السيد حســـين السيد هادي الصـــدر
تُحيط بالسلطويين زمرٌ لا يهمها الاّ إرضاؤهم مهما كانت الطرق والوسائل .. انهم يحيطون بهم كإحاطة السوار بالمعصم..!! وانهم يتواطأون على تصحيح أعمالهم ، والتغنّي بأقوالهم ، والتفنن في ابتزاز أموالهم.. وأيّاً كان الأمر ، صحيحاً أم قبيحاً ، فانهم يبررونه للحكّام، وينظّرون، ويمعنون في استعراض الشواهد الباطلة، والدلائل الزائفة، وكل ذلك يمارسونه بصلف ووقاحة، ودون أن تردعهم عن ذلك خشية من الله أو إحساس بحقيقة هذا الهبوط الاخلاقي ..!! ان الحاكم الحريص على تقويم أوضاعه ،لابُدَّ أنْ يُبعد عنه كل العناصر التي لاتُحسن الاّ فن المَلق ، والتزوير للحقائق ، وحجب ما تمور به الساحة من معطيات وأحداث وأرقام وأخبار لاتسر المتربع على دست الحكم ..!! انها الخيانة بأجلى صورها ومعانيها ، والاّ فان مقتضى الأمانة الوطنية والأخلاقية هو ايصال الحقائق الى الحاكم دون القفز عليها ... وانّ الاصرار على التعامل مع الحكّام وفق هذا النَفَس، يقود الى تهيئة الأجواء والمناخات المناسبة الى بروز نزعات التفرد، والتسلط، والاستحواذ الكامل على مقدرات البلاد والعباد، والذي يعني العودة الى المربع الاول المشؤوم - مربع الاستبداد والطغيان - الذي لا يُبقي حرمةً لدستور، ولا يُعنى بتطبيق حقيقي للقوانين، ولا يُعير المواطنين عنايةً صادقة ، فيضمر العمل في ميادين الحفاظ على حقوق الانسان وحرياته، فضلاً عن الارتباك في ترتيب الأوليات في كل ما يتعلق بما يلزم تقديمه من خدمات، وتلك هي الكارثة الكبرى ..!! ان الطاغوت لا يكون طاغوتاً منذ ولادته، ولكنه يكون طاغوتاً بعد ان يتم التعامل معه على أساس أنه (هِبةُ السماء الى الارض ) !! وأنه (القائد الضرورة) من هنا تنبع أهمية وجود المعارضة البرلمانية الوطنية، التي تواكب وتراقب الحكومة وترفع عقيرتها مطالبةً باصلاح ما يبدو من الأخطاء والممارسات ... فليس ثمة شخص يكون فوق المساءلة والعقاب وهذا المسلك هو صمّام الأمان لاجتناب الوقوع في فخّ الزعامات المستبدّة الطاغية . ان اشتراط موافقة مجلس النواب على أصحاب المواقع المهمة في الدولة ، لم يأت اعتباطاً وانما جاء لضمان البعد عن المحورية والشخصانية في تصريف أمور الدولة. ان حصول أصحاب المواقع المهمة في الدولة على ثقة البرلمان بالاغلبية، يعني أنهم ليسوا دُمىً ، أو عناصر محسوبة على من رشحهّم، وليس مقبولاً على الاطلاق التمادي في ملء الشواغر والمناصب المهمة بالوكلاء ، والإعراض عن تعيين الأصلاء !! القصة المثيرة : ولنعد الآن الى زبانية السوء - المرايا المقعرة - وما أكثرهم في كل زمان ومكان - فمن قضاياهم المثيرة، قضية أوردها الزمخشري في كتابه ربيع الابرار / ج1/196 /ط دار الكتب العلمية بيروت جاء فيها : " خرج موسى الهادي على جلسائه مهموماً ... فسألوه فقال : لم أر كالدنيا وصحبتها لا أطول هموماً ولا أعظم بليّة ! لُبابة بنت جعفر بن أبي جعفر قد عُرفتم موقعها منيّ كلمتني بإدلال فأغلظت ، فلم يكن لها عندي احتمال ... فضربتَها فسكتوا جميعاً " لقد حدّثهم الحاكم بما جرى بَيْنه وبين زوجته ، وأنه قد ضربها دون موجب حقيقيّ للضرب ، فلم ينكر عليه أحدٌ تلك الضربة النكراء لقد لاذوا بالصمت ، والساكت عن الحقّ شيطان أخرس ، كما تعلمون ، ولقد فضّح الحاكم نفسه ، وكشف عن قلة صبره ، واستخفافه بأحكام الله والاّ فما معنى الضرب ؟ هل هو العشرة بالمعروف التي أمر الله بها في قرآنه المجيد حين قال: ( عاشروهن بالمعروف ) ؟! انّ ضرب النساء عادة جاهلية ، يتوارثها البعيدون عن التمسك بأهداب الدين ، مستندين الى قوّتهم منتهكين كرامة المرأة ، مستخفين بوجوب صيانتها ومراعاة حقوقها .... وفي خضّم هذا الصمت الذي خيّم على المجلس تصدّى ( ابن دأب ) فقال: .... انك لم تأت منكرا ولم تفعل بذيئاً وقد كان أصحاب رسول الله (ص) يؤدبون نساءهم هذا الزبير بن العوام ..... وثب على امرأته أسماء بنت الصديّق أخت عائشة ...... فضربها في شيء عتب فيه عليها حتى كسر يدها ، وكان سبب فرقتهما.. وهذا كعب بن مالك ..... أخو الزبير - آخى رسول الله بينهما - عتب على امرأته - وكانت من المهاجرات الأول - فضربها حتى حال بنوها بيْنه وبينْها فقال : فلولا بنوها حولها لخبطتها كخبطة فروجٍ ولم أتلعثمِ وحين استعرض ( أبن دأب) هاتين الواقعتين ، طابت نفس الحاكم ، وأمر له بمال وثياب ...!!! أقول : لم يكن ( ابن دأب) فيما أورد موفقاً ، فكيف يحلّ كسر يد الزوجة في شرع الله ؟ ولو كان عملاً صحيحاً مقبولاً فما معنى الطلاق؟ وهكذا القول فيما صنعه الانصاري الذي صدّه بنوه عن ضرب أمهم ان استعراض الشواهد التاريخية لضرب النساء - ممالأةً للحاكم ومجاراةً له - مسلك مذموم مشؤوم . لقد زيّن ( ابن دأب ) للحاكم عمله، طمعاً بالمال والثياب، وتجافى كلياً عن الالتزام بالأحكام والآداب ...!!! ومعظم أفراد الحلقات الضيّقة المحيطة بالحكّام اليوم ، لايختلفون عن ( ابن دأب ) الاّ بالاسم ، وانّ المنحى لواحد والسلوك شائن فاسد . انّ مَنْ يُرضي الحاكم بسخط الله لهو من أكبر الخاسرين .
https://telegram.me/buratha