علي بابان وزير التخطيط السابق
كلما فكرنا بمسائل الإقتصاد وشؤون بناء الدولة العراقية، ومستقبل العراقيين على هذه الأرض تذكرنا بأننا في أتون أزمة سياسية طاحنة قد تطيح بكيان الدولة، وتهز إستقرار المجتمع، ولهذا نرحل قضايانا الكبرى إلى إشعار أخر ريثما تنجلي الأزمة.عبثا نتحدث عن خطة للتنمية عشرية... أو خمسية... أو حتى سنوية، ونحن لا ندري ما الله فاعل بنا في الغد أو بعد الغد... ويكون من "الهزل" أن نتحدث عن إصلاح النظام الإقتصادي أو التعليمي، ومفردات مثل "التقسيم" ... و "الحرب الأهلية" تطل برؤوسها علينا صباح مساء ..!!العراقيون متهمون بأنهم لا يفقهون "حساب الأولويات"، عندما ذهب ذلك العراقي إلى إبن عباس ليستفتيه في حرمة دم البعوضة فرد عليه قائلاً: "أهرقتم دم الحسين، وتستفتيني في دم البعوضة...؟!"، منذ ذلك اليوم ونحن متهمون بأننا شعب لا نحسن ترتيب الأولويات، وتختل موازينها في أيادينا...كلما أردنا أن نعيد تصويب البوصلة بإتجاه قضايانا الكبيرة، وتحدياتنا الهائلة، أعاد الساسة المتصارعون توجيهها نحو معاركهم... وقضاياهم... كلما أردنا أن نذكر العراقي بأن بلاده تتصحر، وأنهاره تجف، وأن هامش المستقبل يضيق أمامه... وكلما حاولنا أن نرتب أجندته الوطنية بنسق جديد جاءت معارك السياسة لتبعثر تلك الأولويات... وتطيح بتلك الأجندة...الساسة يأكلون الحصرم، وأهل الإقتصاد يضرسون... والعراقي هو من يدفع الثمن في نهاية المطاف، وهو الخاسر الأكبر في هذه المأساة - الملهاة...المستقبل العراقي في مهب الريح، والدولة العراقية موضوعة على طاولة التشريح... والقرار الوطني يصنع في الخارج، والساسة إفتتحوا مزادا الدفع فيه بالعملة الصعبة...!!رؤوسنا تصطدم بجدران التعصب ... والجهالة... وضيق الأفق، وعندما نحلم بمستقبل جميل لأولادنا وأحفادنا في وطنهم نصحو على ذلك الإرتطام، ونحس بالألم في رؤوسنا... وبالوجع في قلوبنا...نشعر وكأن الزمن لفظة مشطوبة من قواميسنا، وأن قيمته مهدرة في حساباتنا وأن ساستنا وقادتنا يتصرفون وكأن الزمن بحر محيط يغترفون منه ما يشاؤون فيما الأمم تتسابق بالأيام والساعات... الزمن لا وزن له عندنا، ولذلك مشاكلنا ... وصراعاتنا ... وتجاذباتنا تدوم سنينا ... تناقضاتنا تغدو صراعات... وصراعاتنا تفرخ حروبا... ومشاكلنا تهمل لتلتهب وتتقيح ... ولا يهم أن يأتي الحل أو الفرج في سنة أو عشر سنوات...التسويف عندنا "سيد الأحكام" والسياسي الناجح في أعرافنا هو من ينجح بترحيل المشاكل وتأجيلها لا من يوفق في حلها وإنهائها... كل المسائل ... والقضايا... معطلة ... مؤجلة... معلقة... إلى زمن قادم.صار الحديث عن "الإقتصاد" و"بناء الإنسان" و "رسم ملامح المستقبل العراقي" سخافة... وضياعا للوقت، إذا ما قارناها بقضايا "مصيرية خطيرة ...!!" ... من وزن... ماذا نطلق على إجتماع الساسة، وهل نسميه "مؤتمرا وطنيا أو لقاءا أم دردشة"؟... وهل "يعود السيد صالح المطلك لمكتبه أم لا يعود" ... وهل... " تقدم القائمة العراقية مرشحين جدد لوزارة الدفاع ...!!"؟؟.دستورنا فيه بضع وخمسون مادة بحاجة إلى أن تشرع لها قوانين لكي تفهم... وتحل ألغازها... أما متى تشرع هذه القوانين فعلمها عند الله، والراسخون في العلم، وهم على درجات ...!!الهوامش... الحواشي تزيح المتون في بلادنا... وعبثا أسطر مقالاتي متحدثا عن محنة العراق القادمة في مياهه... وتدهور الإنتاجية في الإقتصاد العراقي ... وإنقراض الصناعة والزراعة في بلادنا... وعقود النفط والغاز ... لأن الحديث عن حذف أصفار العملة العراقية صار الموضوع الذي يطغى على الصحافة الإقتصادية في العراق ويتصدر العناوين منذ عامين، وهي مسألة أفضل ما يقال فيها أنها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً..!!إحترق المسرح من أركانه، ولم يزل بعد الممثلون... هذا البيت الذي وصف به نزار قباني حال الأمة أجده شديد الشبه بحالنا... فالمسرح يحترق بالفعل، وتتساقط أركانه... ولكن الممثلون لا زالوا منهمكين بأداء أدوارهم غير مبالين بالحريق من حولهم، أما النظارة المساكين فأنهم يتابعون المشهد مرغمين، وفي نفوسهم شيئ من السخرية... والإستغراب... والخوف لأن الحريق صار قريبا من مقاعدهم...إنقساماتنا تزداد... وصراعاتنا تستفحل... وتجاذباتنا تتواصل، ولا يبدو أن ثمة ضوء في نهاية النفق...الفيدرالية الكردية في بلادنا يبدو أنها ستفرخ فيدراليات ... والفيدراليات ستفرخ كانتونات ... وجيتوات... ومعازل...رئيس الوزراء نوري المالكي قال أن كركوك مدينة عراقية ولكل مكوناتها وله الشكر و التقدير لشعوره الوطني ... والتحالف الكردستاني رد عليه بأنها مدينة عراقية ذات هوية كردستانية... فردت عليهما الجبهة التركمانية بأن كركوك مدينة عراقية ذات هوية تركمانية... ولا أدري ماذا ينتظر الأخ ممثل المكون الكلدو أشوري الذي تغير إسمه مؤخرا وأصبح المكون السرياني- الكلداني - الأشوري لكي يعلن أن كركوك مدينة عراقية ذات هوية أشورية، لاسيما أن هناك الكثير من التقارير من العهد العثماني تقول بأن كركوك يسكنها غالبية من الأشوريين... وبالمناسبة فإن بعض الأقضية في الأنبار تهدد هي بدورها بإعلان الإستقلال عن "المركز" في الرمادي...!! بعد خلافات "عقائدية عميقة" تتعلق بالمشاريع والعقود ..!!.الشاعر السياب يقول ... ما مر في العراق عام إلا وبه جوع... ونحن نضيف ما مر في العراق عام إلا وبه أزمة... فمتى سنخرج من هذه الأزمات لنقوم ببناء بلدنا، وتعمير وطننا، والإرتقاء بمواطننا، وهي الأجندة الطبيعية لكل أمم الأرض، ولكل دول العالم...هل نعيش اليوم نحن في العراق نوعا من "فقدان الذاكرة" و "تشوش الذهن" و "تغييب الوعي" التي يبدو أنها تصيب الأمم كما تصيب الأفراد... هل يبدو "الضمير الوطني العراقي" في حالة إسترخاء ... أو تبلد ...؟؟متى تشفى رؤوسنا من جرح الإرتطام بالجدار..؟ بل متى نهدم الجدار من أركانه...؟؟
https://telegram.me/buratha