تعقيباً على كلام السيد الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية السيد عدنان الأسدي المحترم ... في مقال كتبه تحت عنوان (هل انتهى الإرهاب في العراق) ونشر بتاريخ (20 ـ 6 ـ 2012) تفضل سيادته قائلاً: (أقول وبكل ثقة ... الإرهاب وبالذات القاعدة لم تعد عدواً مرهوب الجانب في العراق بعد اليوم وما تبقى منها لا يمكنه أن ينجح إلا بخروقات بسيطة تبقى تحت عنوان السيطرة).
فمع احترامي وتقديري الكبيرين لشخص السيد عدنان الأسدي والذي أكن له المزيد من الاحترام لما اسمعه عنه من الجد والمثابرة والحزم في إدارة الوزارة وفروعها المتشعبة.
إلا أن كلامه هذا لايصدقه الواقع الأمني ... ولايمكن تفسيره وتوجيهه إلا بكونه غروراً أمنياً أو أنه استهانة بالعدو. وكلاهما خطأ أمني غير مبرر ... ومن الغريب أن يصدر مثل هذا التصريح من مسؤول أمني رفيع المستوى كالسيد الأسدي.
ففي الأيام الماضية وقبل انعقاد مؤتمر القمة أعلن تنظيم القاعدة الإجرامي مسؤوليته عن عدة عمليات نوعية شملت مناطق مختلفة من العراق ... ثم تلاها بعد ذلك استهداف مقر ديوان الوقف الشيعي ... ثم تبنى التنظيم مسؤولية العمليات الإجرامية والتي شملت أكثر مدن العراق وتزامنت مع ذكرى شهادة الإمام الكاظم عليه السلام والتي راح ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى ... ثم بعدها بيوم واحد أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجيرات مدينة الشعلة وساحة عدن والتي كانت أشدها وقد أوقعت خسائر كبيرة في الأرواح .
لقد تبنى تنظيم القاعدة مسؤولية هذه العمليات الإجرامية الدموية ... وقد اتضح لمن تابع مجريات الأحداث بالتفصيل أن هذه العمليات اتسمت بالنوعية في التخطيط والتنفيذ واستخدام طرق ووسائل جديدة لادخال السيارة المفخخة والعبوات الناسفة ... وقد خفيت أكثر هذه الطرق على خبراء الأجهزة الأمنية ... وإلا كيف حدث هذا الكم الهائل من الخروقات الأمنية؟ وكيف تم استهداف هذا العدد الكبير من الأبرياء؟ وكيف استطاعت المجاميع الإجرامية اختراق السدود والسواتر الأمنية ... والوصول إلى الأهداف بكل يسر وسهولة.
فهل يمكن بعد كل هذا أن نسمي هذه العمليات على كثرتها وتنوع تخطيطها وتوزيعها على أكثر مناطق العراق بأنها (خروقات بسيطة تحت السيطرة)؟؟؟
لقد أثبتت هذه الحوادث وهذه الخروقات الأمنية أن تنظيم القاعدة ما زال يعمل في العراق ... وله القدرة على القيام بضربات موجعة ... وله القدرة على تجنيد الإرهابيين والقتلة ... وله خلايا نائمة وخلايا اخترقت الاجهزة الأمنية والحكومية ... والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة ولعل آخرها قضية ليث الدليمي عضو مجلس محافظة بغداد.
وفي المقابل أثبتت هذه الأيام الماضية بما حملت من عنف في الاستهداف غياب الجهد الاستخباري ... وضعف الحس الأمني لدى الأجهزة الأمنية ... وغياب التنسيق بينها ... وضعف التخطيط الأمني وعدم شموليته في إدراة الأزمات الأمنية ... بحيث استطاعت القاعدة ان تنفذ أغلب عملياتها في مناطق غابت عن ذهن الأجهزة الأمنية ولم تؤمن مسبقاً ... بحيث أصبحت منطقة نفوذ للمجاميع الإرهابية ... ومن الغريب أن يلتفت تنظيم القاعدة لهذا المناطق ويتم النفوذ والاستهداف من خلالها ... ولا يلتفت إليها أحد من القادة أو الخبراء الأمنيين أو أحد من مسؤولي إدراة الأزمات الأمنية في مثل هذه الأيام الخاصة .
هذا مع أن تزامن هذه العمليات في أوقات المناسبات الدينية والحكومية وعلى الرغم من إدعاء القيادات الأمنية القيام باستعدادات أمنية هائلة ودقيقة ونوعية ... يدل على تحدي هذه الجماعات الإرهابية للأجهزة الأمنية ولما وضعته من خطط أمنية.
ونحن وإن كنا نؤيد السيد الوكيل المحترم في أن القاعدة قد فشلت في تحقيق أهدافها السياسية والطائفية ... ولكن لا نوافقه في فشل التنظيم في القدرة على الاختراق والمناورة والقيام بعمليات إجرامية منظمة أحياناً وعشوائية أحياناً أخرى.
إن الاستهانة بالعدو والتقليل من شأنه خطأ أمني واستراتيجي قاتل ... وعلى أجهزتنا الأمنية أن لا تستهين بقدرات القاعدة وإمكاناتها وقدرتها على المناورة والتخفي والسكون. وعليها أن تراجع ملف القاعدة في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن ... وتنظر في مفرداته بدقة وتحاول فهم كيف استطاعت القاعدة مشاغلة واستنزاف ومراوغة عدة أجهزة مخابرات واستخبارات دولية متمرسة كالمخابرات الأمريكية والبريطانية والألمانية والكندية ... ولمدة سنين طويلة ... وبعد كل هذا الاستنزاف والجهد في مطاردة فلول القاعدة يصرح ريتشارد فادن رئيس جهاز المخابرات الكندية مخاطباً مجلس الشيوخ الكندي قائلاً: (إن تنظيم القاعدة يشكل مصدر قلق بالنسبة إلينا) .
إن على أجهزتنا الأمنية أن تعيد حساباتها وتقديراتها للوضع وللواقع ... وأن تعرف قدرها وقدر عدوها فهذه أول مرتبة لحسم المعركة مع العدو.
وقبل هذا وذاك ترتيب ملفاتها الداخلية كملف أمنها الداخلي وملف التنسيق بين الأجهزة الأمنية عموماً وتطوير القدرات والمهارات الأمنية بشكل معرفي علمي لا عشوائي كلاسيكي بحيث تتمكن من خلق جيل أمني خلاق قادر على فهم المعلومة وتحليلها وتقديرها ومن ثم معالجة أعقد الملفات الأمنية بحرفية ومهنية عالية.
22/5/624
https://telegram.me/buratha