السيد حسين السيد هادي الصدر
من أروع الصفات الجميلة ،التي تكشف عن سمّو النفس وعلّوها ، نكرانُ الذات .انها الخصلة الدّاله على كنزٍ ثمين من المكارم والأخلاق الرفيعة ،بكل ما تنطوي عليه من طُهر ،ونقاء ،وتواضع ،وزهد بالمظاهر والعناوين والألقاب ......وانّ الفارق بين مَنَ يُضفي على نفسه من الألقاب والسمات ما يرتفع به عن مصاف كبار العظماء من البشر ،وبين مَنْ يكتفي بذكر اسمه مجرداً من كل الأوصاف والنعوت ،رغم استحقاقاته الكبيره لأرفعها واعلاها ، لكبير جداً .ان الفرق بينهما هو الفرق بين الداء والدواء ....!!!ان التناسب طرديٌ بين الذات العامرة بالفضائل والخصائص الباهرة ، وبين التوازن والاعتدال واطرّاح التضخيم والتفخيم ....وهذا هو سرُّ النجاحات الاجتماعيه التي يحرزها الأبرار ويقتحمون بها أسوار القلوب ان العظمات ، تنبعُ من الداخل عند اصحاب المنهج الأخلاقي القائم على اساس نكران الذات ، بينما تفتعل المزايا والسجايا ، وتصطنع اصطناعاً عند المولعين بأنفسهم ولا تكون المحصلّة النهائيه الاّ بائسة هزيلة . يقول الشاعر :يصنع الصانعون وَرْداً ولكنْزهرةُ الروض لا تُضَارَعُ شَكْلاً وتطفو على السطح ، في كل المجتمعات ، نماذج من المدرستين ، وفي كل الحقول والمجالات فهناك ادعياء العلم والثقافة والمعرفة والفنون .وهناك ادعياء الريادة السياسيه والاجتماعيه .وهناك ادعياء الوطنية والنضال المرير ....كما أنَّ هناك رموزاً لايرقى الشك الى أصالتها وفاعليتها في مضامير العلم والعمل الوطني والسياسي والخدمة الاجتماعيه ، تُؤْثر أن تكون بعيدة عن المزايدات والمزادات ....انها لاتشتري أماديح الناس ومواقفهم بالمال الحرام .وليس لها من يَضُّخُها ليل نهار ، في وسائل الأعلام ، وفي المحافل الخاصة والعامة ، وحسبها أنها تعمل في سبيل الله - وهو مطلع على كل شيء - من أجل الشعب والوطن ومصالحهما العليا .....فالمهم عندها العمل النافع ، لا الصيت الشائع ،وليست متورطة في عمليات التسقيط "لهذا أو ذاك ، فضلاً عن تورعها عن الاستحواذ على المال العام أو استغلال المنصب والمقام ...ان الأجواء المشحونة بسعار الصراع السياسي الاحترافي ، مُتعبةٌ مُرهقهٌ ، تثقل كاهل المخلصين الوطنيين بالمزيد من الأعباء وللأسف ، فان السنوات التسع الماضيه اقترنت بألوان من الممارسات ملأت القلوب غصصاً وأشجاناً ،ولا ندري متى يكون الخروج من النفق المظلم ؟!!نكران الذات يرتضي تقديم التنازلات ، وهو ما تعذّر الحصول عليه من قبل عامة السياسيين المتصارعين في الساحة العراقيه ..!!نكران الذات يقتضي الرضا بتقدم الآخرين ،بينما أوصدت المحاصصاتُ الأبواب على غير أهل تلك المحاصصات ...!!!نكران الذات :يعني مبادرتك الى الاستقاله متى ما رأيتَ من هو أصلح منك ، لا الاصرار على أزاحة كل المنافسين ..!!نكران الذات : يعني الاعتراف للآخرين بايجابياتهم ، لاسلبها عنهم والتركيز على سلبياتهم فقط ..!!نكران الذات : يعني أنك لاتسأل ابتداءً عن موقعك في الخارطة السياسية ولا يهمك ان تكون خارجها اذا كانت مصلحة الوطن تقتضي ذلك .ان المشكلة اليوم تتمثل في حسابات المواقع والمصالح الفئويه والحزبيه قبل حسابات الوطن والمواطنين وأين هذا من نكران الذات ؟لقد ارتضى المحترفون السياسيون بان تكون العلاقة بين السياسه والأخلاق علاقة تضاد وتناقض ، بينما الصحيح هو ان تكون السياسة مغموسة بعطر الاخلاق ، وان لا تخرج من اطارها وحدودها ان الازمة اذن هي أزمة أخلاق ومن هنا فاننا ندعو الى تكثيف المراعاة للعنصر الاخلاقي في العمل السياسي ، فالاخلاق هي التي تصون المجتمع من كل حيف وزيف ، حيث لا اختلاس ولا انتهاب للمال العام ، ولا تسقيط ولا أضرار بهذا القطب أو ذاك ، ولا تآمر على هذه الكتله أو تلك ، وانما هو التنافس المشروع ضمن الثوابت الوطنيه والاخلاقيه المعروفه .هذا هو الحل ، وان كان يبدو مثالياً صعب التطبيق .ان الانسان الصالح مفضّلٌ على الملائكة ، لانه استطاع ان ينتصر على شهواته، في حين أن الملائكة منزوعة الشهوات ان العنصر الأخلاقي يرفض كل الاجندات الخارجيه ، وينظر بعين الريبه الى كل ألوان الابتزاز والانحياز لغير الدين والشعب والوطن .
https://telegram.me/buratha