مُحمَّد العقيلي
لم يعِد من تحمل كلّ مشاق السفر للذهابِ إليه بشيء، فهو لم يعدهم بزيادة الحصة التموينية، ولم يعدهم بفتح أبواب التعيين على مصراعيها، ولم يعدهم بتحسين المنظومة الكهربائية وزيادة ساعات التجهيز، ولم يعدهم بمُنحٍ شهرية، ولم يعدهم بإعطائهم حياة رغيدة يحلم بها العراقيين من سنينٍ طوال.كانوا يُدركون بأن الذهاب إليه يعني فيما يعنيه عدم الرجوع إلى بيوتهم، (فإسلام الصحراء) والخارجين من كهوف التصحر والتحجر، ورجالات الذبح والقتلة والمتوحشين والهمجيين، أعدوا عدتهم لوأد أحلام عناق العاشقين لمعشوقهم، ورغم كُلّ هذا وذاك، اختاروا وبمحض إرادتهم أنّ "يحجوا" إليه.لقد جاءوك يا مُوسى بن جعفر فخذ بأيديهم فأنتَ ربيبُ ذلك البيت الذي غمر الإنسانيّة بالرحمة والودّ والعطف والسَّلام، جاءوك فعانق أحلامهم التي أجهدها الانكسار ووقت الانتظار، جاءوك بعد أنّ ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، جاءوك ينتشون ترانيم الصدق والعطاء والحبّ والإيثار بعد أنّ حطم المزيفون كلّ سُبل النقاء في دواخلهم، جاءوك وحوائجهم لا تعدو كونها رغيف خبز وثمن الدواء وقوت عائلة يزرع لحظات ابتسامة بريئة في عيون أطفالهم الذين مزقتهم رائحة البارود والحروب.فمن حجَّ إلى قبرك هو طفلٌ بريء فقد أباه يختزلُ في ذاكرته صورة مؤلمة وتخنقه العبرات والذكريات رأى بكَ باباً يطرقه وقبراً ينزف بين ربوعه ألمه وكمده، وأمٌّ فقدت أبناءها أرادت أنّ تبوح إليكَ بكلّ ما يُدمي قلبها من سنين الفراق وجراح العراق، وأبٌ أثخنَ قلبه كُلّ ما في هذا الوطن الذي استنزف حياته ولم يعد يملك به سوى الدمع والوجع، وزوجةٌ قدمت زوجها شهيداً وقد ملئها الخجل بعد أنّ ملت وضجرت وتعبت من ذل السؤال والطلب لثمن الخبز والعلاج، وشابٌ يبُثك شكواه بهمسٍ صامت كصمت الحزن حينما يرمقُ السماء، لقد جاءوك فلا تُخيب طلبتهم وآمالهم، فما زالت "دنيا هارون" تخدعهم، ومازالت أصوات المقرفين تصادر أحلامهم، وما زال الفجور والخمور والقصور والقيان والنساء والفقهاء يتبوءون صدارة المشهد الذي استشهدت من أجلِ تغييره، وما زالَ "جنرالات الجنس" وتُجار الدماء ولوردات الحروب يتحكمون بمصائر الناس، وما زالت "إمبراطوريات الكذب" تتقيأ ضحالة التاريخ وتُبرز شذاذ الآفاق وتتسكع على أرصفة الوهم والتزييف والخلافة والشورى والإمارة ومن ردد تلك النغمة البائسة.خُذ بأيديهم لأنكَ باب الحوائج، وعبق القرآن، وحبور الأرض، وبشائر جبرائيل، ونماء تراتيل السماء، وطُهر هذا الكون بكلّ ما فيه من عذاباتٍ وجراحات، فقد جاءوا إليكَ باذلين دمائهم ومهجهم وأرواحهم وكلّ ما لديهم فأنتَ إمامهم وباب الله الذي منه يُؤتى.نقطة ضوء:عُذراً إنّ لم آتِ إلى رُباك وأُشارك جياع العراق ترانيم عزائهم، لكنّ قلبي آلى أنّ ينزف إليكَ مِراراً "دمـاء الحزن".
https://telegram.me/buratha