( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
الايام والوقائع المفصلية التي تدخل التاريخ عادة ما ترتبط بقوة تأثيرها الوجداني ، الديني، العسكري، الاجتماعي، وعندما تتوافر احد شروط هذه الوقائع فانها ستنتقل الى التاريخ بكل فصوله وتجلياته وتمظهراته، ولا ادل في الحقبة العراقية الراهنة على حدث انطوى على اهمية واستجمع لشروطه الاربعة كاملة غير منقوصة كالحدث الذي حصل صبيحة الجمعة عندما تصدت مفرزة عسكرية امريكية لموكب رمز الشباب العراقي وعنفوانه الهادر بارادته، الوسطي بمنهجيته، الحكيم بسلالته ، العالم بفقهه، المؤدب بتربيته المثقف بمؤسساته، المتواضع بانتمائه، الشجاع بموقفه.
هذا النمط من الاحتجاز لا يختلف عن الانماط التاريخية عندما تجد بعض الانظمة والحكومات والجيوش انها مأسورة ومتأسرة بأسر او احتجاز او قتل شخصية لا تكنه اسرارها. الذين تورطوا باعمال كهذه احترقوا بنار التاريخ والذين تعرضوا لاعمال كهذه باتوا يشكلون مفاصلا وعناوين زينت وجه التاريخ وما بين هذه وتلك تنتصب العلامات الفارقة بين من يريد ان يدخل التاريخ وبين من يريد ان يعيش خارج دائرته.
بالدليل القاطع الذي عبرت عنه عشائر العراق من اقصاها الى اقصاها وجامعات العراق وطلبة العراق ومهندسو العراق واطباؤه وعماله وفلاحؤه ورياضيوه واعلاميوه ومثقفوه وسياسيوه ومواكبه وهيئاته وشبابه ورجاله واطفاله ونساؤه، اكد حقيقة ساطعة مفادها ان عمار الحكيم لم يكن هو الرهينة او المحتجز انما الرهينة الحقيقية والمحتجز الحقيقي كان ذلك الذي اخطأ الى حد السقوط المريع بالتعرض لـ(عمار) فـ(عمار) عند العراقيين كافل اليتيم وعمار يعني الكتاب والمؤسسة والمدرسة والعلم والسفير والمبلغ ووريث المرجعية وسليل الدوحة المحمدية فهو قد تعدى زمنه بكثير دون ان يكون اميراً او وزيراً.
عمار الحكيم ليس ذاك الذي ممكن اخضاعه لقوانين او قرارات الاحتجاز فاحتجاز عمار انتصار للارهاب وهزيمة للامن والاستقرار خصوصاً واننا في دولة رفعت او ترفع اليوم شعار ومشروع (فرض القانون) بمساندة القوات متعددة الجنسيات.
الذين احتجزوا عمار الحكيم انما احتجزوا المشروع بأسره ومنهجه فكيف لقوة يفترض ان تعين الدولة في فرض القانون ان ترتكب خطيئة بحجم قوانين الارض كلها عندما تقدم على احتجاز رمز وطني طالما تحدث ويتحدث عن القانون وتطبيقاته وضروراته حتى كان آخر مشاريعه التي الزم مؤسساته بها هو ايجاد الاطر الكفيلة التي من شأنها ان ترتقي بالقانون الى مصافي الاحترام والتطبيق الوطني المسؤول.
قد لا يرى الكثير بتفجر الشارع غضباً وشجباً واستنكاراً لهذه الخطيئة القاتلة سلوكاً او ممارسة بالشيء الكافي، ربما يرى اولئك بضرورة ان يكون الرد اكبر من الاحتجاج والتظاهر والشجب والاستنكار.. الا ان المهم والاهم في الرد كله ان العالم بأسره عرف ارادة وخيار الشعب العراقي ولعل هنا في العراق جماعات وشرائح لا زالت الغشاوة التي تضرب عينها لا تجعلها ترى المشاهد على حقيقتها.. فان كان هؤلاء او اولئك لمّا يزالوا يرون المشهد بتلك الضبابية فليروا المشهد ما بعد يوم الاحتجاز.
عمار الحكيم في قلب التاريخ بعد ان كان حتى ما قبل الاحتجاز بلحظات يقف على اعتابه. على الجهة التي احتجزت عمار الحكيم ان تدرك خطيئتها ومسؤولياتها وصلاحياتها فهي كيفما تكون لا يمكن لها ان تكون بديلاً عن سيادة العراق وقرار العراق حتى وان صدر عنها اعتذاراً رسمياً.. بعبارة ادق ان ارادة الولايات المتحدة الامريكية يجب ان لا تذهب الى ما لانهاية في اخطائها وازماتها وعليها ان تضع صيغة واضحة ناصعة لطبيعة العلاقة بينها وبين المشرع العراقي والقانون العراقي والقرار العراقي والارادة العراقية.
لا يمكن ان نقبل أي تبرير يقول بان مفرزة عسكرية تصرفت باجتهاد خاطئ كالتصرف الذي جعل كل الصفيح الدافئ والبارد ان يتحول الى جمر ملتهب في النفوس والصدور والعواطف. هذه امور خطيرة لسنا مسؤولين عنها عندما تخضع لقوانين المعادلات الطبيعية فتشتعل مجرد وصولها درجة الاتقاد.
https://telegram.me/buratha