صالح المحنه
الدستور كما هو معرّف عالميا هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة وشكل الحكومة وينظّم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والأختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة، وينظّم الحقوق والواجبات للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة، ويشمل إختصاصات السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وتلتزم به كل القوانين أي بعبارة واحدة (تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية ) ولمن يريد التعرّف أكثر على أهمية وقيمة وحرمة الدستور القانونية في تنظيم حياة الأمم يزور سيدنا كوكل ويذهب الى موقع الموسوعة الحرة ويطّلع على تفاصيل أكثر دقّة. وقد إلتزمت كل دول العالم المتحضّرة والمتقدمة بدستورها حد التقدّيس وتحترمه كنبي مرسل، ولولا هذا الأعتقاد وهذا الأحترام لقوانينها لما تقدمت ولما سُميّت دولٌ متحضرة. أما في دول العالم النائم الثالث، الدستور فيها يتفوق على أقرانه في الدول المتقدمة من حيث الحجم وعدد الأوراق فقط ، لكنّه غير محترم ولاقيمة له عند الحكّام ،ويُطًبّق نصفه على المحكوم لأداء الواجبات وليس ضمان الحقوق، ويعطّل النصف الآخر الذي يلامس صلاحيات السياسيين المتنفذين في الدولة، وهكذا أسقطوا قيمة الدستور حتى أصبح لايساوي عندهم ثمن الورق الذي كُتب عليه،في عراقنا الجديد عراق مابعد البعث الصدامي كانت أولى أولويات التغيير وعلى رأس المطالب هي كتابة دستور جديد لتنظيم عمل الدولة وتفعيل القانون الذي يكفل حرية المواطن وضمان حقوقه وهذا ما أكدت عليه ايضا المرجعية الدينية في بداية إنطلاق العملية السياسية،تفاديا لتكرار الأخطار المميتة التي فُجع بها المواطن العراقي وهو يرضخ تحت حكم الفرد الواحد بلا دستور وبلا قانون إنساني، وتجنبا لكل تفرّد بالسلطة وإتخاذ القرارات المصيرية. وفعلا بدأت حملة التبشير وبوقت مبكر بولادة الدستور العراقي الجديد الذي يحمل لنا الأمن وألأمل في تأسيس دولة مدنية مبنية على أساس فقراته القانونية الجديدة، وبما ان السياسيين الجدد الذين تصدوا للعملية السياسية هم من دعاة الثقافة والتحضّر ورعاية حقوق الأنسان ،كون اغلبهم كان يعيش في البلدان المتقدمة ودخل العراق محمّلا بثقافة القانون وإحترام الدستور ، ولكونهم عانوا من بطش النظام السابق وذاقوا ظلمه ، اعتقدنا أنهم سيجاهدون لأجل الحفاظ على حرمة الدستوروالألتزام بفقراته حرفياً ، وهذا هو كان شعارهم جميعا ولازالوا ولكن الواقع السياسي يشير الى غير ذلك ، كانت فرحة الشعب العراقي كبيرة جدا عندما باشر السياسيون العراقيون بترشيح خبراء القانون ليشرعوا لنا دستورا دائما ملزما للجميع لايستثني أحدا ،كان الحديث عن الدستور كالحديث عن المنقذ الذي سيكون في عراقنا ولأول مرة في تاريخه الحديث ينظم حياة المجتمع وينظّم إدارة الدولة ويبعث في نفس المواطن الأطمئنان على حقه ، واكمل الخبراء كتابة الدستور وطُرح على الشعب العراقي ليصوت عليه وبغض النظر عن مضمونه والثغرات التي تخللته ،آمن به الشعب وصوت عليه بنسبة مقبولة،وتفائل الجميع بتطبيقه والعمل به والسير على قوانينه التي خطوها بأديهم ، وفعلا عملوا به ولكن في نصفه الأدنى النصف الذي يعني المحكومين وليس الحاكمون، وشيئا فشيئا تحول الى دستور معوق لايطال حتى الفاسدين من رموز السلطة،أُسقطت حرمته عندما تجاوزوه وعمدوا الى حل مشاكل الدولة في البيوت والمقرات الحزبية بدل قبة البرلمان المشرعة دستوريا، يهربون يمينا وشمالا لحل مشاكلهم إلا اللجوء للدستور،أصبحت مضايف العشائر وبيوت السياسيين وعواصم الدول المجاورة والبعيدة كلها أفضل من الدستور العراقي، وبدل أن ينحني السياسيون لدستورهم وهو شرف لهم أصبحت ورقة أربيل والنجف ولربما الرمادي غداً هي الحاكم والمتحكّم بهم، المواطن الغلبان وحده الذي يحترم الدستور ويطبقه، أي نظام وأي سياسيين أولئك الذين في كل يوم تستدير رؤوسهم الى حدب وصوب ؟ مرة للشمال وأخرى للجنوب ؟ أين هم من بغداد ؟ لماذا يتجاهلون العاصمة؟ لما ذا يحتقرون بيت العراقيين (البرلمان) و يذهبون الى بيت فلان وفلان..؟ إحملوا دستوركم إذن وألقوا به في دجلة ،وإلجأوا الى قبائلكم ، ودواوينكم، أليس من المنطق القانوني والسياسي أن تتفق الرئاسات الثلاثة على عقد مؤتمرا محددا في بيت الشعب العراقي البرلمان وتحل مشاكلكم؟ وليحضر من يحضر، مرت تسع سنوات ولاحل لمشكلة الكهرباء وبدل السهر والمحاسبة والمتابعة لهذه المشكلة ، تتحول الى مناكفات وخلافات شخصية لاعلاقة لها بالبلد والمواطن، أفلحتم فقط في تأسيس التيارات السياسية وفشلتم في إصلاح التيار الكهربائي! أعان الله الشعب العراقي وألهمه الصبر والبصيرة في إختيار من يمثله في إدارة إموره...
https://telegram.me/buratha