الذي كان حاضرا في الديوان، وقال: قبل أن تعلنوا الاتفاق ومبلغ الدية، فأنا ايضا عندي حق عندكم واني اطالب بدم جدي الذي قتل بسيوف العشائر العربية دون استثناء ،ولقيت كلمات والد الشاب المسيحي صدى كبير وتعجب الجميع حيث برزالسؤال من هو جد الرجل المسيحي ؟ ومن الذي قتله ؟!..وهل ان العشيرتين هما من قتلا جد هذا الرجل المسيحي ؟ وطلبوا منه ان يوضح ويفسر كلامه بشكل دقيق ، فقال الرجل المسيحي ان جدي قاتل مع امام المسلمين الحسين بن علي (ع)، وهل ينسى جدي جون (رض) الشاب المسيحي الذي قاتل دون امام المسلمين حتى استشهد ، واسترسل الرجل المسيحي في الكلام ان جدي شهد يوما ما بعده يوم، لقد شهد يوم عاشوراء، وشهد موقعة الحق (الحسين واصحابه) ضد الباطل جيش ( يزيد واصحابه)، وقتل جدي عمدا وقتل وقطعت اوصاله، ومع هذا لم نطالب العشائر (العربية المسلمة) بان يفصلوا ويدفعوا لنا ( الدية)،! وانتم اليوم تطالبون ان ندفعها لكم ونحن لم ولن نقصد قتل ابنكم ، ان الحادث ايها السادة قضاء وقدر، ويجب عليكم ايها السادة ان تتعلموا من امامكم الذي هو امام الانسانية جمعاء معنى التضحية والفداء والتسامح، وجميعكم تعرفون كيف تسامح الامام الحسين بن علي (ع) يوم الطف، ولم يرفع يديه بالدعاء على جيش الكفر، واطلق الرجل المسيحي صيحات عالية احضرنا يا حسين، احضرنا يا ابن بنت رسول الله ، وعلى اثر الصيحات التي اطلقها والد الشاب المسيحي، تعالت اصوات البكاء والنحيب وهي تهتف وا حسيناه وا حسيناه.. فما كان من شيخي العشيرتين الا القول وبصوت واحد والله لقد طلبت حقك وان الحق معك وتم التنازل عن (الدية) .
من هذه القصة الحقيقية والواقعية تتجلى عدة امور لعل من اهمها ان اهل العراق يحترمون ويحفظون الجار، مهما كانت ديانته او قوميته او مذهبه ، كما ان اهل العراق فيهم طبع التسامح والوحدة، وهو ما حصل فعلا بين العشيرتين، حيث تم التسامح بمجرد ان ذكر او أستحضر رمز التسامح والوحدة، بطل الاسلام الخالد الامام الحسين بن علي (ع).
ان ما حصل وما يحصل اليوم في مجتمعنا، من أعمال العنف والقتل، هي أمور دخيلة عليه، ودخيلة على عشائرنا التي تمتاز بصفة الطبع الحميد ومكارم الاخلاق والتعاون في عمل الخير، ونبذ العنف والعدوان، وذلك انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الثم والعدوان) .
واخيرا ان الكل مطالب اليوم ان يثقف نفسه للتسامح والمحبة كما يأمرنا القران الكريم ورسولنا الاعظم وال بيته الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين .
41/5/625
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha