حمودي جمال الدين
لم ينقطع توالد الأزمات في عراقنا الجديد حيث تتلاقح بعضها من بعض قبل بلوغ الفطام, مما رشح كفة الشكوك في ألتركيبه البنيوية للعملية السياسية الجارية في العراق, فمنهج البحث عن موطن الخلل يكاد ينحصر في الأسس والارضيه المهلهله التي بنيت عليها هذه العملية لكونها افتقرت إلى الصلادة والقوه والتماسك مما عرّضَ كل الابنيه الفوقيه التي ارتكزت عليها الى الهشاشه والضعف وعدم الصمود امام أي اهتزاز رخو واجهها اثناء مسيرتها العملية والتطبيقية على ارض الواقع .ولكي نقف على بواطن الخلل ومكمن الداء الذي صاحب بناء أعمدة وأركان عمليتنا السياسية, حري بنا تتبع الثغرات والعلل ابتداء منذ تأسيسها تحت إشراف وتوجيه الحاكم المدني لسلطة الاحتلال .
فالعلة الأولى تمثلت بنظام المحاصصه البغيض, وهو الركن الأساسي الذي شكل به هرم ألدوله والسلطة وجهازهما الإداري , حيث اعتمد على ألتركيبه العرقية والطائفية والفئوية للمجتمع العراقي ,ولم يأخذ بنظر الاعتبار معيار الوطنية والكفاءة والنزاهة والسمعة الحسنه, لهذا اضحى المسئول من اعلى هرم السلطة إلى أدناها في الجهاز الإداري للدولة تابعا وممثلا لطائفته وعرقه ولحزبه وليس لعموم الشعب العراقي على حد سواء مما خلق اثرا سيئا على ترتيب أدائه الوظيفي والخدمي, لما يعكسه انحداره الطبقي والحزبي على مركزه ومنصبه, فينصب جل توجهه بالتعامل مع أبناء شعبه عموما وفقا للتفاضلية والتمايز بين مكونات وإفراد هذا الشعب, فلن تعرف العدالة والإنصاف مدخلا لسلوكياته في أدائه الخدمي بالقدر الذي يمليه عليه انتمائه الطائفي و الفئوي.وهذه المحاصصه بدورها افرزت لنا مبدأ غريب الأطوار لم تعرفه ديمقراطيات العالم عموما , ذلك هو مبدءا التوافقية أو إرضاء الخواطر بين الفرقاء السياسيين الممثلين لأحزابهم ومكوناتهم ,والذي انعكس على سياسة ألدوله وبرامجها, فلا يمكن ان يمرر أي برنامج أو منهج سياسي أو اقتصادي أو ادراي, ما لم يتم التوافق عليه من قبل جميع الشركاء السياسيين وأحزابهم, لهذا كان من تبعات ومسببات هذه التوافقية ما يعصف بالعملية السياسية من أزمات خانقه تأتيها تباعا, بفعل الشعور المستفحل عند بعض إطرافها بكونهم مهمشين ومبعدين عن مصدر القرار والحكم الفعلي, وان هناك طرف واحد يستأثر بالسلطة والدولة ويديرها حسب رغباته وأهوائه دون ان يعير أي اعتبار لشركائه في العملية السياسية ,وهذا معناه خروج على مبدءا التوافق الذي شيد عليه بناء هذه العملية .اما الدستور العراقي الجديد ,فلا يخلو هو الأخر من الألغام والمطبات, والتي تنفجر بين الحين والأخرعند مرورنا بالتطبيق العملي لفقراته ونصوصه .فاغلب دساتير العالم تعتبر وثائق قابله للنقاش والتغير في بعض من نصوصها في إثناء ممارستها في الحياة العملية .إلا دستورنا كأنه كتاب منزل لا يرقى إليه الشك والخطأ, في حين انه مليء بنصوص أثبتت السنين المنصرمة من تجربتنا العملية أنها لا تتوافق وتنسجم مع تطلعات وتوجهات بعض المكونات العراقية أو التقسيمات الاداريه والجغرافية للدولة العراقية ,حيث سببت الكثير من الإشكاليات والاختلافات والاخفاقات في تفسير وتطبيق بعض من بنوده وفقراته ..فلو كان دستورنا واضحا وشفافا وقويما, لما أدى إلى هذا المآل من التناحر والتصارع على السلطة والحكومة, حيث شكلت هذه الحكومة خارج نصوص الدستور وأطره ,من خلال الالتفاف على بعض من بنوده وفقراته . وفقا للتجاذبات الجانبية بين الفرقاء السياسيين, وعندما اصطدمت المصالح والتغانم على المناصب بين السياسيين وبرزت مساوئ تلك الاتفاقيات, رجعوا إلى الدستور وكل يعلق أخطاء غيره على شماعته, و يفسر الدستور حسب أهوائه ومزاجه, وبما يتناسب مع مصالحه ورغباته فلو شكلت هذه الحكومة على قواعد ونصوص الدستور وبنوده, لما ألت إلى هذا الضعف والتشرذم والإخفاق والى هذه الطعنات التي تأتيها من كل حدب وصوب .وأثبتت الأيام والسنين من عمر العراق الجديد انه بحاجه إلى الوقوف ومناقشة وتصحيح بعضا من نصوص وفقرات هذا الدستور وبما يتلاءم مع متطلبات ومعطيات طبيعة المجتمع العراقي وتنظيماته الاداريه والجغرافيه . اما النظام الانتخابي فهو مصدر الداء الذي تشكو من علله عمليتنا السياسيه الحالية ,فلولا هذا النظام لما أدى إلى صعود أشخاص نكرات طفيليين ودخلاء على السياسة ,لكون الصدفه هي التي جعلتهم وخلقت منهم سياسيين ونوابا ومسئولين يتبئون اعلى المناصب في الدوله والسلطه وهم بعيدون عن إلف باء السياسة, أو ان البعض منهم كان من حواشي واتباع النظام السابق ومرتزقته وكانوا يصولون ويجولون في ثنايا ذلك النظام لكنهم استطاعوا ان يجيروا مراكزهم السابقه ليلحقوها بالنظام الجديد, بفعل هذا النظام الانتخابي السيئ الذي اعتمد على ألقائمه والأصوات التعويضية أو الأصوات الخاسرة من القوائم التي لم يحالفها الحظ بالنجاح .وحتى نظام الكوته للنساء هو الأخر لم يعتمد على معايير النزاهة والكفاءة والوطنية والسيرة وإنما عبارة عن مجرد حشو للقائمة بزيادة عدد مقاعدها وتعزيز نصابها الانتخابي داخل قبة البرلمان . وثمة من النواب الانتهازيين والوصلين ممن صعد باسم زعيم ألكتله أو ألقائمه وهو لم يحصل على مائة صوت فقط.فهل هذا النائب يمثل الشعب أو يمثل كما مدرج في القانون مائة إلف ناخب ؟؟؟ وهو ابعد ما يكون عن ألعتبه الانتخابية التي حددها القانون لكل محافظه. أليس هذا تعدي واختراق لأبسط الأسس والاعراف الديمقراطية وأصولها.؟؟؟؟؟؟؟فلابد لتغير هذا النظام بما يتلاءم مع واقعنا العراقي الحالي وخصوصا بعد ان مررنا بثلاث تجارب انتخابيه كانت حصيلتها مفعمة بالأخطاء والثغرات لكون شعبنا تستهويه السلطة والرمزية والمال.فالأفضل هو نظام الدوائر المتعددة والقوائم الفردية التي تعطي لكل مرشح استحقاقه الواقعي والموضوعي في مجتمعه أو دائرته الانتخابية, وبالتالي سينعكس هذا على مجمل العملية السياسية بالإيجاب, لصعود عناصر ممثله فعلا لشعبها .فالعراق بحاجه إلى برلمان قوي يمارس فعالياته التشريعية والرقابية بحزم وقوه, وليس إلى برلمان ذيلي ركيك مفكك تقوده التجاذبات و الصراعات السياسيه بين الأحزاب ويحتمي بالاغلبيه النيابيه , ويلوذ خلف السلطه والحكومه, ويمرر مآربها ومتطلباتها كما هو حاصل اليوم في برلماننا العتيد . وليست هناك ديمقراطيه رصينه وحقيقيه من دون احزاب سياسيه معترف بوجودها وتشكيلها قانونيا ومجتمعيا , فمعظم الاحزاب السياسيه الحاليه مشكله خارج الاطر والمفاهيم الديمقراطيه, لكوننا نفتقد الى قانون يدير وينظم هذه الأحزاب, حيث لم يرى النور لحد ألان بفعل معارضة الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي, لكون هذا القانون يتعارض مع مصالحها ووجودها وشرعيتها واستمرارها وانه بالتالي سيطفئ ويزيح من على واجهة المسرح السياسي الكثير من الأحزاب العاملة ألان, والتي تستند في تموينها على مصادر ماليه غير شرعيه فضلا على انها تفتقر إلى القواعد الجماهيرية في تأسيسها والتي تتعارض مع بنود وقواعد قوانين الأحزاب السياسية .وما يطفح على المسرح السياسي العراقي من خلق للازمات والمهاترات, إلا بفعل هذه الأحزاب التي أضحت هي المشكلة بحد ذاتها ولا يرتجى منها الوصول إلى الحلول المناسبة لا نقاذ العملية السياسية مما أصابها من تدهور وضمور, لان الممسكين بمقاليد هذه الأحزاب استهوتهم لعبة الشد والمراوغة, لكون بقاء وحضور ألازمه له مردوده النفعي والمعنوي وخصوصا لرموز هذه الأحزاب والمتصدين للمشهد السياسي, حتى يكونوا دائما تحت الأضواء ويشدوا الأنظار إليهم, غير آبهين بشعبهم ووطنهم وما تعكسه هذه الأزمات على نسيجهم الاجتماعي والمعيشي والخدمي , علما ان خلق ألازمه منح طوق النجاة للحكومة من المسائلة إمام شعبها عن أي تقصير و تلكأ وإخفاق في الأعمار والبناء وتقديم الخدمات ,حتى تعطي المبررات والحجج الجاهزة من ان الشركاء في العملية السياسية هم وراء هذا الفشل والإخفاق لإلهائهم بالصراعات الجانبية مبعديهم عن تطبيق برنامجهم الحكومي والخدمي.
https://telegram.me/buratha