محمد أبو النواعير
منذ أن سقط النظام العفلقي في العراق , والناس في هذا البلد يعتقدون أن التغيير الى الأحسن هو النتيجة التي سوف تحصل . ولكن الذي حصل خلال السنين العجاف التسعة الماضية , أن التغيير شمل نواحي محدودة في الحياة , مع ظهور هوة واسعة بين مفهوم التغيير نحو الأحسن وبين ما تحقق على أرض الواقع . ولانريد هنا في هذه العجالة التفصيل للأسباب الدولية والإقليمية التي ساعدت في عدم حصول هذا التغيير المأمول , بل سنحاول ان نتعرض لجزئية واحدة , وهي تأثير الوعي السياسي الشعبي على سير العملية السياسية في البلد , وأهمية التنمية السياسية او التنشئة السياسية للمجتمع . ويقع الدور الأساسي والمهم في عملية خلق الوعي السياسي لدى المجتمع على عاتق الأحزاب والتنظيمات السياسية والطبقة المثقفة المتخصصة بالعلوم السياسية من جهة , وعلى عاتق منظمات المجتمع المدني , من جهة اخرى . وفي بلد كالعراق نجد أن منظمات المجتمع المدني عبارة عن اشباح تردد صدى قيم العالم الآخر ( الغرب ) , لذا لايمكننا ان نعدها فاعلا مؤثرا في عملية التأسيس للوعي السياسي عند الجمهور . هذا من جانب , ومن جانب آخر , فإن نفس التنظيمات والأحزاب السياسية إذا لم تكن متوفرة على عنصر الوعي الداخلي , والإدراك المسبق لمواطن الخلل الداخلي فإنها سوف تفشل فشلا ذريعا في تشخيص المشكلة وإيجاد الحلول الناجعة لها , لذا شهدنا خلال السنين السابقة تخبطا واضحا في طرح الرؤى السياسية القيمية المستوردة من قبل مختلف التيارات والتنظيمات السياسية , ومدى تجاوب الواقع السياسي في العراق للحلول التي تطرحها هذه الرؤى , إلى أن وصل الحال ببعض المفكرين ورجال الدين أن أصيبوا باليأس التام من إمكانية حصول أي تغيير إيجابي , أو السير نحو تحقيق مفردة الدولة العصرية الناجحة . فكان لتجمع فرسان الأمل ( التجمع السياسي النخبوي ) نظرة ترى أن التجربة السياسية الناجحة يجب ان تكون نتاج تنظيم سياسي ناجح يتوفر على أسس مبنية من خلال أفكار أبناء البلد نفسه , مراعيا ظروف البلد الخاصة , وقد إهتم القائمون على هذا المشروع بتوفر هذه الخصيصة , حيث تميز الفكر السياسي والتنظيمي الخاص بهذا التجمع بأنه يتملك خصائص خاصة به , مرتبطة في الوقت نفسه بطبيعة البيئة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي افرزته , وهذا سيمكنه في المستقبل من تجاوز ظروف مجتمعه ليتمكن من القضاء على أسس التخلف السياسي في وعي مجتمعه . لقد كان مفهوم التخلف السياسي المجتمعي يمثل خطرا داهما في في عملية بناء الدولة العصرية الحديثة , والسبب في ذلك , أن هذه الظاهرة غالبا ما كانت تلقي بظلالها على الظواهر الحزبية والتنظيمية في أي البلد فتطبعها بطابعها الخاص , وتحد من فعاليتها . وحقيقة فإن تدهور معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية في العراق بشكل خاص , والعالم العربي بشكل عام , قد ساهم في تكريس تخلف الوعي السياسي بشكل أكبر , وهذه النقطة بالذات كانت حاضرة في ذهن المؤسسين لمشروع فرسان الأمل , لذا نجد ان هذا المشروع قد إستند في وجوده على إنتقاء العناصر الكفؤة التي تملك معرفة كاملة بمواطن الخلل السياسي , والتي تملك وعيا سياسيا ناضجا , إضافة الى إمتلاكها لعامل القرب من فصائل المجتمع المختلفة . لقد إنبثق تجمع فرسان الأمل من رحم إخفاقات كبيرة منيت بها السياسة في العراق , أدت هذه الإخفاقات وعلى مدى عقود طويلة إلى نشر التخلف السياسي في الوعي الشعبي العراقي , وهذا ادى بدوره الى : عدم الإستقرار , وعدم التكامل السياسي والإجتماعي , وغياب العقلانية في إتخاذ القرار السياسي , مما ساهم بخلق هوة إمتدت تأريخيا وألفها الوعي العراقي ما بين الحاكمين والمحكومين , إضافة الى إنعدام المشاركة السياسية , وقلة الوعي السياسي الوطني , وإنعدام وجود المؤسسة السياسية الصحيحة , وغياب الإتفاق العام حول هوية المجتمع . وكانت هذه الأسباب من العوامل الرئيسية في ولادة مشروع الفرسان , والذي وضع في مناهج عمله نشر الوعي السياسي بين ابناء المجتمع , الذي ترسخت فيه سيادة القيم التقليدية والخصائص السيكيولوجية التي غالبا ما كانت السبب المحوري لتشجيع حالات الفساد الفساد , وتكريس الكسل والمشاعر الذاتية , وعدم الخلق وروح التسلط . ولم تكن ولادة تنظيم فرسان الأمل قائمة على نظرة إحادية في جانبها القيمي او الديني , بل أن هذا التجمع بني أساسا على مبدأ الإنفتاح على المنظومات القيمية للآخر , مع وضعه الخطوط الحمراء ليضمن عدم التجاوز على القيم الأخلاقية والدينية الغالبة على الشعب العراقي . وقد رعى مؤسسوا هذا التنظيم في الوقت نفسه تداعيات عملية تطور المجتمعات , والتي تكون مصحوبة عادة بتعقيدات ومصاعب ينتجها التحول التطويري والتحديثي لهذه المجتمعات مما يفوق إمكانية وقدرة التنظيم السياسي أو الحزب السياسي العادي على مجاراتها , خاصة وأن معظم الأحزاب والتنظيمات في بلدنا قد قولبت تعاطيها السياسي بقالب فكري آيديولوجي قد يتلائم مع مرحلة ما قبل التغيير , لذا نجد أن هذا التنظيم قد إمتلك عامل المرونة والتغير مع مقتضيات التحديث دون التجاوز على الثوابت والخطوط العامة المميزة للمجتمع العراقي. وإن مما يؤسف له أن عملية الإنتقال التحديثي السياسي في العراق , من نظام دكتاتوري متسلط الى نظام ديمقراطي سياسي تعددي , قد أدت الى حصول مشاكل وتمزقات في نفس الوعي السياسي لأبناء البلد , حيث مثلت هذه النقلة نوع من حالة الإغتراب السياسي لدى المواطن , ما بين التقليد الصومعي الدكتاتوري القديم , الى الإنفتاح الواسع الأفق والمديات في كل الفعاليات والحقوق والواجبات السياسية . وهذا ادى بالنتيجة الى حصول حالة من التحلل في القيم السياسية القديمة , وتبلور قيم سياسية جديدة تتحدى الأسس التقليدية لمفهوم السلطة , وهذا ادى الى دخول اعداد متزايدة من الناس الى الحلبة السياسية والمشاركة السياسية , مما ادى الى إنعدام تحقيق حالة الإستقرار السياسي , أو ما كان يسميه صموئيل هنتنجتون ( التحلل السياسي ) , مما أدى الى حدوث تصدعات في الهوية السياسية والإجتماعية وبروز ولاءات جديدة , آخرها دعاوى الإنقسام والإنفصال . لذا نجد أن الأسس الفكرية التي بني عليها تنظيم فرسان الأمل , إشترطت في بناءاته الفردية على توفر عنصر الكفاءة وعدم فتح الباب على مصراعيه في عملية الإنتماء والممارسة السياسية , مع إعادة عملية تصنيع الشخوص وتثقيفهم وتأهيلهم ليكونوا قادة ناجحين , مما ساعد على توحد فئاته داخل إطار قيمي سياسي وطني يحمل وعيا كافيا يمكنه من التصدي لحالة عدم الإستقرار السياسي داخل بنائه التنظيمي . وأخيرا أختم مقالي هذا بالتساؤل المعهود : هل سيتمكن الفرسان ( النوعيين , الكفوئين ) من إحكام سيطرة الوعي السياسي الناضج على مفاصل التفكير المجتمعي العراقي ؟ أم أنه سيكون حالة إستنساخ لدعوى تطويرية مرت بها التجربة السياسية العراقية الحديثة والمعاصرة ؟؟؟؟ بقلم : محمد ابو النواعير - النجف الأشرف .
https://telegram.me/buratha