محمود الربيعي
مقدمة في التربية العسكريةهل من علاقة بين التربية العسكرية والنظام الدكتاتوريتعتبر التربية العسكرية أحد الوجوه المؤثرة في الخط العام للمجتمع، فإهتمام الدولة بالحياة العسكرية إنما ينبع من حاجتها للحفاظ على كيان الدولة من طمع الطامعين، ولأجل ذلك ينبغي على الدولة تدريب الناس بالتربية العسكرية، وتوعيتهم وتزويدهم بالثقافة العسكرية المتوازنة، ولذلك تعمل الدول على تخصيص ميزانية خاصة للدفاع، وإختيار إدارة كفوءة قادرة على حفظ أمن البلاد.. وعليه فإن الحياة العسكرية هي جزء طبيعي من النظام الدولي، وحاجة وطنية لازمة لجميع الدول على أن تكون تلك المؤسسة قائمة على عدم إفتعال الأزمات والتصادم مع الآخرين، وأن لاتتحول الى نظام عسكري دكتاتوري، أو له ممارسات دكتاتورية، أو أن يكون عاملاً مساعداً لنشوء ونماء شخصيات دكتاتورية، أو سبباً لنشوء تكتل حزبي عسكري دكتاتوري ممهد لقيام حكم دكتاتوري مستبد خصوصاً إذا كانت هناك مناخات متوفرة مساعدة لنشوء الدكتاتورية تقوم على أساس قومي أوطائفي يتبنى الإرهاب.
بين الدكتاتورية والسلوك العسكريلعل هناك من يقول بأن السلوك العسكري هو سلوك دكتاتوري ونحن نؤكد بأن الأمر ليس كذلك، فالسلوك العسكري هو منهج قانوني مرتبط بالنظام، كما أن السلوك العسكري يتَّبعه القادة العسكريون عادة داخل دولهم ومنظوماتهم الديمقراطية زأشكال الحكم الأخرى، والحياة العسكرية تهذب السلوك العام ومنه السلوك المدني، وعليه فالدكتاتورية شئ والسلوك العسكري شئ آخر.
طبيعة العلاقة بين كل من الحكم الدكتاتوري والمؤسسات الديمقراطية بالشأن العسكريإن الحكم الدكتاتوري لايتفق والحياة الدستورية المدنية والديمقراطية، لذلك فإن من يحكم بالدكتاتورية اليوم فهو يحمل معه عوامل فناءه في عالم السياسة والحكم في على الرغم من العولمة الديمقراطية التي يشهدها العالم، وهو وإن استفاد من الجهاز العسكري للسلطة لكنه يعتبر منحرفاً في إستغلاله السلبي له.
الحكم الدكتاتوري ومؤسسات الدولة التشريعيةإن الحكم الديكتاتوري بطبيعته الإقصائية والقسرية لايمكن أن يبني مؤسسة دستورية على أساس التشاور، فهو يفرض هيمنته وسياساته التي يؤمن بها في الوقت الذي يلغي ماتعارض منها معه، والمؤسسات التشريعية في ظل النظام الدكتاتوري عادة ماتكون معطلة مادامت الدكتاتورية قائمة ومما يؤسف له تجنيده للطاقات العسكرية بالشكل المضر.
نمو الدكتاتورية في ظل الحكم العسكري المستبدإن من الطبيعي أن تنمو الدكتاتورية في المجتمعات التي يسودها الجهل والفوضى ويعشعش فيها منطق القوة لذلك فإن هذا النهج لايمكن أن يتعايش مع القيم العصرية الحديثة فالعالم اليوم يحترم الرأي الآخر ويؤمن بالتعايش معه ويتمثل أو يظهر ذلك كسلوك بين الدول أو كسلوك داخل الدولة نفسها ومن أخطر مايحصل داخل الأنظمة الدكتاتورية هو إمتلاكها للآلة العسكرية التي تضعها بين أيدي جلاوزها وتسخيرها في مواجهة المعارضة الشعبية.
تعدد مظاهر الدكتاتوريةلقد أصبحت للدكتاتورية مظاهر شتى عندما تتواجد في السلطة أو في المعارضة وحتى داخل الكتل والأحزاب الحاكمة والمعارضة وقد تتعدد الشخصيات الدكتاتورية ويكثر أعدادها بتتعدد الطوائف والأحزاب والمنظمات وفي صفوف المعارضة وفي مرحلة الإستعداد والتهئ للحكم الدكتاتوري والقفز على الديمقراطية والإطاحة بها لكن المهم أن لاتكون الآلة العسكرية أو الجيش بيدها وعلى وهذا يتوقف على الجهد الشعبي والوطني الذي يجب أن يتصدى لمنع تلك الهيمنة.
الدكتاتورية سلوك يتقاطع مع الحياة العسكرية في ظل النظام الديمقراطيفالدكتاتورية سلوك قبل أن تكون منهجاً ،كما أنها تعتبر نهجاً وليست نظاماً فهي تفتقر للتنظيم المرتبط بالفكر والنظرية وإن إدُعِيَ غير ذلك فهو كذب، في حين أن النظام الديمقراطي يمكنه أن يستخدم الآلة العسكرية والجهازي العسكري لحماية المصالح الوطنية ويعمل للحيلولة دون وصول تلك الآلة الى أيدي الطغمة الدكتاتورية التي ستعبث حتماً بمقدرات البلاد.
الدكتاتورية الحزبية عندما تستغل الجهاز العسكري للسلطةعندما تعتلي الدكتاتورية الحزبية السلطة وتستغل الجهاز العسكري وتدير دفة الحكم فإنها ستلحق كامل الضرر بالحياة المدنية وبالعلاقات الدولية، فمن طبيعتها الهمجية أنها تتسبب في حروب واقتتال ودمار إقتصادي فهي تستأثر بالأموال عادة، وتهمل الإنسان الذي هو بالنسبة للحياة والبناء الحجر الأساس.
عندما تصبح القومية والطائفة مقومات للدكتاتورية وجهازها العسكريوإن أبشع صور الدكتاتورية عندما تتحول الى نظام طائفي أو عنصري يقوم على أساس عبادة القومية أو الطائفة أو الحزب، ولابد أن نشير الى أن الحياة الإنسانية لايمكن أن تستقيم مع هذه المقومات ولابد لها أن تقوم على أساس من التعايش والمشاركة الإنسانية بغض النظر عن اللون أو المعتقد، وكل محاولة للسلطة لإستغلال الجيش سيكون له عواقب وخيمة لايحمد عقباها.
إحتضان السلطة العسكرية الدكتاتورية للإرهابولعل أخطر أنواع الدكتاتوريات تلك التي تتبنّى عمليات الإرهاب المنظم وتتبنّى النزعة الطائفية خصوصاً تلك الدول ذات النسيج المختلف من القوميات والطوائف والأديان وهي بشكل عام سمة جميع المجتمعات في العالم اليوم، ومثل هذه الدكتاتوريات فإن من غير المستبعد أن تستعين بقوى إرهابية منظمة ومن جنسيات مختلفة كما هو حاصل في الدول التي تعاني من الإرهاب بعد أن تستغل إمكانياتها الإقتصادية والعسكرية.
القبضة الدكتاتورية العسكرية لمقومات الإقتصاد الوطني والقوميإن الدكتاتوريات بصورة عامة تنهج نهجاً خاصاً وتتخذ لها مسارات خطيرة منها سيطرتها على المال والثروة وعلى أساس مبدأ الإحتكار ويكون طريقها الى ذلك تحديد حياة المواطنين الأمنية والمعاشية التي يفتقد فيها المواطن لأبسط مقومات الحياة المستقرة كما تلجأ الدكتاتوريات في أغلب الأحيان الى زج الشعب بأتون الحروب الخارجية أوالإقتتال الداخلي معتمدة على الموارد المادية والبشرية ومنها الآلة العسكرية وجهازها العسكري.
تسليح الحكم الدكتاتوري لمناصريه وحاشيتهويتخذ النظام الدكتاتوري حاشيته عادة من المرتزقة الذين يحومون حول السلطة ويقومون بخدمتها بلا مبادئ ولاقيم لينفذوا مآرب السلطة، ويزود الحكم الدكتاتوري مناصريه عادة بكل وسائل المراقبة والقتل لتوطيد حكمه وحفظ نظامه في حين يحرم السلاح على أبناء الشعب ويستأصل إرادته الشعبية الحرة كما ويعمد الحكم الدكتاتوري الى:-أولاً: جمع السلاح وتكديسه على حساب الثروة الوطنية.ثانياً: شن الحروب الداخلية ضد فئات الشعب المختلفة.ثالثاً: شن الحروب الخارجية ضد الدول المجاورة.كما أن من مظاهره الإهتمام ب: -أولاً: الخدمة العسكرية الإلزامية وعسكرة المجتمع الدكتاتوري الخاضع وإذلال المعارضين للسلطة.ثانياً: تدريب عناصره على استعمال السلاح وتمكينهم عناصره من حمل السلاح وإستعماله بشكل إستبدادي.ثالثاً:أدلجة تركيبته الحزبية وإتخاذها الطابع الآيديولوجي الحزبي القائم على فكر مفتعل غير إنساني وغير أخلاقي.رابعاً: إزدياد حالات استخدام القوة والعنف والقتل في ظل النظام الدكتاتوري.
خاتمة
نحن نرى أن الثقافة العسكرية ضرورية وتحتاجها الحكومات والشعوب للدفاع عن الأوطان ولكن بشرط أن تكون تلك الثقافة قائمة على أساس عدم العدوان على أي طرف داخلي أو خارجي والإضرار بالمواطنين أو الجيران، وبناء على ذلك يجب أن تكون المؤسسات العسكرية ذات ثقافة قائمة على إحترام الإنسان مهما تعددت ألوانه وأطيافه القومية والطائفية ويتمتع بكل حقوقه الديمقراطية والمدنية وعلى أساس المساواة في الحقوق والواجبات وبعيداً عن الإرهاب، وينبغي أن توفر المؤسسات العسكرية الحماية الكافية للإقتصاد الوطني وتعمل على تمتينه وتقويته.
https://telegram.me/buratha