تلاحقت الأحداث في دول عدة في محيطنا الأقليمي وفيما هو أبعد منه، وتهدمت دولا عديدة خلال الثلاثين سنة الأخيرة، وأختفت دولا أخرى من خارطة الوجود، فقد أختفى الأتحاد السوفيتي ويوغسلافيا ، وتفككت وتكونت إتحادا دولا أخرى، وجرى ذلك بفعل عومامل عديدة، لكن من بين أهم عواما تهدم الدول هو العامل الذاتي، أي حينما تبنى الدولة على فلسفة خاطئة..في مثالنا العراقي تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء وأن كانت الآمال ليست كذلك، فلقد أنشأنا دولة على أساس افتراض التناقض مع المحيط، وعبيْ مواطنونا بفكرة أن لجيراننا أطماع في أرضنا، وتلك كانت فلسفة بناء الدولة العراقية الحديثة في أوائل القرن الماضي، وكان المؤسسون للدولة العراقية الحديثة قد صاغوا هذا السيناريو اعتقادا منهم بأن ذلك هو الوسيلة الأنجع (لحشد) الشعب خلف الدولة، على فكرة أن الدولة في (الأمام) والشعب ينبغي أن يسير (خلفها)، وتلك كانت الغلطة التصميمية التي كمنت كنقطة بداية (الهدم)، فقد تناقضت الدولة العراقية مع محيطها، وبقيت طيلة ما يقرب من قرن بأكمله مصدر قلق للمحيط، وعمليا فإن دولتنا كانت على خلاف مع كل دول الجوار وأن اختلفت حدة تلك الخلافات من دولة لأخرى، ولعل السبب الثاني والمرتبط بالسبب الأول بقوة هو أن الدولة العراقية الحديثة أنشأت على افتراض جغرافي غير دقيق، والجغرافية لا تعني التوصيف البلداني والتضاريسي فقط ، بل تعني أيضا الجغرافية السكانية والبشرية، التي لم تكن منسجمة مع مبادئ تشكل الدول وحوت دولتنا مشاكل ديموغرافية وسكانية من العيار الثقيل، ولم تتعامل الدولة مع تلك المشاكل بانفتاح يمهد لحلول عملية سليمة، بل لجأت الى حلول خلفت مشاكل أعقد، ولذا لجأت الدولة الى عمليات التهجير والتطهير العرقي والتسفير وحجب الجنسية وإسقاطها على نطاق واسع، وفقد مبدأ المساواة تماما,ذلك كان عامل الهدم الثاني، ولأن الدولة بنيت على عقد اجتماعي مقلوب، فبدلا من أن تكون الدولة أداة بيد الشعب لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن تتصرف على أنها منفذة لآماله بالرقي، تعاملت الدولة مع الشعب وفقا لثقافة القطيع، فالشعب وفقا لتلك الثقافة أداة بيد الدولة وليس العكس، وتلك كانت هي نقطة التي آذنت بزوال الدولة وهدمها.. اليوم وبعد تهدم الدولة العراقية بفعل العوامل الثلاثة مجتمعة، يبدو بناء الدولة الجديدة محاولة أسطورية لبناء (دولة) على أسس جديدة، غير أن بناء الدولة الجديدة مازال يصطدم ببقايا فلسفة الدولة السابقة التي مازالت تلقى رواجا بيننا ـ ليس لصلاحها، بل لأن ثقافة قرن بأكمله لا يمكن محوها ببضعة سنوات منذ زوال الدولة القديمة وتهدمها..
كلام قبل السلام: يبدو أننا سنشهد حلولا عملية بعمليات قيصرية لمشاكلنا الناجمة عن إخفاق الدولة السابقة وبقاء تأثيراتها بيننا...
سلام...
https://telegram.me/buratha