( بقلم : ماجد محمد )
قــد ينظــر البعـض لحادثــة إحتجــاز حجـة الإسـلام السيـد عمــار الحكيــم نظــرة عـابـرة بـإعتبــارها حـادثـة يمكـن أن تحصــل فــي العــراق مـا دامــه يعيــش حالــة مـن الفوضــى الأمنيــة والإداريــة , وهـذه نظــرة قاصــرة وغـير مسـؤولة , إذ أن هكــذا حـوادث تعطــي رســائـلا خاطـئــة للإرهــاب أولا , وللمتصيــدين فــي المــاء العكـــر ثـانيــا , فشخصيــة مثــل السيــد عمــار الحكيــم ليســت بالشخصيــة العـاديـة أو ممثلــة لنفسهــا فقــط وإنمــا هــو شخصيــة معنــوية تـرمـز للمكــون الأكـبـر فــي العــراق وتمثــل نهجــا ً دينيــا وسيـاسيــا ً داعمــا ً للعمليــة السياسيــة الجـديـدة بــل هـو جـزء مـن كيـان دينــي سياســي مـؤسـس ومشــارك رئيســي وفــاعـل في العمليــة السياسيــة الحاليــة , ولا أعتقــد إن مـا حصــل هـو خطــأ وقعــت فيــه قــوات تستخــدم الأقمــار الصنـاعيـة وأجهــزة الكـومبيـوتر عــبر الفضــاء فــي عملهــا وتحـركاتهــا , خـاصــة وهــي تعتمــد على أكــثر مـن ستــة عشــر قمــرا صناعيــا وضــع لــلأغـراض العسكـرية والتجسسيـة فـوق العــراق وإيـران , مـن هنــا مـن حـق المـواطـن أن يتسـاءل عـن الهــدف مـن وراء هــذا الإحتجــاز المفتعــل ومـن العمليـات الإستفـزازيـة التـي سبقتــه أتجــاه المجلـس الأعلــى للثــورة الإسلاميــة ؟
مـن المعلــوم أن الأمريكــان خـبـراء فــي صنــاعـة الأعــداء , إذ أستطـاعـوا بكــل جــدارة مـن تحــويـل صـورة الحـب والإمتنــان الشعبــي العــراقي الكــبير إتجــاه الـولايــات المتحــدة الأمـريكـيـة كجهــة دوليــة كـبـرى تكفلــت بتحـريـر الشعــب العـراقـي دون دول العـالـم ( ومنهــا العـربيـة ) التـي غضــت الطـرف عمـا كــان يحصـل لـه , حـولـَت كـل ذلك الـى حـالـة متـوتــرة مـن الـرفـض لـتقـبـل تـواجـدهــم والتشكيــك فـي نـوايـاهـم , كمـا تغــيرت النظــرة الجماهـيرية نحــو القـوات الأمريكيــة مـن قـوات محـررة الى قـوات محتـلــة , وهــذا ليــس بالشــئ اليســيـر لـدولـــة تسعــى لبنــاء جســور مـن المحبـة والثـقــة والتعــاون مـع شعــوب المنطقــة الى جــانـب الشعــب العــراقي , ولكنـــه الفشـــل بعينـــه الــذي لــم يـأتـي مـن فــراغ , ومــلء هــذا الفــراغ كــان بأسلـوب ونـوعيـــة التعـامـل مـع الأطــراف الشعبيــة الحقيقيـــة الفاعلــة على السـاحة والبانيــة للكيــان الـديمقـراطــي الجـديـد , حيـث كــان تعـامـلا يكــاد يكــون متسـاويـا ( إن لــم يكــن أقــل ) مـع تــلك الأطــراف السرابيــة التــي تصـرح بالخفــاء والعلـن عـن رفضهــا لعمليــة التغــيير السياســي ( بالـرغـم مـن مشاركتهــا فيهــا ) وتبنيهــا للخــط الـداعــي الى ضـرورة العــودة الــى المـربـع الأول , وهـي أطــراف لايخفــى دعمهـا لــلإرهـاب والعنــف الـداخلــي وتعمــل كحاضنــة وداعمــة لــه وأعطيــت حصانــة إتجــاه المسـاءلة قانـونيــة , ممـا خلــق حالــة مـن الإرتبـاك و الإحبــاط لـدى الأحــزاب الشعبيــة ذات العمــر النظـالــي الطـويـل , فكيــف يمكـن تصــور مساواتهــا ( أو أقــل ) مـع أحــزاب وكتـــل لا تمــلك شيئــا مـن الـرصيــد النضــالي ؟ ونحـن كشعــب نتسـاءل أيضــا كيـف يمكـن أن يتسـاوى طــرف يـؤمـن بالتغـيير مــع طــرف آخــر يسعــى لتقويضــه ؟ .
وكــثيرا ما يـتردد بسـبب تــلك الأخطــاء طرحــا يضـع اللــوم على الأحــزاب الـدينيــة الشيعيــة وكأنهــا سببــا في حالــة المحاصصة التــي خيمــت على السـلطــات الثــلاثـة , بينمــا كـانـت هــي المتضـرر الـوحيــد مـن رسـم تــلك السياســة وتطبيقاتهــا , فيمــا أصبحـت الأحــزاب التــي أدعــت تمثيلهــا للعــرب السنــة هــي المستفـيـد الأسـاسي الـوحيــد مـن لعبــة المحاصصـة ! وهــذه أيضــا إشكاليــة سياسيــة أخــرى تسـببت فيهــا الإدارة الأمريكيــة وممثلهــا فــي العــراق بــول بريمــر , فلقــد ظهــر مجلــس الحكــم ( وهــو بـدعـة سياسيــة أمـريكيــة مـن بــدع بــول بريمــر ) وأغلــب قـادتـــه ينتسبــون الى الطائفــة الشيعيــة , وهــي نتيجــة طبيعيــة للتـركــة النضـاليـة التــي أستمــرت أكـــثر مـن خمســيـن عــاما , ومـن الطبيعــي أن يكــون الطــرف الحـاكـم ( الطـائفــة السنيــة العـربيـة ) طــوال تـــلك الفــترة خـارج خنــدق المعارضــة , اللهــم إلا حـزبــين , أحــدهما سياســي دينــي والآخــر ملكــي دستــوري ! فمـا ذنــب التمثيــل السياســي للشيعــة إذا لــم تكــن هنــالك أحــزاب معارضــة سنيــة تسـاويـه بالعــدد ؟ وبالـرغــم مـن ذلك قبلنــــا لعبــة بــول بـريمــر , وتنـازلنـــا حتــى على ما حملتــه لنــا نتــائج العمليـــة الـديمقـراطيــة , ورضينـــا مشـاركــة أحــزابا تشكـلـت قبــل الأنتخـابات بأسـابيـع قليلـــة , ولا يشـك فــردا واحــدا مـن الشعــب بـولاء قــادة تـــلك الأحــزاب ومنتسبيهــا بشكــل أو بآخــر بالنظــام الصــدامي البـائــد , فيمــا أقصيــت أحــزابا ذات بــاع نضــالي طـويـل عـن المشــاركة بالحكـــم , كالمـؤتمــر الـوطنــي العــراقي بقيــادة السياســي المعــروف أحمــد الجلبــي .
كـان لابــد على الإدارة الأمـريكيــة مـن إصــلاح جميــع هــذه الأخطــاء وغـيرهــا فــي الأستراتيجيــة الجـديـدة التــي أعلنهــا الـرئيــس جـورج بــوش , وبــدلا مـن إعــلان تــلك الإصـلاحـات رأينـــا إستهــداف المجلــس الأعلــى للثــورة الإسـلاميــة مـن قبــل القــوات الأمريكيـــة فــي أكــثـر مـن حــادث متقصــد , فـتمـت مــداهمـة أكـثـر مـن مكتــب وصــودرت الممتلكــات الخاصــة , كمـا تمــت مـداهمـــة جـامـع " بــراثا " ذو الثقـــل المقـــدس الكــبير لــدى شيعــة العــراق والعـالـم , وأيضــا تمـت مصــادرة أو العبــث بمحتـويات مكتــب الشيــخ جــلال الـديـن الصغــير الشخصيــة العـراقيــة المعـروفــة ذات الإمتـداد النضـالي المُشـرف والخطــاب السياســي والـدينــي الهــادئ المتعقــل , ورغــم سلبيـــة نتــائج المـداهمــات إلا أن قــادة القــوات الأمـريكيــة أو سفــير الـولايــات المتحــدة فــي بغــداد لــم يكـلفــوا أنفسـهــم فــي إصــدار بيــان رسمــي للإعتــذار !! ومـع ذلك لــم يصــدر عـن قيــادة المجلــس أي تــذمـر أو إحتجــاج , وأستمــرت هــذه الحــالات الغـريبــة لتتــوج يــوم أول أمــس بإحتجــاز السيــد عمــار الحكيــم نجــل السيــد عبـد العــزيـز الحكيــم رئيــس المجلــس الأعلـــى للثــورة الإسـلامية فــي العــراق دون أي مــبرر يـُذكــر , فــي حـين تتجـاهـل هــذه القــوات وغــرفة عمليــاتها المشـتركة نــداءات الإستغـاثة الـذي أطلقتــها القــوات المسلحــة العـراقيــة وهــي تتلقــى بكثــافة رصاصـات ونـيـران الحمايــة الخاصــة بعــدنان الـدليمــي فــي حــي العــدل أثنــاء مـرافقتهــا للعــوائـل المهجــرة لإعــادتهم الى دورهــم التــي هجــروا منهــا عنــوة مـن قبــل عصـابات هــذا الطـائفــي ؟ فــإلام َ يُـنــوه الأمريكــان ؟
بعــد هــذه التصــرفات الغــير منضبطــة سـواءا مـن السفــير الأمريكــي الـذي يتــدخـل بكـل شـاردة وواردة أو مـن القــوات الأمـريكيــة المـوجـودة فــوق أراضينــا يجــب على مجلــس النــواب العــراقي بـإقـتراح مـن مجلســي الـوزراء والجمهـورية أن يحــدد طبيعــة تـواجـد هــذه القــوات , مـن خــلال صيـاغة معـاهــدة أو إتفاقيــة يـوقعهــا الجــانبـان الأمريكــي والعــراقي , كمـا هـو معمــول بــه فــي ألمانيــا و اليـابان و الفلبـيـن , أما أن تتــرك هــذه القــوات سائبــة دون إلـزام قــانـوني فهــذا غـير وارد فــي جميــع العــلاقات الـدوليــة , اللهــم إلا حــالة واحــدة , وهــي الإحتــلال , وهـــذا ما يتنـاقض مـع بـروتـوكـول تسليــم السيــادة المـوقـع فــي 29 حــزيران عــام 2004 و قــرار مجلــس الأمـن بتسليــم السيــادة للعــراقيين .
https://telegram.me/buratha