نور الحربي
لاشك أنّ المراحل الطويلة من الصراع المحموم الهادف إلى تحطيم الآخر وإقصائه بشكل نهائي والتي عشنا تفاصيلها على مدى العامين الماضيين والتي كان طرفاها العراقية ودولة القانون لم تنتج شيئاً سوى التعقيد، كما ان دخول رئيس إقليم كردستان والسيد مقتدى الصدر وآخرون على خط الأزمة جعل منها عقدة مستحكمة تصعب المهمة على أطراف الحل والمنادون به بنوايا صادقة وهم قلة ان يواصلوا جهودهم لتحقيق, على أن الشرط الأساس الذي نضعه هنا هو الالتزام بالدستور وبالتوافقات التي لا تتقاطع معه كما ان تنازل الأطراف السياسيّة لبعضها يمثل المدخل لحل الأزمة السياسية ويضع حداً لها بعد أنّ أخذت مأخذها، لقد بين السيّد الحكيم والرئيس طالباني موقفهما من مسألة سحب الثقة عن الحكومة بصراحة متناهية وهو موقف يشكران عليه رغم ان طالباني كان أكثر حذراً في تعاطيه مع أطرافها فيما كان الحكيم واضحاً وشفافاً حيث عبر مراراً وتكراراً ان المجلس الأعلى يبغي الحل وينشده وهو جزء منه وإستراتيجيته ومواقفه خلال الفترة المنصرمة والحالية سارت بهذا الاتجاه دون أنّ ينساق خطوة واحدة خلف المطبلين لاستمرار الأزمة من هنا فإن التاريخ سيكتب هذا الموقف وسيخلده وسيحفظ لأصحابه حقهم وينصفهم حيث منعوا الأمور من أن تنزلق باتجاهات أخرى، وللمتتبع لابُدَّ أنّ نؤشر سلسلة المواقف والقرارات الحاسمة التي تحمل المجلس ورئيسه سماحة السيّد عمّار الحكيم من اجلها ما تحمل بدءاً من خلافات تشكيل الحكومة التي اتهم فيها بمحاولات شق الصف والوقوف مع العراقية ضد أبناء جلدته وهذا كلام المتاجرين، بينما الموقف الحقيقي كان الهدف منه حقن دماء العراقيين والحفاظ على وحدتهم ووقف حالة الانقسام التي عاشها الشارع، واليوم وبنفس العقلية المتزنة يقف المجلس وبصراحة بوجه عملية سحب الثقة لأنه يرى أنها لن تحقق شيئاً للعراقيين فهو اليوم يقف بشجاعة ويدعو لبدء الحوار الجاد وتفعيل الاتفاقات وضرورة عقد اجتماع مكاشفة ينتهي بحل معقول ومنصف لكلّ الأطراف، فالمجلس لم يكن خصماً لأحد في إطار الطائفة والمشروع والعمل السياسي بقدر ما كان عامل توازن واستقرار للبلاد بفعل متبنياته الوطنية وحرصه الدائم على المكتسبات ومصالح الوطن والمواطن وسيسجل التأريخ وبأحرف من نور له هذه الوقفات كما سيسجل بشرف لكل من يتنازل ويضحي لتحقيق مصلحة هذا الشعب المظلوم, ان منهج تقديم التنازلات لتحقيق المصلحة العليا للبلاد والعباد الذي يؤكد عليه المجلس لا يعتبر تراجعاً أو مساومة فعلى السياسي والجهة السياسية ان تفهم انها معنية بتحقيق مصلحة الشعب بشكل عام وجمهورها الذي منحها الثقة بشكل خاص وقد تستوجب بعض الحالات ان تكون التنازلات المصلحية او الحزبية والفئوية وسيلة لتحقيق ما هو أسمى، وقد ضرب لنا عزيز العراق رضوان الله عليه أروع مثال في هذا الإطار حيث تنازل مع أخوانه في تيار شهيد المحراب عن أكثر من استحقاق لأجل ان تسير السفينة باتجاه أهدافها ولا ينشغل الشعب بتفاصيل أخرى خلال مرحلة التأسيس والبناء التي رافقت قيادته وزعامته للعملية السياسية مؤثراً الآخرين على نفسه فكان محورا يشهد له القاصي والداني وحكيما في كل خطواته التي نتحدث عنها على انها تأريخ مشرف يستحق ان نستشهد به ونقف عنده بتقدير وعلى هذا النهج نرى ان المجلس الأعلى يسير في الاتجاه الصحيح، وقد أدرك متأخراً من أراد تحويله إلى مؤسسة مجتمع مدني على (حد وصف البعض) انه المنهج الصائب الذي ينبغي أنّ يسير عليه.
https://telegram.me/buratha